بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية تمكنت إيران من تطويع سياسة الحصار المزدوج مستندة إلى دبلوماسيتها النشطة وأوراقها الإقليمية الكثيرة ، وبراغماتية قادتها الذين افلحوا في مخاطبة الآخر عبر سلاح المصلحة الاقتصادية . كانت سياسة الحصار المزدوج مرسومة لتقويض العراق وإيران معا ، تماماً كما كانت الحرب السابقة عليها تعني في نهاية المطاف تقويض النظامين والبلدين ، غير أن العراق دفع ثمن الحصار المزدوج اكثر من إيران ، وتمكّنت طهران من الإبحار بسلامة في مياه الحصار العاتية . ومها كانت الأحوال والتحالفات مختلفة إلى حد كبير عن المشهد الحالي الذي تواجه فيه إيران احتمالا لحصار أنكى واشد ، مع فارق جوهري أن الحصار هذه المرة سيكون موجهاً لها دون غيرها ، وأنها الرقم الأول في جدول الأولويات وذلك عطفاً على المشكلة النووية المتصاعدة بينها والإدارة الأمريكية من جهة، وبينها وبين حلفاء الولايات المتحدة من جهة أخرى وإذا كانت إيران أفلحت في إبهات وتعطيل الحصار المزدوج قبل عقود من الزمن فليس هنالك الآن أي دليل على أنها تستطيع أن تعطّل القادم المداهم ، فالمسألة لم تعد قابلة للمساومة مع الأطراف الملتبسة ، بل إنها اقرب إلى الحمية القسرية التي ستواجهها طهران ، اليوم أو غداً ، وليس بعد ذلك بحال من الأحوال ولا تبدو المقدمات لصالح إيران بالمعنى السياسي العام ، ذلك أن الموضوع برمته سيكون صادراً أساساً عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، ومُعمّداً من قبل مجلس الأمن ومُحاطاً بتحالف غربي مثيل ، ومناورات روسية صينية قد لا تتجاوز حدود الاستفادة القصوى من " شهادة الزور " التي قد يقدمها البلدين الكبيرين عطفاً على الروابط الاقتصادية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي . [email protected]