- د. عمر عبد العزيز بالرغم مما حاق بالولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وبالرغم من الفشل الظاهر الذي تصرح به الدوائر السياسية الأمريكية وتدل عليه المظاهرات المتصاعدة في الداخل الأمريكي .. بالرغم من كل ذلك فإن إدارة بوش الإبن مازالت مُصرة على تتويج فوضاها " البناءة " بالمزيد من الفوضى، وقد تحدث مؤخراً أحد كبار عرّابي الحروب الأمريكان السيد " توماس ماكنرني " القائد السابق لسلاح الجو الأمريكي .. تحدث إلى صحيفة " يدعوت احرونوت " الإسرائيلية محدداً معالم الحرب الأمريكية القادمة ضد إيران، وبلهجة تخلو من كل موضوعية ولباقة، فقد تحدث العسكري الأمريكي عن ضربة شاملة تُحضر لها الولايات المتحدة في خريف العام القادم 2007، حيث تستهدف الضربة الجوية حوالي15000 موقع يتم ضربها خلال 24 ساعة !! وربما 36 ساعة، وتشارك فيها 60طائرة من طراز " الشبح "، تتلوها مئات الطائرات القاصفة والمعترضة والاستطلاعية، بالإضافة إلى القاصفات الاستراتيجية الأمريكية القادرة على الضرب من علو شاهق وحرق آلاف الهكتارات من المواقع المستهدفة !! . يتحدث توماس ماكنرني بلغة واثقة، وبعقلية تذكرنا بذات السيناريوهات الافتراضية التي سبقت حرب العراق، وبذات الاستنتاجات التي تقول بسقوط النظام وانقلاب الشارع الإيراني عليه ! . من المضحك المبكي حقاً أن ماكنرني وأمثاله من دعاة الحرب الدائمة لا يسعهم قراءة المشهد السياسي والإنساني الماثل في العراق وأفغانستان، ومن المحزن حقاً إنهم يسوّقون لذات الفرضيات التي فشلت وانكسرت في العراق وأفغانستان معتقدين أن الناس يعيشون خارج الذاكرة والجغرافيا والتاريخ . مثل هذه اللهجة العسكرتارية المعتدة بالقوة وجنونها لا يمكنها أن توصل إلى نتيجة، وهي ليست عقلية بناءة بحال من الأحوال، وتدل عل منطق أيديولوجي عقائدي أعمى لا يرى من المشهد سوى القوة .. والقوة فحسب . إذا صح أن الإدارة الأمريكية عقدت العزم على مثل هذا الفعل استناداً إلى أقوال ماكنرني الواثقة جداً وغير القادمة من فراغ .. إذا صح ذلك فإن سيناريو العراق وأفغانستان لن يتكرر بنفس الدرجة، فالحاصل أن إيران ستعمل حتماً على الأخذ بمنطق " شمشون " وتوسيع دائرة الحرب المفروضة عليها، وان الإقليم برمته سيقع تحت مرمى النيران المتبادلة . لن يلجأ الإيرانيون إلى رهانات " صدام " الأولى والثانية، فقد توهّم صدام بعد غزوه للكويت أن الولايات المتحدة سترضخ لشكل من أشكال التفاهم، وتوهّم قبيل حرب غزو العراق بأن ضغطاً دولياً سيحد من اندفاع البنتاغون .. لكن إيران لا يمكنها أن تكرر ذات السيناريو لعلمها التام بأنها أسهمت في محاصرة نفسها بنفسها عبر التنازل الإجرائي وإغماض العينين عن الغزو الأمريكي المزدوج لأخطر دولتين مجاورتين على أمنها الداخلي " العراق وأفغانستان " . القيادة الإيرانية احتسبت خلافاتها السياسية الأيديولوجية مع البعث وطالبان وهي تقوم بتجويز المرور الأمريكي إلى البلدين دون عوائق منها، ولعل بعض النخب الميكيافيلية السياسية في طهران توهّمت أن أنصار النموذج الإيراني سيملأون الفراغ في بغداد، غير أن الأمريكان لم يوفروا وقتاً أو جهداً لتحديد الهدف التالي ممثلاً في طهران بالذات، حتى أن معركة التخصيب الذري لا تبدو سوى ذريعة كبرى وعتبة انطلاق نحو ترتيب فوضى جديدة في الداخل الإيراني، ستتمدد بقوة دفعها الخاصة وبالتضافر مع فوضى العراق وأفغانستان إلى الإقليم برمته ، فسوريا ولبنان ليستا بمنأى عن " الفوضى البناءة» وذلك عطفاً على سيناريوهات ما قبل العدوان الإسرائيلي وامتداداتها الراهنة، ومنطقة الخليج تئن بأحمال خلل من نوع آخر يتمثّل في تقاطع المصالح النفطية والاستثمارية العالمية، مما تعتبره طهران وسيلة من وسائل الحد من اندفاع الأمريكان سواء عبر إغلاق مضيق هرمز أم استهداف المنشآت النفطية في منطقة شرق الخليج العربي . [email protected]