د. عمر عبد العزيز في النظريات الأوروبية المادية أولى كبار المفكرين اهتماماً واسعاً لظاهرة العنف في التاريخ، وقد تصدت المدرسة المادية الديالكتيكية على وجه أخص لهذه الظاهرة وحاولت البحث عن الأسباب الموضوعية التي تؤدي إلى العنف والحروب والإبادات، وبدلاً من أن يتبنى الماديون الحلول التاريخية التي قدمتها الديانات المختلفة تبنوا فكرة إزالة الأسباب الجوهرية لظاهرة العنف من خلال تحليل المجتمعات البشرية وما سمّوه لاحقا بنظرية التشكيلات الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت بالمجتمع المشاعي الأول وتلاه المجتمع العبودي فالإقطاعي فالبرجوازي، وخلال رصدهم لمسارات تلك المجتمعات رهنوا تاريخ العالم الحي بالتاريخ الأوروبي الذي تبلورت فيه عملياً كل تلك المراحل، كما أنهم حاولوا البحث عن الحقيقة من خلال المنطق المادي البرهاني الصرف مستبعدين "إجرائياً" البعدين الروحي والمفاهيمي للبشر، معتبرين أن تلك الأبعاد لاحقة للحياة المادية وليست موازية أو سابقة لها . اعتبر الماديون الجدليون أن بنية المفاهيم إنعكاس لبنية الوجود، وان هذا الانعكاس ليس شرطاً ميكانيكياً فقد تكون الفكرة سابقة أحياناً على الوجود المادي، وقالوا بأن الدولة هي أساس العنف، باعتبار أن الدولة التاريخية نشأت عطفاً على التقسيم الاجتماعي للعمل وتراكم الثروة بيد فئة من الناس، وكان لا بد لمثل هذه الدولة أن تكون أداة قمع بيد الطبقة المسيطرة، وان الحل الجذري لمشكلة العنف التاريخي يكمن في إنهاء الدولة التاريخية الطبقية لصالح دولة الرفاه الاجتماعي والمادي الذي يتحرر فيه الإنسان من الحاجة . هذه الفرضية الطوباوية اصطدمت بالحقيقة عندما حاولت البلدان الاشتراكية تحقيق "الألفية الماركسية الفاضلة"، فإذا بدولة العمال والفلاحين تتحول إلى دولة طغمة من الأيديولوجيين الجامدين والعسكريين الأفجاج والبيروقراطيين الفسدة، فتاهت الفرضية وسقطت طوباوية الحالمين الاشتراكيين في فك الوحشية الرأسمالية العالمية بقيادة اليمين الأمريكي. اليمين الأمريكي المدجج بأيديولوجيا الإنجيليين الجدد لم يوفر وقتاً أو مالاً وهو يندفع باتجاه ترتيب البيت العالمي وفق قياساته، فدارت دورة العنف الدموي العالمي كما لم نر في أيام الحرب الباردة، ومازالت هذه الدورة الجهنمية تعد بإنتاج المزيد من الويلات، فالأهداف المرصودة لم تتحقق بعد، والديناصور الأمريكي لا يمكنه القبول بالتراجع الاستراتيجي.