عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السؤال الذي لاسبيل للاجابة علية حتي الأن : لغة قريش ماأصلها ؟ كيف نشأت ؟ وكيف تطورت ؟
هذا هو تاريخ اليمن ( الإرهاص )
نشر في الجمهورية يوم 20 - 12 - 2006

-د. عبد الله علي الكميم ..تناولت موضوع اللغة، والكتابة من حيث النشأة في المجلد الأول من مؤلفي هذا، ولكني مررت عليها مرور الكرام، وأجَّلت الخوض فيها بإسهاب لهذا الذي خصصته للغة اليمنيين وكتاباتهم التي أعتبرها كما يعتبرها الكثير من العلماء والكتاب وفي مقدمتهم العقاد أصل لغات الساميين وكتاباتهم، وهي لغة القرآن، وخط المسند هو خطه أيضاً كما ستثبت هذه الدراسة، إن شاء الله.
سأتناول هنا معنى اللغة والكلمة مستعيناً بأهم المراجع المتيسرة مرتبة زمنياً ما أمكن.
الفصل السابع
مرتكزات طه حسين النظرية وإبطالها
اعتمد هذا المعتوه في هجومه واستخفافه بحضارات اليمانيين وهي بلا شك حضارات وثقافات العرب ككل، بل هي حضارات وثقافات الناس أجمعين على ركائز ثلاث هي:
1- مقولة لأحد أدباء البصرة هو أبو عمرو بن العلاء الذي عاش بين سني 70-159ه. وكان قد أصيب بالعته في شطر من حياته وأحرق مكتبته.
2- بعض النصوص المسندية التي لم يفهمها وفسرها تفسيراً وفق مزاجه كما فسر مقولة أبي عمرو بن العلاء.
3- الشك. وقد نقل نظريته نقلاً آلياً من (ديكارت)، وطبقه على التراث العربي (اليمني) تطبيقاً أعمى!!
ففيما يتعلق بمرتكزه الأول:
لقد قال أبو عمرو بن العلاء: (ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا) ص17، 29 طبقات الشعراء.
بينما نقلها طه حسين هكذا (ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا). وقبل أن نأتي على ردود أدباء ومفكري اليمن، وبعض المفكرين والأدباء العرب، واجتزاء نصوص من محاكمته. فقد اعتبره الجميع مارقاً وخارجاً على كل ثوابت الأمة، وعلى كل القواعد والأسس والضوابط التي رسخت العلوم، ويسير عليها الخلف بعد السلف، كونه حمل معول الهدم ولم يأت بجديد أو بديل.
لقد قال (ابن جني) وهو أحد أئمة اللغة المعدودين في حجة إجماع أهل العربية، ومتى يكون حجة قال:
(اعلم أن إجماع البلدين إنما يكون حجة إذا أعطاك خصمك يده ألا تخالف المنصوص، والمقيس على المنصوص، فأما إن لم يعط يده بذلك إنهم لا يجتمعون على الخطأ كما جاء النص عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله: (أمتي لا تجمع على ضلالة). وإنما هو علم منتزع من استقراء هذه اللغة.
ويقول ابن جني أيضاً: إلا أننا مع هذا الذي رأيناه، وسوغنا مرتكبه لا نسمح له بالإقدام على مخالفة الجماعة التي قد طال بحثها،وتقدم نظرها، وتتالت أواخر على أوائل، وأعجاز على كلاكل. والقوم الذين لا نشك في أن الله سبحانه وتقدست أسماؤه قد هداهم لهذا العلم الكريم، وأراهم وجه الحكمة في الترحيب له والتعظيم، وجعله ببركاتهم وعلى أيدي طاعاتهم خادماً للكتاب المنزل، وكلام نبيه المرسل، وعوناً على فهمهما، ومعرفة ما أمر بهما به أو نهي عنه الثقلان منهما.
أقول: أن نأتي على أقوال بعض أولئك الذين تصدوا له بالردود، وصفعوا وجهه الكالح بحججهم، وأبطلوا أقواله الزائفة وأوهامه بآرائهم العلمية وبراهينهم الناصعة؛ وكشفوا كل نواياها السيئة، بل وسفهوها وحقروها، ودحروا آراءه وأفسدوها.
أقول قبل إيراد الردود عليه نورد بعض أقوال أساتذته من الأقدمين، ومن تتلمذ عليه وتأثر به وبأفكاره الملوثة من المتأخرين وفي مقدمة أساتذته محمد بن سلام الجمحي. الذي تأثر بابن العلاء وتأثر بهما طه حسين حتى العظم ودونما رؤية أو فقه!!
فهذا واحد ممن تناولوا كتاب ابن سلام (طبقات الشعراء) بالمدح والتبجيل يقول: وبعد أن يهيئ ابن سلام القول في الشعر الموضوع يأخذ منه مثالاً بعينه، ويطيل عليه طعناً وتجريحاً بكل ما يمكن من البراهين، فهو يعيب على محمد بن إسحاق صاحب السيرة أنه هجن الشعر وأفسده، وأورد في كتابه أشعاراً لرجال لم يقولوا شعراً قط ونساء لم يقلن شعراً قط، بل أورد أشعاراً لعاد وثمود، فكيف يبطل ابن سلام هذا الشعر بنفسه؟!
وكيف ينفيه؟ وما أدلته؟! إنه يحاول الاستدلال بأدلة ملفقة ومضطربة تلخص في الآتي:
1- أولها دليل نقلي وهو القرآن الكريم فالله عز وجل يقول: ( وأنه أهلك عاداً الأولى وثمود فما أبقى ) ويقول في عاد: ( فهل ترى لهم من باقية ) لم تبق بقية من عاد فمن إذن حمل هذا الشعر؟ ومن أداه منذ ألوف من السنين؟. ويخرج ابن سلام من هذا الدليل إلى الأدلة العلمية، إلى الأدلة التي تستند على الموازنة وعلى تاريخ الأدب.
2- فيبرهن على أن اللغة العربية لم تكن موجودة في عهد عاد، وليس يصح في الأذهان أن يوجد شعر بلغة لم توجد بعد. فأول من تكلم بالعربية إسماعيل بن إبراهيم كما يقول ابن سلام وإسماعيل كان بعد عاد. ثم إن معداً الجد الذي قبل الأخير فيمن يعرف من جدود العرب كان بإزاء موسى بن عمران أو قبله قليلاً، وموسى بن عمران جاء بعد عاد وثمود.
3- ويمعن ابن سلام الدقة فيذكر أن عاداً من اليمن وأن لليمانيين لساناً آخر غير هذا اللسان العربي، ويستدل على ذلك بقول أبي عمرو بن العلاء (العرب كلها ولد إسماعيل إلا حمير وبقايا جرهم ). وبقوله: (ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا) 17 طبقات الشعراء. وهكذا ساقوا القرآن في مساق التدمير االشامل، ونسوا أن الله قد استثنى من قوم عاد مجموعة المؤمنين الذين كانوا مع هود، كما في قوله تعالى: ( قال قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنتَظِرِينَ، فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ) [الأعراف:71، 72]
وقال: ( وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ) [هود:58]
( قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ) [المؤمنون:39]
وعن قوم ثمود قال: ( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) [الأعراف: 74]
وقال تعالى: ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ) [هود:66]
وقال: ( وَأنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) [النمل:53]
وقال: ( وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) [فصلت:18]
ولأنه كما قلت قد أثار واستثار حفيظة، بل وغضب الكثير من الكتاب والمفكرين اليمنيين والعرب وبالذات المصريين وبالأخص بين صفوف علماء الأزهر. وكان من ضمن من رد عليه من اليمنيين الأخ زيد الوزير، وأحمد محمد الشامي، والبردوني، والدكتور المقالح، والمرحوم محمد سعيد جرادة، ولكنها كانت تركز على موضوع واحد أو موضوعين من قبل كل منهم، مع أنه قد أطلق لسانه وأغمض عينيه،، وقال عن اليمن ما لم يقله مالك في الخمر، بل لقد سخر كل إمكاناته العلمية وملكاته الفكرية الشيطانية للإساءة والتحقير باليمن واليمنيين، وكان من ضمن ذلك إنكاره عروبية اليمن، ونفى أن يكون اليمنيون يتكلمون اللغة العربية، ونفى أن لهم شعراً أو أدباً، ونفى حضارتهم، وأنكر هجرتهم وتأثيرهم في الأماكن التي انتقلوا إليها، وأكثر من هذا لقد نفى أن يكون لهم شعراء في عهد ما بعد الإسلام وإنما نسب إليهم انتساباً. وقد كانت ردودهم متفاوته بين الرصانة والعلمية والنقد الموضوعي، وبين المداجاة والمداهنة والهيبة من مرتبته العلمية ومكانته الاجتماعية!!
وسنكتفي هنا بعرض رد أحد قضاة مصر بل رئيس (نيابة مصر) الأستاذ (محمد نور) ذلك الرجل الذي حاكم طه حسين وأفحمه بل وأدانه. قال محمد نور:
(يجب أن نلاحظ على الدكتور المؤلف لكتاب (في الأدب الجاهلي) وللعلم فقد كان اسمه الأول (في الشعر الجاهلي)!! قال نور:
1- إنه خرج من بحثه هذا عاجزاً كل العجز عن أن يصل إلى غرضه الذي عقد هذا الفصل من أجله. وبيان ذلك: أنه وضع في أول الفصل سؤالاً وحاول الإجابة عليه، وجواب هذا السؤال في الواقع هو الأساس الذي يجب أن يرتكز عليه في التدليل على صحة رأيه. هو يريد أن يدلل على أن الشعر الجاهلي بعيد كل البعد عن أن يمثل اللغة العربية في العصر الذي يزعم الرواة على أنه قيل فيه. وبديهي أنه للوصول إلى هذا الغرض يتعين على الباحث تحضير ثلاثة أمور:
1- الشعر الذي يريد أن يبرهن على أنه منسوب بغير حق للجاهلية.
2- الوقت الذي يزعم الرواة أنه قيل فيه.
3- اللغة التي كانت موجودة فعلاً في الوقت المذكور.
وبعد أن تتهيأ له هذه المواد يجري عملية المقارنة فيوضح الاختلافات الجوهرية بين لغة الشعر وبين لغة الزمن الذي روى أنه قيل فيه، ويستخرج بهذه الطريقة الدليل على صحة ما يدعيه.
لذا تتضح أهمية السؤال الذي وضعه بقوله: (لنجتهد في تعرف اللغة الجاهلية هذه ما هي أو ما إذا كانت في العصر الذي يزعم الرواة أن شعرهم الجاهلي هذا قد قيل فيه؟) وتتضح أهمية الإجابة عنه. ولكن المؤلف وضع السؤال وحاول الإجابة عنه، وتطرق في بحثه إلى الكلام على مسائل في غاية الخطورة صدم بها الأمة الإسلامية في أعز ما لديها من الشعور، ولوث نفسه بما تناوله من البحث من هذا السبيل بغير فائدة ولم يوفق إلى الإجابة، بل خرج بغير جواب، اللهم إلا قوله: (إن الصلة بين اللغة العدنانية وبين اللغة القحطانية إنما هي كالصلة بين اللغة العربية وأي لغة أخرى من اللغات السامية المعروفة).
ويسترسل قائلاً: (وبديهي أن ما وصل إليه ليس جواباً عن السؤال الذي وضعه. وقد نوقش في التحقيق في هذه المسألة فلم يستطع رد هذا الاعتراض، ولا يمكن الاقتناع بما ذكره في التحقيق أنه كتب الكتاب للأخصائيين من المستشرقين بنوع خاص، وأن تعريف هاتين اللغتين عند الأخصائيين واضح لا يحتاج إلى أن يذكر، لأن قوله هذا عجز عن الجواب. كما أن قوله إن اللغة الجاهلية في رأيه ورأي القدماء والمستشرقين لغتان متباينتان لا يمكن أن يكون جواباً على السؤال الذي وضعه، لأن غرضه من السؤال واضح في كتابه إذ قال: (ولنجتهد في تعرف اللغة الجاهلية هذه ما هي) وقد كان قرر قبل ذلك (فنحن إذا ذكرنا اللغة العربية نريد بها معناها الدقيق المحدود الذي نجده في المعاجم حين نبحث فيها عن لفظ اللغة ما معناه نريد بها ألفاظاً من حيث هي ألفاظ تدل على معانيها تستعمل حقيقة مرة، ومجازاً مرة أخرى، وتتطلب تطوراً ملائماً لمقتضيات الحياة التي يحياها الإنسان (أهل هذه اللغة).
فبعد أن حدد هو نفسه معنى اللغة الذي يريده، فلا يمكن أن يقبل منه ما أجاب به من أن مراده أن اللغة لغتان بدون أن يتعرف على واحدة منها.
(فالمؤلف إذن في واحدة من اثنتين: إما أن يكون عاجزاً، وإما أن يكون سيء النية، قد جعل هذا البحث ستاراً ليصل بواسطته إلى الكلام عن تلك المسائل الخطيرة التي تكلم عنها في هذا الفصل). ويحاول رئيس نيابة مصر استجلاء رأيه، وتبيان تناقضاته من قضية مهمة ظل يرددها، ولكنه كلما رددها وقع في خلط وخطأ جديد يقول:
2- إنه استدل على عدم صحة النظرية التي رواها الرواة: وهي تقسم العرب إلى عاربة ومستعربة، وتعلم إسماعيل العربية من جرهم بافتراض وضعه في صيغة سئوال إنكاري: إذا كان أبناء إسماعيل قد تعلموا العربية من أولئك العرب الذين نسميهم العاربة فكيف بعد ما بين اللغة التي كان يصطنعها العرب العاربة واللغة التي كان يصطنعها العرب المستعربة؟
يريد المؤلف بهذا أن يقول: لو كانت نظرية تعلم إسماعيل وأولاده العربية من جرهم صحيحة لوجب أن تكون لغة المتعلم كلغة المعلم.
وهذا الاعتراض وجيه في ذاته، ولكنه لا يفيد المؤلف في التدليل على صحة رأيه، لأنه نسي أمراً هاماً لا يجوز غض النظر عنه، وهو يشير إلى الاختلافات التي بين لغة حمير ولغة عدنان. وهو يقصد بلغة عدنان اللغة التي كانت موجودة وقت نزول القرآن لأنه يرى من الاحتياط العلمي أن يقرر أن أقدم نص عربي للغة العدنانية هو القرآن الكريم، وهو يعلم أن آخر دولة العرب القحطانية هي حمير، وقد مضى من وجود إسماعيل إلى وقت وجود حمير زمن طويل جداً. أي أنه انقضى من الوقت الذي يروى أن إسماعيل تعلم فيه اللغة العربية من جرهم إلى الوقت الذي اختاره المؤلف للمقارنة بين اللغتين زمن يتعذر تحديده.
ولكن على كل حال زمن طويل جداً لا يقل عن عشرين قرناً. فهل يريد المؤلف مع هذا أن يتخذ الاختلافات التي بين اللغتين دليلاً على عدم صحة نظرية الرواة غير حاسب حساباً للتطور الواجب حصوله في اللغة بسبب مضي هذا الزمن الطويل وما يستدعيه توالي العصور من تتابع الأحداث واختلاف الظروف. أن الأستاذ قد أخطأ في استنتاجه من غير شك، ونستطيع أن نقول: أن استنتاجه لا يصلح دليلاً على فساد نظرية الرواة التي يريد أن يهدمها، وأنه إذا ما ثبت وجود اختلاف مهما كان مداه بين اللغتين فإن هذا لا ينفي صحة الرواية التي يرويها الرواة من حيث تعليم إسماعيل العربية من جرهم، ولا يضيرها أن الأستاذ ينكرها بغير دليل؛ لأن طريقة الإنكار والتشكيك بغير دليل طريقة سهلة جداً في متناول كل إنسان عالماً كان أو جاهلاً.
ويواصل: على أننا نلاحظ على المؤلف أنه لم يكن دقيقاً في بحثه. وهو ذلك الرجل الذي يتشدد كل التسدد في التمسك بطرق البحث الحديثة، ذلك لأنه ارتكن على إثبات الخلاف بين اللغتين على أمرين:
الأول: ما روى عن أبي عمرو بن العلاء من أنه يقول (ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا) وهذا بيت القصيد.
والثاني قوله: ولدينا نقوش ونصوص تمكننا من إثبات هذا الخلاف في اللفظ وفي قواعد النحو والتصريف أيضاً.
أما عن الدليل الأول فإن ما رواه عن ابن سلام الجمحي مؤلف طبقات الشعراء عن أبي عمرو بن العلاء هو (ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا).
وقد يكون للمؤلف مآرب من وراء تغيير هذا النص. على أن هذا الذي نريد أن نلاحظه هو أن ابن سلام ذكر قبيل هذه الرواية في الصفحة نفسها ما يأتي: وأخبرني يونس عن أبي عمرو قال: (العرب كلها ولد إسماعيل إلا حمير وبقايا جرهم) والواجب على المؤلف إذن وقد اعتمد صحة العبارة الأولى أن يسلم أيضاً بصحة العبارة الثانية، لأن الراوي واحد والمروي عنه واحد.
وتكون نتيجة ذلك أنه فسر ما اعتمد عليه من أقوال أبي عمرو بن العلاء بغير ما أراده بل فسره بعكس ما أراده وتعين إسقاط هذا الدليل .
ويعلق الدكتور نجيب البهبيتي على هذا قائلاً: فهل بعد الاعتراف في القانون دليل؟
ورأينا كذلك معالجات النائب القياسية لما ادعى طه أنه يرتكز فيه على نصوص استخرجها من (طبقات ابن سلام) وما أثبته بالقياس الفقهي من فساد الدلالة التي حاول طه حسين أن يستخرجها من نص أبي عمرو بن العلاء، والتي يقول فيها: (ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا). بل عن وكيل النائب العام نبه إلى تحريف طه حسين محاولة للخروج منه إلى دلالة لم يرد إليها أبو عمرو. فكيف ينسى هذا كله؟ وكيف يمكن لكاتب -ولو كان طالباً ناشئاً- أن يندفع بعد ذلك كله فضلاً عن غيره إلى هذا التهريج الرخيص في ازدراء لعقل نفسه وعقول قارئيه.
كان هذا رأي رئيس نيابة مصر على ركيزته الأولى التي اعتبرها قاصمة للظهر، وأنها حكم لا يقبل النقض. أعني بها مقولة (أبي عمرو بن العلاء) التي نقلها ناقصة ومشوهة ومسح بها تاريخ أعظم أمة في التاريخ القديم، وشوه أرقى وأقدم حضارة في التاريخ الإنساني.
ولأنه لم يكن يمتلك جزءاً من الحقيقة، وكان يجهل الكثير من تاريخ العرب وتاريخ لغتهم، فقد كان يتنصل عن الإجابات المفحمة أو يردها إلى علم الغيب. وهذا أحد أقواله: (لغة قريش إذن هي هذه اللغة العربية الفصحى فرضت على قبائل الحجاز فرضاً لا يعتمد على السيف ،وإنما يعتمد على المنفعة وتبادل الحاجات الدينية والسياسية والاقتصادية. وكانت هذه الأسواق التي يشار إليها في كتب الأدب، كما كان الحج وسيلة من وسائل السيادة للغة قريش.
ولكن ما أصل لغة قريش؟ وكيف نشأت؟ وكيف تطورت في لفظها ومادتها وآدابها حتى انتهت إلى هذا الشكل الذي نراه في القرآن؟ كل هذه مسائل لا سبيل إلى الإجابة عليها الآن.
فنحن لا نعرف من أن هذه اللغة لغة سامية تتصل بهذه اللغات الكثيرة التي كانت شائعة في هذا القسم من آسيا.
ونحن نكاد نيأس من الوصول في يوم من الأيام إلى تاريخ علمي محقق لهذه اللغة قبل ظهور الإسلام. وكيف والقرآن أقدم نص صحيح وصل إلينا في هذه اللغة، ونحن نرى اللغة فيه كاملة متقنة تامة التكوين، قد تجاوزت الوجود الطبيعي إلى هذا الوجود الفني الراقي الذي ظهر في الآداب.
ثانياً: ركيزته الثانية (النصوص المسندية)
لأنه كان مغروراً إلى حد الجنون، فقد كان يهزأ من زملائه طلاب وعلماء الأزهر والجامعات الأخرى، وكان يسخر منهم ويتهمهم بالغباء، لذلك فضل أن يعرض عن نص النقشين المسنديين قال (وهم يجهلون أنا لو نترجم لهم ونضع أيديهم على هذه الفروق، فقد نضيع كثيراً من الزمان والمكان في غير حاجة ولا غناء، ولكنا على هذا كله نورد لهم بعض هذه النصوص على علاتها لعلهم يقرؤون ويفهمون ويستنبطون، ثم يقتنعون بما نزعم لهم، من أن الصلة بين العربية والحميرية كالصلة بين العربية وأية لغة سامية أخرى. وليقرأوا هذا النص الفريد السهل الذي أورده الأستاذ جويدي الكبير لتلاميذه في الجامعة القديمة، على أنه نموذج لما بين اللغة العربية والحميرية من القرب.
النص الأول:
(وهبم وأخهو بنو كلبت هقنيو أل مقة ذهرن ذن مزندن حجن وقههمو بمسألهو لو فهمو وسعدهمو نعمتم)
وقد فسرها جويدي نفسه هكذا:
- (وهبم) أي وهاب اسم رجل، والألف كثيراً ما تحذف من وسط الكلمة وآخرها في الكتابة الحميرية، وكذلك الواو والياء، أما الميم الأخيرة فهي بدل التنوين في العربية.
- (وأخهو) أي وأخوه ففيه واو حذفت قبل الهاء. أما (هو) في آخرها فهي بدل ضمير الغائب وهو (ه) في العربية.
- (بنو) كتب بالواو لأنه للقبيلة.
- (كلبت) أي كلبة بالتاء المربوطة، وليس في الكتابة الحميرية تاء مربوطة. وكلبة اسم قبيلة.
- (هقنيو) أي أقنوا ومعناه أعطوا. والفعل الذي على وزن أفعل في اللغة الحميرية تبدل همزته هاء، والمعتل لا يحذف حرف العلة منه مع اتصاله بواو الجماعة.
- (أل مقه) اسم إله من آلهتهم كان يعبد في هران وفي أوام.
- (ذهرن) أي ذو هران. الواو حذفت من ذو، والألف من هران. وذو بمعنى صاحب. وهران موضع قال ياقوت أنه حصن ذمار باليمن.
- (ذن) أي: ذان وهو اسم إشارة زيدت النون في آخره، لتأكيد الإشارة، وحذفت منه الألف كالعادة. - (مزندن) أي لوح وهو لفظ حميري.
- (حجن) معناه لأن أو بسبب.
- (وقههمو) أي أجابهم (وهمو) وهو ضمير المفعول في الجمع.
- (بمسألهو) أي عن سؤاله.
- (لو فيهمو) هو فعل لم يحذف منه حرف العلة كما في هقنيو. ومعنى لو فيهمو أي سلمهم.
- (وسعدهم) أي وساعدهم.
- (نعمتم) أي نعمة، والميم بدل التنوين.
النص الثاني:
(أخت أمهو وشنفرم بعلتي خمتن بخلف هجرن مريب شمتي وثنن لال مقه بعل أوام حجن وقههمو بمسألهو لو فيهمو).
وترجمة جويدي هكذا:
- (أخت أمهو) أي أخت أمه، وهذا اسمها، و(هو) في أمهو بدل الهاء.
- (وشنفرم) علم وهو يقرب من الشنفري.
- (بعلتي) أي صاحبتي.
- (خمتن) أي الخيمة، فالياء محذوفة في وسط الكلمة كما تقدم، والنون الأخيرة بدل أل أداة التعريف.
- (بخلف) أي وراء.
- (هجرن) أي مدينة. ولذلك قيل لقاعدة البحرين هجر، والنون للإشارة.
- (مريب) هي مدينة مأرب المعروفة في اليمن وكان اسمها عند القدماء.
- (شمتي) وضعت.
- (وثنن) أي صنماً والنون فيه للإشارة.
- (لال مقه) أي الإله الذي تقدم ذكره.
- (بعل) أي صاحب.
- (أوام) أي أوام، وحذفت منه الألف، وأوام بلد.
- (حجن) أي لأن أو بسبب.
- (وقههمو) أي أجابهم.
- (وبمسألهمو) أي عند سؤاله.
- (لو فيهمو) سلمهم.
1- وقبل أن نأتي على تعليقات بعض المعلقين على ما أدهش طه حسين من لغة حمير، فإننا نشاركه الدهشة ولكن بشكل معكوس. فكيف كان يريد أن يفسر كلمة (وهب) العربية الفصيحة؟ هل كان يريد أن يسموه نابليون أم الشانزليزية أم ديجول أم ماذا؟
2- ثم كلمة (وأخهو) أي أخوه. ما الذي حيره في الاسم، هل هو تقديم الهاء على الواو؟ فالنقش كان قديماً من نقوش سبأ وقد تكون لهجتهم هكذا، وقد تكون كتبت غلطاً أو أن الذي نقلها نقلها غلطاً أيضاً كل شيء جائز.
3- أما كلمة (بنو) فليست بحاجة إلى أي تغيير أو تعديل أو نقاش حولها، فهي كلمة لا تزال مستعملة في كلام العرب إلى الآن، وقد ورد في القرآن الكريم على عدة صور (بنو إسرائيل) (بنو آدم) ... إلخ. كما تكررت في الشعر العربي وفي الأدب مئات المرات إلى الآن. وجاء في الأثر: (أرموا بنو إسماعيل فإن أباكم كان رامياً). ثم هي في الأول والأخير من الأسماء الخمسة أو قد نسيت يا طه؟ .
4- (وكلبت) أي كلبة. ويمكن أنه لم يفهمها لأنها جاءت بالتاء المفتوحة كعادة الحميريين. ويبدو أنه لم يكن يؤمن ولا يعرف أنه اللغة تتطور حاجات الإنسان ومتطلباته!!
5- ثم ماذا في كلمة (هقنيو) وقد فسرها (جويدي) أي أقنوا ومعناه أعطوا). وهي لفظة قرآنية ( أغنى وأقنى ) [النجم:48]
(-6ال مقه) معروف أن المقه كان إلهاً للسبائيين كما يزعمون، وأحياناً (أل) وحدها تعني (إله). والمقه القمر. وهذا اسم اتفقوا عليه كما يتفق قوم آخرون على اسم لآلهتهم أو ما يشبه ذلك.
7- (ذهرن) هي ذو هران، وربما حذف الواو في مرحلة من مراحل كتابتهم للكلمة (ذو) أو أنه وقع الخطأ في النقل، وهران يطلق على أكثر من مكان في اليمن فهو يطلق على واد، وعلى قلعة، وعلى معبد. و(ذو) كلمة تلقب بها الملوك اليمنيون خاصة، من ذي القرنين مروراً بذي نواس وذي يزن...إلخ.
وقد قال شاعرهم وهو مما يستدل به على سلامة لغة اليمن:
فإن الماء ماء أبي وجدي
وبئري ذو طيوت وذو حويت
مع بعض التعديلات في الإعراب. ويقال عنها: إنها من لغة اليمن.
8- (ذن) اسم إشارة أي (ذان) وقد حذف الألف. ما الذي يثير الاستغراب؟
9- (مزندن) وتعني لوحاً مكتوباً بالخط المسند.
10- أما (حجن) فمعناها بسبب أو لأن أو لأجل. 11- (وقههمو) وقد فسرها بمعنى أجابهم، وقد تكون بمعنى وقاهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.