- د. عمر عبد العزيز .. جدير بالعرب المعاصرين ألا يقعوا في عقدة المركزيات التاريخية التي أوصلت أوروبا إلى أسوأ أشكال الفاشية والعنصرية ، مما كان له كبير الأثر في متاهات القارة العجوز وحروبها الظالمة ، والخيار المتاح أمام العرب نجد مفرداته في ذات العبقرية التاريخية التي جعلت الحضارة العربية الإسلامية أنموذجاً أقصى للتعايش و التكامل دونما عنصرية مقيتة أوادعاءات مركزية . العروبة مفهوم يتجاوز حدود الجغرافيا و التاريخ المكتوب بذهنية مسبقة إلى فضاء الثقافة الموصولة بالإسلام و تاريخه، بالإبداعات الفكرية و التواشجات الثقافية الإنسانية.. بالصراعات التي حملت أوجهاً متعددة .. فقد كانت تلك الصراعات تضميناً للإلغاء من الناحية الشكلية ، تعبيراً عن التلاقح بالمعنى التاريخي للكلمة . العربية لغة القرآن الكريم و منه تستمد كامل الآفاق التي جعلت منها لغة عالمية ونشرت علومها وبيانها في العالم الإسلامي وعند عدد كبير من المستشرقين والمستغربين والمستعربين حتى أننا يمكن أن نتحدث عن آفاق لغوية وثقافية وعروبية في بلدان لا تنطوي تحت لواء الجامعة العربية ، وتوصف باعتبارها بلداناً إفريقية أو آسيوية . هذه العبقرية التاريخية لماهية العروبة الثقافية تقتضي التخلّي الطوعي عن استيراد النماذج القومية الأوروبية ذات النزعة الشوفينية غير الرائية للتكامل مع الآخر . لقد كشفت هذه المركزية الأوروبية أوجهاً استعمارية سرعان ما تكسّرت أمام الحقائق، فإذا بأوروبا المعاصرة تتوق إلى تعميم "هوية ثقافية" شاملة بدلاً من الهويات القومية الضيقة، وترى في الوجود الإنساني الوافد كامل ثراء و إثراء ليس بالمعنى الإثني الإسلامي فقط، بل أيضاً من خلال الاعتلاء بمقام اللغات المحلية السائدة ، لذلك يجدر بالعرب أن يقرؤوا بإمعان الأسباب الجوهرية العميقة التي جعلت من ثقافتهم و نمط حياتهم و مرجعياتهم الدينية علامة إرشاد وهداية لمئات ملايين البشر في آسيا ،وإفريقيا وأوروبا ، عندما كانت العروبة موازية لسماحة الإسلام وعالمية رسالته ..وكان الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لأبيض على أسود . هذا يجرنا إلى التفكير الجدي في" تعريب العروبة" من خلال إعادة إكسائها ذلك الطابع الذي خبا بسبب التخلف و الانحطاط ، ثم لاحقاً بسبب استيراد النماذج القومية الأوروبية دونما نظر إلى جوهر الرسالة الإسلامية و كونها حملت رسالة عالمية وحلقت بأجنحة العربية وأخرجت جحافل الدهريين الجاهليين من نوم الغفلة و سبات الجهالة إلى عوالم الرحابة و التطور الكبيرين . [email protected]