- عبدالإله سلام .. السماء ملبدة بالغيوم وحرارة شهر يوليو تحمل في طياتها رطوبة لزجة يصاحبها رياح حارة تشوي الوجوه هو لايستطيع الخروج بسبب تلك الحرارة .. تكاسل هذا الصباح عن الخروج كل مايريده البحث عن عمل يليق به،رغم الوعود التي حصل عليها بالعمل لكنه اخفق .. كان صاحبه قد أوعده بعمل لكن ذلك الوعد لم يتم.. بات ليلته يكتب عريضة لتقديمها إلى جهة العمل بعد أن فشلت كل المحاولات بالبحث عن عمل حر، ظل يكتب ويمزق تلك الأوراق لايعرف ماذا يكتب،هو خريج جامعي من أعوام متأخرة عتى عليها الزمن لم يتذكر العام الدراسي الذي تخرج منه، مجال اختصاصه رفضوا توظيفه. قالوا له: ضع ملفك وعنوانك وسيتم استدعاؤك عند الطلب فعل ماطلب منه، هو يعرف ان مجال عمله مفتوح.. عمل في حقل التدريس وبأجر زهيد ثم انصرف عن ذلك. قال في نفسه: أعوام عشرة لااتذكر متى كان التخرج.. كتب في عريضته.. أنا .. خريج لعام توقف قليلاً عن الكتابة.. لم يعجبه ماكتب.. العمل السابق تركه لان الغش كان في التحصيل الدراسي فطالب اليوم لأهم له سوى التفنن في البرشمة من أول يوم دخوله العام الدراسي «خير لي أن أكون حمالاً أفضل مما أرى من غش ومحاباة في المجال الدراسي» عمل مساعد نجار ثم حداداً كان العمل شاقاً ومتعباً لكن لقمة عيش بحلال، عاود الكتابة مرة أخرى. لا.. خريج أنا.. من قسم الفيزياء.. كلية.. توقف..!! عن الكتابة كلية،تناول ورقة أخرى وكتب مايريد كتابته.. ضاق عنده كل شيء.. الغرفة لم تتسع له النوم استعصى منه، لقد تغير اسم الكلية.. أصبح لها اسم آخر تنفس الصباح من عتمة الليل وتداخل النهار، صحا متكاسلاً لايعرف كيف صحا مبكراً؟ نهض مسرعاً يلملم حاله مثل هذا اليوم ومنذ تخرجه من الجامعة لايعرف هذا الكسل والخمول،هذا الصباح يعرف انه موعود في عمل لدى مكتب العمل بدأ بترتيب أوراقه التي سيقدمها إلى الخدمة المدنية شهادة التخرج+ شهادة تسنين+ الصور المطلوبة+ ورقة الطلب. هو .. يعرف كم من أوراق قدمت وكم من ملفات طويت وظلت في ادراج تلك المكاتب لاتعرف الوساطة وغيره ،لقد قدماً ملفاً سابق تاه،ولم يعرف أين هو قالوا: إن النظام قد تغير وان هناك أولوية للخريجين القدماء ،حيث يوجد كمبيوتر لحفظ الملفات وأرقام تعطى للمتقدم، فرح كثيراً لان النظام سمة كل مجتمع متقدم.. فرح كطفل يلهو في خلا.. راح يختار الملبس الذي سيلبسه ،ووظب ذقنه الذي ظل منكوشاً لايعرف طعم الموس، نظف حذاءه المهمل وأصلح حاله، خرج من منزله وهو نشوان يقرع الشارع كانت خطواته شبه عسكرية، يتخطى الأرصفة، يسابق الزمن الآتي يبحث عن مركوب لإيصاله إلى مطلوبه، تحسس جيوبه،وجد عدة ريالات لاصاله إلى مقر العمل ولسد رمقه من جوع الأمس.. تذكر الأمس وتلك المصاعب والتعب، تنمل جسمه تذكر تلك الحالة التي مر بها عندما كان يتسلق تلك السيارات الخارجة من باب الميناء وقد أكل عليها الدهر وشرب، يتسلقها لإنزال ما بها من حمولة، لا أحد يعرف أنه خريج جامعي كان يعمل ذلك بعض الأحيان لسد متطلباته اليومية من مأكل ومصروف جيب ومعونة لأسرته الشبه الفقيرة.. تأمل إلى فتحة بوابة الميناء قبل إن يضع رجله على الحافلة التي ستوصله إلى مكتب الخدمة ظل يقلب من أول ورقة إلى آخر ورقة.. توقفت الحافلة لم يبق سواه.. تداخلت بعض الأفكار.. لم ينتبه إلاّ عندما أيقظه سائق الحافلة، راح يتخطى بقية المسافة إلى مكتب الخدمة المدنية.. شاهد مالم يكن في الحسبان أناس كثيرين تذكر الماضي.. لاتسمع الداعي من المجيب حشر نفسه بين تلك الكتل البشرية لعله يجد ضالته لم يسمع إلاَّ جعجعة ولم ير طحيناً .. سأل بعد أن غاص بين تلك الجموع. مكتب الخدمة المدنية؟ كان قفصه الصدري يعلو ويهبط من شدة الزحام. الأخ خريج جديد؟ هز رأسه بل قديم جداً. سنة التخرج؟ قبل عشرة سنوات ونيف. عليك أن تأخذ أمراً من المدير العام لإدراج اسمك ضمن الخريجين القدماء. وأين المدير العام. وكيف الوصول إليه. اخترق هذه الجموع ستصل إليه إذا لم يكن هناك مافيا أو عسكري يصدك عن الطريق. وأنت هل خريج: قد أكون مثلك. فكر قليلاً قال في نفسه: لن أصل إلى المدير العام والحالة بهذا الشكل.. خرج مسرعاً يجر أذياله،صادف امامه أحد زملائه لم يلتفت إليه اسقط دمعة ساخنة مسحها بكم يديه قال في نفسه: هذه هي الصداقة «السيارات العتيقة ارحم من هذا» انصرف عائداً إلى باب الميناء يحمل معه ملفه العتيق كما هي السيارات التي يتسلقها، حمد الله وشكره على نعمه توضأ وصلى الظهر خرج هادي البال، ورضي بالمقسوم، قال الله تعالى: «لكيلاتأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم» صدق الله العظيم. وقال الإمام الشافعي : ورزقك ليس ينقصه التأني ،وليس يزيد في الرزق العناء اذا ماكنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء طوى ملفه تحت سرته وطوى معه زمناً بعيداً لايعرفه، وقال في نفسه: المكتوب لابد أن يحصل. عدن /2006م