لا تكاد تذكر إسبانيا حتى يتبادر إلى الأذهان حلبات مصارعة الثيران إلا أن هناك علامات آخذة في النمو تشير إلى أن هذا "الاحتفال الوطني" الذي لازم البلاد على مدى قرون في طريقه إلى الزوال ولا يقتصر الأمر على عدم اكتراث الشباب بمصارعة الثيران فحسب بل امتد أيضا إلى بعض السلطات التي بدأت تشعر بالحرج بشأن "فن" وصفته جماعات حقوق الحيوان بأنه أحد أشكال التعذيب. وكان الكاتب الأميركي الراحل ارنست همينغواي والرسام الشهير بابلو بيكاسو من المعجبين بمسابقات مصارعة الثيران التي يرى متحمسون أن إسبانيا بدونها ستفقد شيئا أساسيا من سماتها. وتوفر مصارعة الثيران في إسبانيا فرص عمل لنحو 200 ألف شخص وتدر عائدا يقدر بنحو 1,5 مليار يورو (حوالي 2 مليار دولار) سنويا لكن في نفس الوقت يقتل ما يقرب من 12 ألف ثور خلال ما يزيد عن ألفي نزال سنويا في البلاد التي يحظى فيها مصارعو الثيران بنجومية وشهرة تفوق تلك التي يحظى بها نجوم السينما. وتتراجع شعبية مصارعة الثيران بوضوح حاليا بين الإسبان فقد أظهر استطلاع للرأي أجرى مؤخرا أن 72 في المئة باتوا لا يهتمون بمشاهدة مصارعة الثيران مقابل 43 في المئة في عام 1971 وارتفع الرقم بين الشباب إلى 82 في المئة وبين النساء إلى 78,5 في المئة ويشكل كبار السن من الرجال حاليا الشريحة الأعظم من جمهور مصارعة الثيران. ومنذ عقد من الزمن حاول نجوم مصارعة الثيران استخدام التقنيات الحديثة وإدخال تجديدات على مسابقات وحلبات مصارعة الثيران أملا في جذب الجماهير إلا أن الأثر كان قصير الأمد. وفى نفس الوقت يتزايد الوعي بحقوق الحيوان في هذه البلاد المولعة برياضات تكثر فيها إراقة الدماء تتراوح بين مصارعة الديوك إلى قذف الماعز من أبراج الكنائس. فقد أشارت وزيرة البيئة كريستينا ناربونا في الآونة الأخيرة إلى أن مصارعة الثيران تشوه صورة إسبانيا في الاتحاد الأوروبي مقترحة أن تحذو أسبانيا حذو جارتها البرتغال حيث لا تقتل الثيران أمام المتفرجين وأثارت تعليقات ناربونا احتجاجات عاصفة حتى من قيادات الحزب الاشتراكي الذي تنتمي إليه حيث انبروا للدفاع عن مصارعة الثيران التقليدية. ولاحظ مدافعون عن حقوق الحيوان أن الثور الذي ينزف جراء الرماح المغروسة في عنقه أثناء ممارسة مصارعة الثيران، يعاني أكثر في البرتغال حيث يواجه احتضارا طويلا قبل أن يتم الإجهاز عليه في المجزر. وتعد كتالونيا الواقعة في الشمال الشرقي للبلاد المنطقة الاسبانية الوحيدة التي خفضت من مسابقات مصارعة الثيران حتى الآن هي حيث أعلنت عاصمتها برشلونة و 20 بلدية أخرى أنهم "ضد مصارعة الثيران" ولم تدر حلبة برشلونة في الآونة الأخيرة أي أرباح تذكر الأمر الذي دفع الشركة التي تديرها إلى الإعلان عن عزمها التخلي عن نشاطها في العام المقبل. وتعزى كراهية كتالونيا لمصارعة الثيران أيضا إلى المساعي الانفصالية في المنطقة ورغبتها في أن تنأى بنفسها عن أمور تعتبر إسبانية بحتة.