- في سبيل مهنة رسالية توازي حضورنا في المستقبل» بكلمة واحدة «لاغنى لنا عن الصحافة».. سوف نحتاج إليها دائماً في مشروعنا الوطني الموازي لحضورنا الجماعي في المستقبل.. وبداية.. يجدر بنا الاعتراف باقتران الحاجة إلى صحافة مختلفة.. صحافة تملأ حيزها الوظيفي الخاص بها ضمن الوظيفة الكلية لمؤسسات المجتمع المدني البازغ للتو.. قد لايجد المرء مشقة أو حرجاً في القول بأن جزءاً كبيراً من الوظيفة الصحافية المفترضة ليس في متناول الأداء السائد حالياً، حيث الصحافة ولأسباب وعوامل متداخلة غير قادرة بالمرة. أمين الوائلي ولعلها في كثير من الحالات والتجارب تكون غير راغبة أيضاً، في امتلاك ذاتها والارتقاء بالأداء والوظيفة إلى مستوى السلطة المعنوية والفعلية، المعترف بها للصحافة.. والمتعارف عليها لدى سائر المجتمعات المحترفة في انتهاج الأسلوب التعددي والديمقراطي التشاركية البناءة، أعني أن وظيفة «السلطة الرابعة» لاتزال غائبة بكاملها.. إلا قليلاً والحاصل خلال سني أو ساعات تجربتنا التعددية يظل في معظمه مراوحات اندفاعية ومحاولات ارتجالية مفرغة من معنى الوظيفة الغائبة المقصودة أو المنشودة.. وهنا لانغمط الصحافة حقها.. بل نقول: إنها أتت بالكثير من الحركة، إنما الحركة وحدها غير كافية لإثبات الحرفية أو الكفاءة كما أنها غير مطلوبة بحد ذاتها إلا بقدرما تطلب لنفسها الانتظام والتميز والثبات على إنتاج حالة من الحراك الإيجابي والتفاعل مع الوسط المحيط. وهي في حالتنا المحلية حركات كثيرة تشبه صرخات الولادة، كما تؤذن بوجود قابل للنمو والنضج.. لكنه لم ينضج بعد. ومن منا لايتفاءل بحركات وانفعالات الطفل الصغير.. كعلامة أكيدة على نمو الصغير واجتهاده في طلب وظيفة حركية ما يقول عبرها ومن خلالها للحياة: «أنا قادم». وسواء أكانت الصحافة في بلادنا غائبة أم مغيبة عن سلطتها الخاصة، وبالتالي عن وظيفة اجتماعية ومدنية تقدر عليها، فإن الإمكانية متوافرة تماماً في حالتنا الوظيفية لبلوغ تلك الغاية بصورة أسرع مما يتشاءم البعض هنا وهناك، ومن حسن الشواهد أن جيلاً جديداً من الصحافيين يتولد عن التجربة وأن الصحافة تكتسب كل يوم قيمة احترافية متعاظمة لمصلحة المهنة بالتباعد عن عشوائية البدايات، وصعوداً نحو مرقى الاستقلالية الذاتية حساً ومعنى.. وقد لاتكون الطريق سالكة تماماً.. أو أن عصاً سحرية ما، ستفعل فعلها في واقع المهنة بحيث تغدو بين عشية وضحاها سلطة رابعة متكاملة أنموذجية.. كما في الامكان النظري، لكن البداية الفعلية للسير والمضي في هذا الطريق قد حدثت وثمة محفزات إيجابية متعاظمة تعمل لمصلحة التوسع في الحريات الصحافية، وينبغي على الأفراد وكيانهم النقابي الجامع موازاة ذلك بالعمل على تكريس الاحترافية المهنية وتحصين المهنة ضد عوامل العشوائية والارتجالية وضد الابتذال في استخدامات غرضية محكومة سلفاً بالمقصد السيء، أو السوء في مباشرة العلاقات العكسية المتشعبة. الحاجة إلى صحافة رسالية وبحسب المقام، وبكلمة واحدة «الحاجة ماسة الآن إلى صحافة رسالية» والقول ماسبق، لابد من تأسيس قاعدة عامة تتأدى بالرسالة الصحافية إلى آفاق شراكة فعلية وفاعلة، مع اللحظة الوطنية الراهنة.. على بعد خطوات وجيزة من أول مرحلة استثنائية في تجربتنا الوطنية، ولجناها معاً منذ العشرين من سبتمبر 2006م. كان هذا التاريخ نقطة حاسمة تفصل بين زمنين، وسيكون من واجبنا التمييز النظري والفني «الإجرائي» بين ماقبل ومابعد العشرين من سبتمبر.. وفي كل شيء شيء. واتساقاً مع الرؤية.. لابد من مراعاة الحاجة الوظيفية إلى صحافة رسالية مختلفة.. جرياناً مع ولوج مرحلة مختلفة بحاجيات وطموحات لاحصرلها. سيكون برنامج المرحلة هو ذاته البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس/ علي عبدالله صالح، والذي حاز التفويض الشعبي الهادر بموجبه.. وبات مشروعاً للعمل وموجهاً لعربة الطموحات والأداء الكلي للسلطات جميعاً. وأحسب أن ماتضمنه البرنامج من بنود وتطلعات مشروعات، تتأسس على قاعدة من الثقة والإمكان الفعلي لإنفاذها جميعاً.. هو مايدعونا إلى مخاطبة حاجة فعلية في صميم المرحلة والمشروع المرحلي القائم، إلى صحافة رسالية ناضجة واحتراف رسالي ملتزم بمناصرة قضايا التطوير والتغيير والإصلاح الشامل.. مهما تباعدت المساحات الحزبية الضيقة.. أو تباينت المواقع النظرية المجردة والتموضعات الذاتية في مربعات شكلية تفترش مساحة الواقع التعددي والواحد الوطني الجامع. بالتأكيد.. صحافة «القضايا» هي التحدي الماثل، وهي الرهان الحقيقي.. في مرحلة الحسم التنموي والتجدد الوطني لمصلحة الشعار العريض والهدف الغائب الأخير «يمن جديد.. مستقبل أفضل». لابد من التفكير جدياً بصناعة صحافة تواكب الطموح والمرحلة، لا أنها ترتد إلى جذع جدل حزبي ومكايدة سياسية مغلقة على الجفاف والضجيج الهادر.. لا أكثر! المشروع الرئاسي لايخدمه إلا مشروع صحافي يمتلك ذاته واستقلاليته وحريته.. ويمتلك رؤيته ومنهجيته في التصدي لوظيفة رساليته ووطنية متجردة تنتمي إلى روح المرحلة وتخاطب فراغات شاسعة في الوعي والضمير الجمعي. ومن هذا القبيل.. تأتي مشروطية مهمة في رفع الأحزاب والأفراد الحزبيين المؤطرين بنظرية التآمر أو المؤامرة يد الوصاية والتحكم عن الصحافة والصحافيين.. وبالقدر ذاته ينبغي أن يعمل الصحافي والصحافة على الانتماء إلى الرسالة المهنية والأمانة الوطنية التي يتحملها في وظيفته الحساسة هذه. لا أتصور أن محاربة الفساد والمفسدين، وهو واحد من بنود البرنامج الانتخابي والمشروع الرئاسي، سوف يمكن للصحافة عموماً أن تسانده بصورة عملية، مالم تكافح الصحافة أولاً للحصول على صك براءة من فساد التبعية القسرية لخصوم أو واحد من خصوم السياسة في الساحة لأن الصحافة ترتهن ذاتها في هذه الحالة ولايمكنها العمل ببراءة أو نقاوة بل يغدو الاشتغال انشغالاً عن الرسالة والوظيفة الرسالية بمحاذير دونية فاحشة الامتهان والجدب. في سبيل الإيجاز أن تؤسس جماعة الصحافة صيغة شراكة منتجة مع صانع القرار والمنفذ والمشرع والمراقب ومع الشعب والمستقبل وهذا يتضمن تماماً أقصى متاحات النقد البناء، وليست النقمة والكيد أو الابتزاز الرخيص. أن تركز عملها الصحافة في قضايا حقيقية يزدحم بها الواقع وتموج بها المرحلة، أن يكون العمل الصحافي خادماً لقضايا التنمية والإصلاح، لامجرد مناوشات ومناكفات قصية تنتمي إلى المتاجرة أو المناحرة الحزبية والسياسية المصلحية. يمكن للصحافة، بذلك وبغيره.. أن تفعل وتؤدي الكثير من الرسالة الوطنية الداعمة والمساندة لمستقبلنا معاً. ولاشك فمهم جداً أن نمتلك زمام المبادرة والفعل.. لا أن تظل الصحافة ردة فعل فقاعية في هامش الواقع والأحداث.. من يصنع الفعل هو من يملك التفاعل معه وتطويره وخدمته.. وهكذا يجب أن تتحرى الصحافة رسالتها وفعلها الخاص. مراجعة نقدية في مشكل صحافي يشكو الصحافيون في اليمن دائماً من غياب المعلومات وصعوبة الوصول إليها، وهم يحملون أهل القرار في الجهات والمؤسسات الحكومية والإدارات المختلفة المسئولية في ذلك، لا بل تتحول الصحف إلى بؤرة للنقمة وربما الانتقام من الجميع في الجهاز الإداري والتنفيذي للحكومة حتى لو لم يبذل الصحافي جهداً يذكر في سبيل الحصول على المعلومة أو الوصول إليها. وفي المقابل يشكو الكثير من المديرين ورؤساء الإدارات والوحدات الإدارية والمسئولين من صعوبة التعامل مع الصحافي والصحافة، حتى أن أحد هؤلاء قال لي جاداً: إنه بات يعاني حساسية مفرطة تجاه الصحافيين ويصيبه مايشبه «الغثيان» أو الدوار إذا قيل له: إن صحافياً يطلب لقاءه! والسبب دائماً هو أن البعض المشتغلين في المهنة كرسوا لدى الآخرين صورة نمطية سالبة وسيئة للغاية عن الصحافة والصحافيين؛ حيث يكون الوصول إلى المسئول، الوزير، أو المدير هو الغاية والقصد وليس الوصول إلى المعلومة! وآخر مايفكر به هؤلاء هو المعلومات أو الحصول عليها، وهي تأتي أخيراً في قائمة أولويات الصحافي لدى المسئول.. هذا إذا أتت من الأساس! بالطبع.. هناك من يهمه الوصول إلى الشخص المسئول للحصول على أشياء كثيرة ومختلفة، ليس أهمها على الإطلاق «المعلومات» وقد يتفاجأ أهل المناصب والمراتب لو أن واحداً من الصحافيين حصر طلبه في الحصول على معلومة ما أو إجابة محددة ثم ينصرف دون أن يسأل أو يطلب أشياء أخرى!. هذه الصورة السلبية للغاية كرسها نفر من الدخلاء على المهنة أو الممتهنين لها، أو الذين يتخذونها وسيلة للتكسب والمقايضات المختلفة، وحتى الابتزاز! وليس هناك ماهو أخطر ولاأضر من سمعة ورسالة ومصداقية الصحافي والصحافة من هذه الفئة التي انحطت بالمهنة إلى الدرك الأسفل من الرخص والابتذال والإسفاف. ولأن الحسنة تخص والسيئة تعم.. فإن الصحافة وأهلها أمسوا في نظر المتضررين سواء.. ولهذا لم يعد من المصداقية ولا المسئولية في شيء أن نزكي وننزه الصحافيين في جميع مواضع الجدل المتعلقة بالعنوان الرئيس للتناولة وتفرعاتها في مقابل إدانة مطلقة واتهامية مرسلة للطرف الآخر. لانريد لأنفسنا أن نغدو جلادين بالحق وبالباطل، أو أن نصادر الحق والبراءة لنا وحدنا وبغض النظر عن حيثيات وشواهد القضايا وسلوكيات الأطراف جميعاً. أحسب أن جزءاً كبيراً وعلى جانب عظيم من الأهمية، من مشكل الصحافة اليمنية وجودتها ومصداقيتها والرسالة الاجتماعية المناطة بها، يكمن في هذا القدر من السوء والسلبية والانتهازية والذي كرسه البعض كصفة لازمة وملازمة لأدائه الصحافي ومناوراته التبادلية مع أو ضد هذا المسئول أو تلك الجهة أو الإدارة. باختصار... لسنا ملائكة ولامعصومين لمجرد أننا صحافيون وأنها صحافة.. هذا لايعني أن الطرف الآخر لايتحمل جزءاً مهماً من المسئولية قد يفوق الجزء الذي نتحمله نحن، ولكن ما ينبغي فهمه هو أن ثمة من يسيء إلى سمعة وشرف الكلمة والمهنة ويتاجر بها.. وربما هذا ما أفقد الرسالة الصحافية والصحافة عموماً مصداقيتها وأثرها الرسالي لدى القارئ والمسئول على السواء، وعلى النقابة أن تفكر جدياً في التصدي لهذه الإشكالية، وهذا التحدي بشفافية وحزم. أفهم أن النزعة الثورية التي تتسم بها مهنة الصحافة عموماً تجعل من المستحب غالباً انتهاج أسلوب متمرد على قوالب وأعراف سائدة، وهذا القدر مطلوب دون شك لإثبات الصحافة في مركز التأثير والتغيير، ولكن ليس إلى الحد الذي يجيء عكسياً ومخالفاً لأبجديات المهنة وأخلاقياتها، فالتمرد قد يأتي على حساب الصحافة والمهنة ذاتها، بمعنى أنه قد يجعل المرء متمرداً حتى على أعراف وتقاليد وأخلاق المهنة. نتحدث عن هامش الحرية الصحافية.. ويكثر ويشتد الجدل والمنافحة ولا أحد فكر يوماً في مراجعة نقدية جادة وفاحصة تستعرض سيرة التجربة الصحافية وإفرازاتها طوال العمر القصير نسبياً لتجربتنا مع الحرية والتعدد والممارسة الفعلية على أرض الواقع في الشكل والمضمون معاً. من المألوف لدى الصحافيين ومن إليهم أن يتركز نقدهم في اتجاه الآخر سواء دولة أم أجهزة أم سلطات ويكاد هذا يكون محفوظاً وسهلاً للغاية. الصعوبة الحقيقية تنشأ في الاتجاه النقدي الآخر.. نقد الذات أعني.. ولن يستقيم الجدل ويؤتي ثماره المرجوة إلا متى ما أخذنا على أنفسنا ولصالحها بمنهجية متوازية في التقويم والنقد: لنا وعلينا، أن نتكرس معاً، وبتجرد على تعلم وإجادة نقد الذات وتجريدها من ألبسة وألقاب البراءة والنزاهة المطلقة. أن نعرض أنفسنا وأداءنا ورسالتنا على مجهر الفحص والتقويم أو التقييم، بعدها قد يمكن أن نصل إلى النقطة التي يمكننا عندها البدء فعلياً في سياق مهنة أو سلطة رسالية رابعة، مجتمعنا أحوج وأحق مايكون إلى تجسيدها.. كفاءة.. وجرأة..وأمانة..... شكراً لأنكم تبتسمون..