تساءلت أمام الأخ العزيز الأستاذ/حسن اللوزي، وزير الإعلام خلال لقاء في تعز منذ أيام عما إذا كانت الإصدارات الصحفية الجديدة التي أطلقتها وزارة الإعلام تمثل إضافة إيجابية إلى ساحة التعددية الصحافية، أم أنها ستكون بمثابة استنساخ لما هو سلبي في الحياة الصحافية الراهنة في تجربة التعددية القائمة؟!. وكنت أقصد «بالإيجابي» تلك الصحافة الموضوعية والرصينة والمهنية التي تمتلك البعد المؤسسي ولا تقع في شراك العشوائية والفردية، أو أنها تحيد عن رسالتها السامية في تقديم المعلومات إلى القارئ منزهة عن كل رأي بهدف تشويه الحقائق والوقائع لسبب أو لآخر!. وكنت أيضاً أعني في تساؤلي عن «الاستنساخ» السلبي في الإصدارات الصحافية سواء القائمة أو الجديدة تلك المطبوعات التي لا تمتلك من اسمها شيئاً، حيث اقتران «الكذب» بنقيضه في التسمية، والضوء بالحلكة، والوطنية بالتبعية، والتجديد بالتخلف، والمصداقية بالغوغائية، والوضوح بالتخفي، والمكاشفة بالارتزاق، والمحبة بالعدائية، والوسطية بالتطرف إلى ما هنالك من تسميات لا حصر لها، حيث تقرأ في أسمائها المعاني الجميلة والرائعة؛ بينما تختفي خلفها ممارسات بذيئة من خلال صحافة لا هدف لها غير الابتزاز، أو صحافة تكرس التدليس في أبشع صوره، يتجسد خطابها في إثارة النعرات، وتأزيم الأوضاع، وإشاعة الأكاذيب، وتعميم المكايدات وابتكار الإساءات، وكل ذلك تحت يافطة الديمقراطية وحرية التعبير!!. صراحة لايزال هذا التساؤل يؤرقني، بل إنه يؤرق جميع الذين ينظرون بعمق إلى الأزمة الحقيقية التي تعيشها الصحافة الحزبية والمستقلة مع استثناءات قليلة من الانفلات الواضح في الخطاب وفي الرسالة، بل في غياب المعرفة الحقيقية التي تفصل بين التداخل المريع لصحافة تحمل معاول الهدم وبين أخرى تقوم على إيصال الحقيقة، وتضطلع بتحمل مسئولية التنوير فضلاً عن تحصين المجتمع من أي اختراقات تستهدف تقويض وحدته الوطنية وتماسكه الاجتماعي، حيث تغيب هذه القيم بصورة واضحة تحت ظلال الراهن من التعتيم الجائر لما يحدث في المجتمع من تحولات كبيرة وغير مسبوقة. لست أقصد بطرحي هذا تضييق الخناق على حرية الصحافة، حيث إنني من أكثر الناس دعوة إلى التعدد الصحفي، ولكن القائم على رسالة هادفة وفي إطار العمل المؤسسي المعمول به حتى في أكثر الدول انغلاقاً.. ومن يقف على تجارب بلاد عربية كثيرة يرى أنها تجاوزت حالة (الكم) الكبير من التعدد الصحفي لديها إلى حالة (الكيف) أو النوعية من خلال اندماج أكثر من مطبوعة في إصدار واحد.. وهو ما يتطلب ضرورة توفير المال المطلوب لقيام المؤسسة الصحافية القادرة على التعامل مع المعايير المهنية الحديثة لهذه المهنة سواء من خلال الارتقاء بالأداء المهني أو من خلال قاعدة العمل الطباعي والفني (!) وهي من الأمور البدهية في العمل المؤسسي الصحفي في كل بلاد الدنيا. إننا مغرمون بالنقل الحرفي لأسماء الصحف في العالم العربي وتحديداً بيروت، غير أن ما نلمسه في هذه المطبوعات المحلية مجرد "نيجاتيف" مشوّه للصورة الأصل.. وذلك ناجم بدرجة رئيسة عن غياب العمل الصحفي المؤسسي!!. أعرف أننا أمام إشكالية قائمة، وليس عيباً أن يلتقي المنتمون الحقيقيون إلى هذه المهنة ليتداركوا بعضاً من المعاني الرائعة التي كادت هذه المهنة أن تفتقدها في ظل الأزمة الراهنة التي تعيشها سواء كان تحت رايات هذا السباق المحموم للحصول على تراخيص جديدة أو بفعل الطوابير الطويلة من دخلاء المهنة، يحدث ذلك دون أن ينبس أحد ببنت شفة، وكأن أوضاع المهنة في أحسن حال وأجمل صورة. إن المطلوب من أصحاب المهنة هو تطبق شروط قاسية على تجربتهم ليتمكنوا من الفصل بين الصحافة وبقالات الفاكهة حتى تنجح هذه المهنة في وظيفتها وأداء رسالتها على نحو يؤكد أنها سلطة رابعة وليست "مقالي سلتة" وأن المنخرطين فيها رسل محبة قبل أن يكونوا بواقين أو نافخي كير!!!.