شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    علي ناصر محمد يفجر مفاجأة مدوية: الحوثيون وافقوا على تسليم السلاح وقطع علاقتهم بإيران وحماية حدود السعودية! (فيديو)    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    شاهد الصور الأولية من الانفجارات التي هزت مارب.. هجوم بصواريخ باليستية وطيران مسير    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حريات الصحافة والإعلام في اليمن بين التجربة والطموح
نشر في نبأ نيوز يوم 13 - 05 - 2010

• مدير مكتب مجموعة (إم ,بي ,سي)، مراسل قناة العربية.
تمهيد:
تتمتع الصحافة الحرة بقوة هائلة, إذا ما كانت القوة تعرف بالقدرة على التأثير على الآخرين, ولوسائل الإعلام في الدول الديمقراطية الحق في الحصول على المعلومات ونشرها بدون موافقة مسبقة من الحكومات, وتوفر دول كثيرة حماية قانونية للصحافيين ليتمكنوا من ممارسة ذلك الحق في إطاره المهني, ولكن تكون تلك الحماية مصحوبة أو مقترنة بمسؤوليات, والمسئولية التي تقع على عاتق الصحافيين في أي مجتمع حر هي نقل المعلومات بدقة ونزاهة وإنصاف, أي ممارسة الصحافة الشريفة والمسئولة.
لا شك أن الدستور والقانون يحددان ما يمكنك وما لا يمكنك القيام به في وضع معين, لكن المبادئ الأخلاقية هي التي ترشد وتوجه, وتحدد لك ما يجب أن تفعله, وهي مبنية على قيم – شخصية, ومهنية, واجتماعية, وأخلاقية – وتنشأ عن التفكير السليم.
والأصل أن تؤدي الصحافة رسالتها بحرية واستقلال وأن تستهدف تهيئة المناخ لحرية التعبير واحترام حقوق الإنسان ونمو المجتمع والارتقاء به، والمفترض أن الصحافي مستقل لا سلطان عليه، كما أن حرية الصحافة أحد أهم أشكال التعبير عن ممارسة الديمقراطية. وحرية الصحافة هي الأساس الموضوعي والعملي لحرية الرأي والتعبير.
• حرية الصحافة في الدستور:والتشريعات الدولية
خاضت الصحافة اليمنية خلال التجربة التي مرت بها على مدى العشرين سنة الماضية معارك عديدة من أجل حرية التعبير, والرأي, والنشر, ومقاومة الغلق, والتضييق على المشتغلين فيها, وغيرها من المعاناة المعوقات والصعوبات التي واجهتها الصحافة بشأن ممارسة الحرية, وتستوجب هذه التجربة التوقف عندها وتتبع مساراتها وتقييمها, في ضوء النصوص الدستورية والتشريعات المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والنشر, والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
إن الحرية التي كفلها دستور الجمهورية اليمني سواء في الرأي, والتعبير, وممارسة الأنشطة السياسية والاقتصادية والفكرية والإبداعية نجدها في عدة مواد, وتحدد المادة الخامسة من الدستور هوية النظام السياسي وطبيعته, حيث تنص على أن النظام السياسي للجمهورية: "يقوم على التعددية السياسية والحزبية, وذلك بهدف تداول السلطة سلميا, وينظم القانون الأحكام والإجراءات الخاصة بتكوين التنظيمات والأحزاب السياسية, وممارسة النشاط السياسي , ولا يجوز تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة خاصة بحزب أو تنظيم سياسي معين".
وكفل الدستور تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا كما نصت المادة (41) على أن: "المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة "لتأتي المادة التالية لها مباشرة (42) والتي تتعلق بمسألة حرية الرأي خالية تماما من ذكر كلمة (صحافة) أو كلمة (تعبير) حيث يقول نصها: "لكل مواطن حق الإسهام في حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون".
وتؤكد المادة السابعة من الدستور على أن: "الاقتصاد الوطني يقوم على أساس , حرية النشاط الاقتصادي, بما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع , وبما يعزز الاستقلال الوطني" وبالاعتماد على ثلاثة مبادئ حددت في ثلاث فقرات ( أ , ب , ج ), في سياق المادة ذاتها , يهمنا ذكر اثنين منها (ب , ج)
ب – "التنافس المشروع بين القطاع العام والخاص والتعاوني والمختلط, وتحقيق المعاملة المتساوية العادلة بين جميع القطاعات.
ج - "حماية واحترام الملكية الخاصة فلا تمس إلا للضرورة ولمصلحة عامة وبتعويض عادل..."
وتبدأ مشكلة حرية الصحافة من الغموض في النصوص الدستورية, حيث تجنب المشرع أن يذكر في الدستور صراحة (حرية الصحافة), و(حرية التعبير) كمفهومين سائدين, ومستخدمين على نطاق عالمي وخصوصا في النظم الديمقراطية, وفي المواثيق الدولية التي يؤكد الدستور العمل بها على اعتبار أنها من الأسس السياسية التي تعمل بها الجمهورية اليمنية حيث يقول نص المادة السادسة من الدستور: "تؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان, وميثاق جامعة الدول العربية, وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة".
ويندرج في إطار هذا الالتزام ما تنص عليه المادة (19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي, أي أن: "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير, ويشمل هذا الحق, حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة, وفي الحصول على المعلومات والأنباء والأفكار, وتلقيها, ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود".

ونجد أن وثيقة (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) الصادر في 16 ديسمبر 1966, و بدأ نفاذه في 23 مارس 1976م قد بينت في نص المادة (19) إمكانية تقييد ممارسة هذه الحقوق, فأورد العهد الدولي نص المادة 19 في فقرتين متتاليتين, وإجازة التقييد:
1 - لكل إنسان حق في اعتناق أراء دون مضايقة.
2 – لكل إنسان حق في حرية التعبير, ويشمل هذا الحق, حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود, سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".
وأستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة (2) من هذه المادة بوضع واجبات ومسئوليات خاصة, تجيز إخضاع ممارسة تلك الحقوق لبعض القيود, وأشترط أن تكون محددة بنص القانون, وأن تكون ضرورية, وحددها في:
( أ ): لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
( ب ): لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.

حرية الصحافة بين الممارسة والتشريع:
والملاحظ أن الحكومة والصحافيين وجميع المشتغلين في الإعلام ومؤسساته المختلفة والسياسيين وكل النشطاء في مؤسسات المجتمع المدني ضلوا طوال العقدين الماضيين ولا يزالون يؤكدون تمسكهم بالدستور والتشريعات الدولية الخاصة بالحقوق الأساسية وحرية الصحافة والتعبير, وغيرها كمرجعيات لابد من الالتزام بها واحترامها والاحتكام إليها في كل ما يتعلق بالممارسات الصحافية والانتهاكات التي تعرضت لها حرية الصحافة, وحرية التعبير, لكن الجدل والاختلاف لم يتوقف حول قانون الصحافة والمطبوعات رقم 25 لسنة 1990م منذ بدأت الصحافة اليمنية مرحلتها الجديدة التي تزامنت مع صدور هذا القانون, باعتباره من القوانين ذات الأهمية الكبيرة كونه ينظم قطاعا حيويا, ونشاطا تتقاطع في مدخلاته ومخرجاته جل أنشطة الدولة والمجتمع بتكويناتهما المؤسسية والفردية, الخاصة والعامة.
إن هناك حقيقة تاريخية لابد من ذكرها, وهي أن الصحافة اليمنية بعد الثلاثين من نوفمبر عام 1989- تاريخ التوقيع على اتفاقية الوحدة– انتقلت بصورة تلقائية من واقع شمولي شطري إلى مرحلة جديدة, وواقع تعددي, وصدرت عشرات الصحف الأسبوعية ( الحزبية والأهلية والحكومية ) خلال الفترة الممتدة من نوفمبر عام 1989, وحتى صدور قانون الصحافة المطبوعات رقم (25 ) في 23 ديسمبر العام 1990م.
هذه الحقيقة تشير إلى أن التوجه السياسي لأي نظام, والدستور يمثلان أهم مرتكزات التغيير, ويوفران المناخ الملائم لممارسة الحرية سواء السياسية أو حرية الصحافة والتعبير والرأي وغيرها من الحريات الأساسية للفرد والمجتمع, وكان حجم التحول الذي حدث بتوقيع اتفاقية الوحدة كبيرا على صعيد الدولة والمجتمع, حيث أن الاتفاق ينشئ من دولة جديدة ونظاما سياسيا يقوم على الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية, وحرية الرأي والتعبير, وحرية السوق, وغيرها من مبادئ النظم الديمقراطية, ولكون الصحافة أحد أهم وأقوى وسائل التعبير عن هذا المضامين والأسس التي قام عليها النظام السياسي لدولة الوحدة, لم يتسع المجال لتنتظر الصحافة صدور قانون, أو وضع تسريع ينظم صدورها في العهد الجديد, وإنما تم إطلاقها بنصوص في قانوني الصحافة الشطريين السابقين.
وتشير تقديرات إحصائية إلى أن أكثر من أربعين مجلة , وصحيفة أسبوعية ( حزبية, وأهلية، وحكومية) تم إصدارها قبل صدور القانون رقم (25), وانتقلت الصحافة اليمنية إلى مرحلة غير مسبوقة من حيث التعدد والتنوع , وحرية الرأي والتعبير, إضافة إلى حرية تدفق المعلومات, ونقل الأخبار, والتعبير عن الرأي. ومثلت صحيفة (الوحدة) ساحة مفتوحة ومنبرا للتعبير عن مختلف الآراء, وشهدت صفحاتها مناقشات وحوارات بين عدة اتجاهات فكرية وسياسية.
المراحل التي مرت بها حرية الصحافة:
إن القول بأن: "الصحافة مرآة المجتمع" يؤكد مدى التلازم بين التغيرات والتحولات التي تشهدها الأنظمة السياسية والمجتمعات والتعبير عنها عبر الصحافة بمختلف وسائلها المقروءة, والمسموعة والمرائية, وأيضا التغيرات التي تشهدها وسائل الإعلام والصحافة تبعا لتلك التحولات واستجابة لمقتضياتها المستقبلية. وتأسيسا على هذه القاعدة, وبالنظر إلى المتغيرات السياسية, والتحديات الاقتصادية, والأمنية, التي مر بها اليمن خلال الفترة من العام 1989 وحتى العام 2010, يمكن القول أن حرية الصحافة في اليمن مرت في خمس مراحل تقريبا على النحو التالي:
1 – المرحلة الأولى: ( نوفمبر 1989 - يوليو 1994م)
2 – المرحلة الثانية: ( يوليو 1994 – مايو 1997م)
3- المرحلة الثالثة: ( مايو 1997 - سبتمبر 2001م )
4- المرحلة الرابعة : ( سبتمبر2001 - 2006 )
إن هذا التقسيم, وتأطير كل مرحلة في نطاق زمني محدد قد تم اختياره بناء على فرضيات تتصل بالمتغيرات والتحولات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي مرت بها البلاد, وارتباطها بالأحداث التي كانت سببا في تلك التحولات, والنتائج التي أسفرت عنا, وبالنظر تأثيراتها على حرية الصحافة سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
- المرحلة الأولى: ( نوفمبر 1989 – يوليو 1994م)
شهدت حرية الصحافة حالة من الازدهار والتطور والتوسع غير المسبوق , وتمثلت أبرز ملامح التعبير عن تلك الحرية في سهولة الحصول على تراخيص إصدار الصحف , وطباعتها وتوزيعها, وحرية ممارسة الصحافة, والحصول على الأخبار والمعلومات, وحرية النشر, وغياب الرقابة المسبقة, ووجود مناخ واسع للحرية الرأي, وحرية التعبير عن الرأي, في الصحافة الحزبية والأهلية, وبعض الصحف الحكومية (كصحيفة الوحدة) التي كانت ملتقى لمختلف الآراء والأفكار من خلال تخصيصها صفحات للرأي, وصفحة لمنظمات وأحزاب, والحوارات التي كانت تجريها مع زعماء الأحزاب والقادة السياسيين من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية في الحكم وفي المعارضة, و كان عدد الصحف التي رفعت قضايا ضدها, أو صدرت بحقها أحام مختلفة, محدودا جدا, وصدر حكم وحيد بغلق صحيفة أهلية خلال تلك الفترة هي (صحيفة صدى الشعب).
أتسمت هذه المرحلة بتوازن سياسي الذي كان قائما في الحكم بين الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي, وتشكل المعارضة من طائفة من الأحزاب الموزعة على محورين بحسب علاقاتها مع المؤتمر الشعبي, او مع الحزب الاشتراكي, وكان لذلك التوازن السياسي المسنود بقوة عسكرية واقتصادية وأمنية وإدارية يتقاسمها الحزبان الحاكمان تأثيرات إيجابية على الحياة السياسية وخصوصا الانتخابات النيابية الأولى في أبريل عام 1993 م والتي يشهد لها بأنها كانت أكثر نزاهة وشفافية من كل الانتخابات التي أجريت بعدها.
وفي هذه المرحلة صدر قانون الصحافة والمطبوعات رقم (25) في ديسمبر عام 1990م, تضمن 6 مبادئ حق المواطنين في حرية المعرفة والفكر والصحافة التعبير والاتصال والحصول على المعلومات وضمان الإعراب عنها بجميع الوسائل, والتأكيد على استقلالية الصحافة, وحريتها في ممارسة رسالتها لخدمة المجتمع, وتكوين الرأي العام, ولكن المادة الرابعة أطرت بنص يؤدي وظيفة التقييد لحرية التعبير عن اتجاهات الرأي العام ب"في إطار العقيدة الإسلامية, أو الأسس الدستورية للدولة والمجتمع, وأهداف الثورة اليمنية وتعميق الوحدة الوطنية".
كما أكد القانون على حرية الصحافة في استقاء الأنباء والمعلومات من مصادرها, وفي نشرها, وتأكيد مسئوليته في ذلك في حدود القانون, وحماية الصحافيين وتوفير الضمانات القانونية اللازمة لممارسة المهنة وحقهم في التعبير دون تعرضهم لأي مساءلة غير قانونية.
وفي المقابل فإن محظورات النشر التي هي مثار جدل واختلاف واسعين الواردة في الباب الخامس وضعت قيود على النشر في ما يمس منظومات واسعة من المفاهيم والقضايا بما في ذلك ما في ذلك ((تشويه التراث والحضارة اليمنية والعربية والإسلامية))
لقد استغلت محظورات النشر بما يتنافى مبادئ حرية التعبير وحولت إلى سيف مسلط على حرية الصحافة, وضيقت الخناق عليها لا سيما في تناول العديد من القضايا ذات الصلة بالشأن العام, وجد في القانون نفسه ثغرات عديدة لانتهاكها, ومن أهم تلك الثغرات, عدم تحديد ضوابط مهنية لممارسة الصحافة بما يحمي المهنة من الدخلاء, ومن الممارسات الخاطئة والمشوهة لمهنة الصحافة ورسالتها السامية.
لقد ترك المشرع المجال لظاهرة الصحافة الفردية, وميز بين ثلاثة أنواع من الصحف (حكومية, وحزبية, وأهلية) وذلك من حيث شروط الإصدار, وإجراءات منح الترخيص. وهذا التمييز يتنافى مع مبدأ المساواة في الدستور. علما بأن النظم والمجتمعات الديمقراطية لا تعرف هذا التصنيف, وإنما يوجد فيها إعلام مستقل بمختلف وسائله, ومؤسسات صحافية وإعلامية تتمتع بالاستقلال في أنشطتها الاقتصادية والصحافية على اعتبار أن الصحافة أصبحت صناعة ونشاطا اقتصاديا يسهم في التنمية ,غلى جانب أنها عمل إبداعي.
والملاحظ أن التعامل مع القانون لم يخضع لمبادئ تطبيقية ومعايير ثابتة في جميع الظروف والفترات, ومع جميع الصحف والمشتغلين في حقل الصحافة بصفة متساوية, وإنما سجلت الكثير من الحالات الانتقائية بما يضيق الخناق على حرية الصحافة في العديد من المرات.
وفي المرحلة التي تزامنت نهايتها مع حرب العام 1994م بلغت الصحافة في حرية الحصول على المعلومات والأخبار ونشرها مرحلة متقدمة جدا, وأي كان الدور الذي لعبته الصحافة في صناعة الأزمة والحرب فإنها كانت إحدى أهم وسائل التعبير عن الاختلاف والخلاف, وأوجدت حالة متقدمة من الشفافية التي ساعدت على تنوير وتبصير الرأي العام بحقائق وجوهر الاختلاف مما ساعد على خلق اصطفاف وطني ضد محاولة الانفصال ,وكان رد الفعل تجاه قرار الانفصال قويا وواعيا.
فرضت الصحافة اليمنية ذاتها في هذه المرحلة, وخلقت تقاليد في ممارسة الحرية في ممارسة المهنة وحرية الرأي والتعبير, وبلغت مستوى أرفع مما كان المشرع يتوقعه, وخاضت مواجها وقدمت تضحيات من أجل حماية هذه الحقوق والتقاليد, والدفاع عن فضاء الحرية المكتسب بقوة الدستور. الذي رغم غموض نصوصه الخاصة بالحريات الصحافية وحرية التعبير, كما أن حجم وحرية تدفق المعلومات الذي تميزت به هذه المرحلة وتفاعل المجتمع مع الصحافة, وحرية العبير عزز حرية الصحافة بقدر كبير.
- المرحلة الثانية: ( يوليو 1994 – مايو 1997م)
كانت الحرب بداية النهاية للعصر الذهبي الذي عاشته الصحافة في اليمن أواخر القرن العشرين, حيث ألقت نتائج حرب 1994 بضلالها على الصحافة وأثرت على مناخ الحرية والتعددية السياسية والصحافية, فاختفت الصحف التي كانت تعبر عن تيار الحزب الاشتراكي بما في ذلك صحيفة صوت العمال ,والحدث, وصوت اليمن, وواجهت صحف الوحدوي, ويمن تايمز والشورى وغيرها من الصحف التي ظلت تحمل وجهة نظر معارضة الكثير من المضايقات والعراقيل , والتضييق على حريتها , وبدأت عملية الغلق المؤقت , ومنع الطباعة, والمصادرة من محال البيع, والحجز الإداري والمحاكمات للصحافيين.ومثل صدور حكم بجلد الصحافي عبد الله سعد رئيس تحرير جريد الشورى في العام 1997 انتكاسة كبيرة, وتهديدا فعليا لحرية الصحافة في اليمن خصوصا أن طابورا من المحتسبين الجدد ظهر خلال هذه المرحلة تحت مسمى (العلماء) ومنحوا أنفسهم حق الحسبة ضد الصحافيين وملاحقتهم والتشهير بهم وتكفير بعضهم , وكان مع حدث للصحافي سمير اليوسفي رئيس تحرير أسبوعية الثقافية التي تصدر عن مؤسسة الجمهورية في تعز تحد آخر واجهته حرية الصحافة. خرج أولئك النفر من المحتسبين الجدد فقهاء الاستبداد ليحرضوا ضد الحرية, والدعوة لجلد الصحا
فيين وحبسهم , والتنكيل بهم, وتكفيرهم, يجهلون أن الصحافة وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي, والتنوير, والتنمية وبناء المجتمعات الديمقراطية الخالية من التطرف والإرهاب. وحرية الصحافة جزء لا يتجزأ من حق الإنسان في التعبير عن الرأي.
- المرحلة الثالثة: (مايو 1997 - سبتمبر 2001م)
كانت هذه المرحلة امتدادا طبيعيا لسابقتها من حيث استمرار التضييق على الصحافة, وتراجع هامش الديمقراطية , وكان خروج التجمع اليمني للإصلاح من الحكم وعودته إلى المعارضة بعد الانتخابات النيابية الثانية في العام 19978م بمثابة تحولا جديدا أنها صيغة التحالفات في الحكم, وانفرد حزب المؤتمر الشعبي العام بالحكومة.
ظلت حرية الصحافة وواقع المهنة متأثرا باستمرار بالتقلبات السياسية والمتغيرات التي شهدت الحياة السياسية, وفي فترة ما بعد الانتخابات النيابية الثانية عام 97 ,وانتقال التجمع اليمني للإصلاح إلى المعارضة في ظل تكرار محاولات خلق تكتل للمعارضة مما أدى محاولة إعادة التشكل والفرز السياسي, والبحث عن صيغ تحالفية جديدة, أسفرت في مرحلة لاحقة عن تأسيس تكتل اللقاء المشترك المعارض.
وتعتبر العلاقة بين حرية الصحافة وتطورات الحياة السياسية, وحالة الاستقرار العام والأحداث الأمنية علاقة طردية, ففي مراحل الإنفراج السياسي بين الحزب الحاكم والمعارضة, وفي حالة الاستقرار الأمني والاقتصادي كان يترك للصحافة هامشا للممارسة المهنة بقدر ما من الحرية في الحركة, واستقاء المعلومات, ونشرها, وحرية الرأي والتعبير أيضا, ويتوقف استمرار هذا الهامش واتساعه أو ضيقه على إيجابية وسلبية الأحداث والتطورات السياسية الأمنية, ومدى استفادة الحكومة أو تضررها من أي حرية الصحافة بالحدود المتاحة.

ويمكن التدليل على هذه العلاقة بالعديد من الوقائع التي تتعلق بالحريات الصحافية. وعدم حماية الصحافيين, خلال مختلف المراحل الممتدة من منتصف العام 1994, ففي الوقت الذي احتضنت العاصمة صنعاء عددا من المؤتمرات الدولية المتعلقة بقضايا الديمقراطية والحريات الصحافية وحرية التعبير وحقوق الإنسان, والمجتمع المدني وغيرها من القضايا المعاصرة والمتصلة بحرية الصحافة والإعلام, وصدر عن تلك المؤتمرات عددا من الإعلانات الدولية أبرها إعلان صنعاء الخاص بحرية واستقلال وسائل الإعلام والصحافة, سجلت عشرات الانتهاكات لحرية الصحافة, والاعتداءات على بعض الصحافية, والإيقافات غير المبررة قانونا, وصدرت أحكام عديدة قضت بحبس صحافيين ومنعهم من مزاولة المهنة, أو تغريمهم في قضايا تتعلق بالرأي, وكان لتلك القضايا والعقوبات أصداء, انعكاسات سلبية حدت من مستوى حرية الصحافة, وتسببت في تراجع سمعت اليمن وسمعتها في العالم, بينا المحاكمات التي جرت لصحف أو صحافيين في قضايا نشر مست حريات وكرامة أو مصالح أشخاص بصفاتهم (الشخصية, أو الاعتبارية ) فإنها لم تثير أي اهتمام, وجرى التعامل معها بصفة طبيعية.
- المرحلة الرابعة: ( سبتمبر2001 - 2010 )
واجهت الصحافة اليمنية تحديات عديدة خلال هذه المرحلة أبرزها, تعليق إصدار تراخيص لصحف جديدة حيث تراكمت لدى وزارة الإعلام عشرات الطلبات لعدة سنوات, والتضييق المتزايد على الحريات, خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر, وما ترتب عليها من التزامات لمحاربة الإرهاب.
والتحدي الأكبر الذي تواجهه الصحافة اليمنية والسلطات الرسمية والمشرع اليمني أيضا هو تقني لا يملك أي من هذه الجهات التحكم به, أو عدم التعامل معه والاستفادة منها, ويتمثل في دخول وانتشار شبكة الإنترنت, كوسيط تقني جديد من وسائط الإعلام والاتصال الجماهيري, إلى جانب اتساع نطاق البث التلفزي الفضائي, وتزايد أعداد القنوات في المنطقة, واهتمامها المباشر بالأحداث اليومية والقضايا في اليمن, ودخول خدمة الأخبار عبر الهواتف النقالة.

لا شك أن دخول وانتشار هذه الوسائط الإعلامية طور الخدمة في اليمن خفف كثيرا قدرا كبيرا من الضغوط على الصحافة المكتوبة, وأصبحت المواقع الإلكترونية , نوافذ إعلامية مفتوحة على العالم, والفضائيات تصل بالصورة والصوت إلى أرجاء العالم أيضا, وتحرص على التواجد في مواقع الأحداث في زمن قياسي. والأسرع من ذلك الخدمات الخبرية عبر شبكات الهاتف النقال.
- تحديات الحاضر ومتطلبات المستقبل:
التطور التقني السريع والكبير لوسائل الإعلام, وضع الصحافة اليمنية والسلطات أمام خيارات عديدة, واختبارات مختلفة, أبرزها القدرة على التأهل والتأهيل لاستيعاب هذه التطورات التقنية, والقبول بها, والتعامل معها, والاستفادة منها في مختلف مجالات الحياة الحديثة وخصوصا مجالات التنمية والمدنية, وتعزيز الديمقراطية, وبناء المجتمع المدني, وحرية الرأي والتعبير, والشفافية لمكافحة التطرف والفساد و والإرهاب.

وكما حدث في مطلع تسعينيات القرن الماضي, حيث صدرت عشرات الصحف والمطبوعات ومارست حرية التعدد والتعبير قبل صدور قانون الصحافة والمطبوعات رقم 25 , فإن عشرات المواقع الالكترونية والقنوات الفضائية وشبكات الهاتف النقال وجدت وتمارس أنشطتها الصحافية والإعلامية على نطاق واسع رغم عدم وجود قانون ينظمها.
إن خيارات العزلة والانغلاق والانكفاء على الذات, أو تعمد وضع القيود والعراقيل لتقييد امتلاك أو نشاط وسائط الإعلام والصحافة القديمة والحديثة يبدو غير ممكن لعدة أسباب, أبرزها أن إعلام الفضاء المفتوحة لا يعرف حدود الدول والمجتمعات, ولا تعيقه حواجز سيادة الدول بمفهومها التقليدي, ولا تشريعاتها التي أصبحت ملزمة بمواءمتها مع المواثيق والعهود والاتفاقات الدولية, كما أن الموانع الثقافية تتراجع تدريجيا بفعل العولمة التي تتخذ من الاقتصاد منطلقا أساس لتمتد إلى السياسة والثقافة بغية خلق ثقافة حضارة عالمية متعددة الثقافات.

ومن المهم القول أن اليمن امتلكت تجربة إعلامية وصحافية تميزت خلال العقدين الماضيين عن الكثير من الدول في المنطقة العربية, من حيث أن هذه التجربة بدأت مبكرة قياسا بدول عربية أخرى, واتسمت بالجدية, والواقعية وكانت استجابة لمعطيات تاريخية سياسية واجتماعية وثقافية, وتعبير عن تنوع ثري, وحاجة فرضتها متطلبات المستقبل. وعلى الرغم من المعارك التي خاضتها الصحافة دفاعا عن حرياتها وعن الحق في حرية الرأي والتعبير, والمواجهات التي دفعت فيها تضحيات كثيرة, إلا أنها, أي حرية الصحافة أصبحت قيمة من القيم الأساسية التي يؤمن بها المجتمع اليمني , وحق يكفله الدستور, والأولى أن تطويرها وضمان تطوير وسائل الإعلام والصحافة بما يخدم التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

إن الجدل الذي يحدثه مشروع التعديلات ل(قانون الصحافة والمطبوعات رقم 25) منذ العام 2005, ومشروع قانون (الإعلام السمعي والبصري والإلكتروني) ومستوى المناقشات في مجلس الشورى , وفي هذه الندوة لملتقى الرقي والتقدم, وفي وسائل الإعلام, كل هذا الجدل يبين مستوى الوعي بأهمية الحريات الصحافية, أهمية الحاجة إليها لحق أساسي من حقوق الإنسان, وضرورة عصرية, وان على المشرع اليمني أن يراعي هذا الوعي, وهذا الموقف العام, وأن يؤسس لمرحلة جديدة تستوعب كافة المتغيرات المتعلقة بالصحافة والإعلام من مختلف الجوانب التقنية, والفنية , والإدارية, وحرية ممارسة المهنة, وحرية التعبيري.
إن ردود الأفعال والتعليقات التي صدرن عن جل الوسط الصحافي وعن أوساط سياسية وثقافية وغيرها على مشروع وزارة الإعلام لقانون (الإعلام السمعي والبصري, والإلكتروني) بينت أنه أحدث صدمة وشعورا بأن ثمة أناس يحاولون إعادة إنتاج ماضي تجاوزه اليمنيون قبل عقدين من الزمن, وأن هناك قصور معرفي وعدم مواكبة لتطورات التجربة الصحافية اليمنية, ولا استيعاب لها باعتبار ها – مهما كانت المآخذ والأخطاء المرتبطة بها - تؤسس لمستقبل أفضل يتطلع إليه ليس الصحافيون فقط, وإنما المجتمع اليمني.
إن متطلبات مستقبل الصحافة وحريتها لا تفترض الإبقاء على حالة التمييز بين صحافة حكومية, وأخرى حزبية, وثالثة أهلية, أو منح تراخيص لصحف ووسائل إعلامية ذات طابع فردي وغير مؤسسي, لا تتوفر فيه أبسط الضمانات لحماية الحقوق المادية والمعنوية للصحافيين. ولا تتسم بأي نشاط اقتصادي شفاف.

كما أنه لابد من مراعاة الالتزام بجميع المبادئ والأسس الدستورية المتعلقة بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية القائمة على المساواة والعدل.
والأحرى أن يؤسس أي تشريع جديد للصحافة والإعلام في اليمن لمرحلة جديدة ونقلة متطورة يكون فيها الإعلام والصحافة نشاط اقتصادي واستثماري مستقل ترعاه الدولة وتوفر أمامه فرص متساوية , وان يقوم النشاط الصحافي والإعلامي على مبدأ الاستقلال (بعيدا عن تملك الأحزاب والحكومة له) وأن يخضع لعمل مؤسسي شفاف , وعلى قاعدة الحرية أساس المسئولية, وأن الصحافة الحرة هي الجديرة وحدها بحمل مسئولية الكلمة, وعبء توجيه الرأي العام على أسس ومبادئ حقيقة , أهمها حق المواطن في المعرفة , وهو جوهر العمل الصحافي وغايته, وهذا ما يستوجب ضمان التدفق الحر للمعلومات, وتمكين الصحافيين من الحصول عليها من مصادرها, وإسقاط اي قيود تحول دون نشرها والتعليق عليها.
فالصحافة بمفهومها المعاصر رسالة حوار ومشاركة, ومسئولياتها كبيرة وجسيمة تجاه حقوق الأخرين وحرمتهم وحرياتهم وكرامتهم, وتجاه المجتمع وسلامته واستقراره, وتجاه حقوق الإنسان الأساسية, حرمة الأديان, ومناهضة العنف والتطرف, وكل ما من شأنه التعصب والتحريض العرقي والطائفي والعنصري والمذهبي, تستوجب مناهضتها والارتقاء بوعي المجتمع وتنميته, ونشر قيم المدنية والحوار والسلام.
ومن أبرز متطلبات حماية الحريات الصحافية وتعزيزيها , حماية الصحافيين من الاعتداءات التي تطالهم بسبب ممارسة مهنتهم, أو التعبير عن أرائهم في, و وضع الضوابط القانونية الكفيلة بحماية مهنة الصحافة من الدخلاء غير المؤهلين ولا تتوفر فيهم شوط مزاولة المهنة, حيث أن التجربة تبين انه جرى تساهل كبير من قبل وزارة الإعلام خلال العقدين الماضيين في السماح لنسبة كبيرة من غير المؤهلين لممارسة الصحافة, والأبعد من ذلك انه تم منح بعضهم تراخيص إصدار صحف, وتعيينهم رؤساء تحرير.
التأكيد على مبدأ المساواة بين مختلف المؤسسات والوسائل الإعلامية والصحافية في الحقوق والواجبات, وضمان تكافؤ الفرص أمامها في التسهيلات المادية والمعنوية وفي مزالة نشاطها.
فهم واستيعاب وضبط المفاهيم الصحافية والإعلامية ومبادئ الحقوق والحريات في تضمينها بطرق واعية في أي تشريع ينظم قطاع الإعلام والصحافة بوسائلهما المختلفة. والواقعية في حدود تنظيم نشاطها وليس السعي لتقييدها, وفرض معمقات وعراقيل تحد من تطورها وقيامها بدورها الوطني والإنسان.

ما يجرى ليس سوى بداية مواجهة قد تطول من أجل تعزيز حرية الصحافة والإعلام, ذلك أن التهديد لهذه الحرية لا يتاتى فقط من مشروعي تعدل قانون الصحافة والمطبوعات, وقانون الإعلام السمعي والبصري والإلكتروني, فهناك قبلهما مشروع قانون الحصول على المعلومات والذي يعيق تماما بل يعطل الصحافة عن القيام بمهمتها في إعلام الرأي العام وتزويده بالأخبار. وهنالك تعديلات مقترحة على قوانين أخرى تضاعف من الإجراءات الجزائية والعقوبات على الصحافي.
ونكتفي في هذا السياق الإشارة إلى أن هناك مشروع تعديل قانون الجرائم والعقوبات تجرى مناقشته في لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية في مجلس النواب, وقدمت الحكومة مقترحات بتعديل عدد من المواد, وإضافة مواد أخرى لمبررات أورها وزير العدل في رسالة وججها إلى اللجنة وضمنها مقترحات تعديلا لعدد من المواد, وعلل الطلب بالمبررات والأسباب التالية, كما تضمنتها الرسالة:
1 – أن هناك بعض الجرائم والأفعال لم يتم النص على تجريمها وفرض العقوبات المناسبة والرادعة عليها, وخاصة الجرائم التي تمس بالثوابت الوطنية, أو الخروج عليها, والتحريض على أعمال العنف, والشغب والتخريب والإساءة للأديان السماوية ورسائل الأنبياء وغيرها من الجرائم.
2- والمبرر الثاني كما ورد في رسالة وزير معالي وزير العدل هو: "أن هناك بعض العقوبات الخاصة للعض الجرائم بحاجة على تشديد لتحقيق عنصر الردع والزجر لكل من تسول له نفسه ارتكاب مثل تلك الجرائم... إلخ"

وشمل التعديل المقترح المواد 131, و132, و136, و194, و195, و197 من قانون الجرائم والعقوبات, وأقترح إضافة ثلاث مواد أخرى. ومن بين المواد التي أقترح تعديلها المادتان (136) وينص التعديل على: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات كل من أذاع أو نشر أو أعد خبرا أو بيانا أو إشاعة كاذبة أو مغرضة, أو اية دعاية مثيرة, بقصد التحريض على ما يمس الثوابت الوطنية أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق ضررا بالمصلحة العامة.

هذا مجرد نموذج لنصوص ومواد أقترح تعديلها في قانون الجرائم والعقوبات إضافة غلى مواد ثابتة تصل فيها بعض عقوبات النشر حد الإعدام.
وخلاصة القول أن هنالك هجمة تشريعات تستهدف تقييد الحريات والتضييق على الصحافة, وتقليص هامش الحرية الذي تمتعت به خلال العقدين الماضيين, وتنم عن توجه يتناقض مع مضامين الخطاب السياسي الرسمي وخصوصا خطابات الرئيس على عبد الله صالح الذي وجه بإلغاء عقوبة حبس الصحافيين في قضايا الرأي, وإذا كانت التقديرات لدى المشرع أن تشديد العقوبات , وتضييق الخناق, وتوسيع نطاق محظورات النشر سيعود بالنفع على الحكومة والمصلحة العامة والعليا للوطن كما تقول النصوص التشريعية المقترحة, فإن سياسية المنع والتضييق, والعقاب, غالبا ما قادت في المجتمع اليمني وفي مجتمعات أخرى إلى حالة من عدم الاستقرار, وأعاقت حركة التطور, وحدة من المشاركة الشعبية, وهذا يتناقض مع التوجهات المعلنة للنظام السياسي في توسيع المشاركة الشعبية, وتعزيز الحريات , وفي مقدمتها حرية الصحافة والإعلام التي تحتاج إلى تعزيزها, وحمايتها.
* ورقة عمل مقدمة الى ندوة ملتقى الرقي والتقدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.