على ناحية شارع، أو في منزل يبدأ كثير من الشباب هنا في اليمن، عصر كل يوم بمراسيم حرق الذات، وإتلاف النفس، وإنهاك الجسد بتدخينهم ل «الشيشة» أو «النرجيلة» المعسل ظناً منهم بأنهم يهربون من محن ومصاعب الحياة.. تدخين الشيشة، أصبح في السنوات الأخيرة، «موضة» إتجه إليها كثير من الشباب، والفتيات أيضاً اللاتي لايمانعن في شفط دخان «معسل» في مقيل «تفرطة» نسوي، أو في مقهى سياحي قسمت مساحته إلى كابينات صغيرة، بإمكان أي فتاة أن تفعل بداخله ماتشاء تدخن، وتضحك، وتنفث الدخان والهموم، عالياً، والأمراض والفيروسات في اتجاه عكسي نحو جسدها. الأفيون الجديد وبحسب دراسة علمية للدكتور/ عماد حمودة تنتشر النرجيلة بكثرة بين شعوب بلدان الشرق الأوسط وآسيا، ويقال إن الشيشة قد انتشرت بشكل واسع في الشرق الأوسط والهند وبعض الدول الأخرى قبل أربعمائة سنة، وعلى مايبدو أنها عادت للانتشار ثانية في أيامنا هذه، خاصة بين أبناء الجيل الصاعد من الشباب والشابات، لكن الشيء الجديد في هذه المرة هو انتشار النرجيلة خارج حدود البلاد العربية والآسيوية، فالهجرات الكبيرة والواسعة التي شهدتها أواخر القرن الماضي من الشرق إلى الغرب نجم عنها نقل النرجيلة إلى الغرب، وبالتالي نشرها بين أوساط شبابهم وبناتهم، وقد لوحظ في العقد الماضي ارتفاع نسبة مستخدمي النرجيلة من الجنسين في البلاد الغربية بشكل حرض المشرفين في المؤسسات الصحية للمناداة بضرورة تثقيف الجماهير حول مضارها ومنع انتشارها بين الأجيال المقبلة لما ثبت من تأثيراتها الضارة على الصحة، ولذلك نشرت المجلة التابعة لجمعية أطباء الأطفال الأمريكية مقالاً في عدد يوليو الحالي تدعو فيه الأطباء للمشاركة في محاربة هذا الوباء الذي بدأ يغزو العالم والمهدد للصحة، ويعزو كثير من الباحثين سبب انتشار النرجيلة إلى سهولة استخدامها ورخص ثمنها وإلى المفاهيم الخاطئة التي يروجها الناس عنها في أنها أقل ضرراً من الدخان، فكل هذا يساهم بشكل كبير في إقبال وتقبل الناس لها واعتبارها ممارسة سليمة أو ذات ضرر قليل، لكن مع متعة كبيرة. أنواع النراجيل ولايقتصر الأمر في طقوس النرجيلة التحضيرية وجلساتها على الأشكال المختلفة والمزخرفة للنرجيلة ذاتها وألوانها الزاهية المرغبة وأطوالها وأحجامها وأطوال خراطيم الشفط فيها، بل يتضمن أيضاً التفنن في أنواع التبغ المستخدمة مع النرجيلة، وعموماً تستخدم مع النرجيلة ثلاثة أصناف رئيسية من التبغ وهي: «المعسل» الذي يحتوي على ثلاثين بالمائة من تركيبه من التبغ والباقي إما عسل أو دبس السكر، والثاني هو التنباك أو «العجمي» الذي يحتوي على عجينة من التبغ الصافي، والنوع الثالث هو «الجوراك»، وهو حسب ماوصفه لي أحد العاملين في المقاهي بأنه ثقيل ولايتعاطاه إلا الفطاحل والعتاولة من الرجال بسبب تركيزه القوي من التبغ ورائحته الغريبة والقوية، وقد تضاف إليه أحياناً فواكه أو زيوت مع التبغ، وعلى الرغم من تقارب المسميات بين أصناف التبغ المختلفة، إلاّ أن تركيبها وتركيز التبغ فيها يختلف اختلافاً كبيراً بين النوع والآخر، إذ ليس هناك معياراً أو ضابط محدد يوحد هذه الأصناف ضمن إطار مرجعي معين. أم الخبائث أوضحت بعض الدراسات التي أجريت على مستخدمي النرجيلة ارتفاع مستويات النيكوتين وغاز الكربون مونو أوكسايد السام والهيموجلوبين المكربن ومستويات الزرنيخ والكروم والرصاص لديهم، وبينت بعض الدراسات أن ماتفعله النرجيلة بصاحبها لايختلف تماماً عما تفعله السيجارة بمدخنها، فهي تزيد من احتمال إصابته بسرطان الرئة والسرطانات الأخرى، وتهديم وظائف الرئتين وأذية الشرايين القلبية، وبأجنة قليلة الوزن عند النساء، وهناك تقارير عن حصول عقم وإدمان لدى البعض، والسبب الذي يجعل النرجيلة خطرة مثل التدخين وهو مايغيب عن أذهان كثير من مستخدمي النرجيلة هو أن مستخدميها يشفطون كميات أكبر من هذه المواد السامة نتيجة تركيزها العالي فيها أولاً، وثانياً نتيجة جلوسهم لساعات طويلة لعدم شعورهم بالغازات الرطبة الداخلة إلى رئتيهم كما هو الحال في تدخين السجائر. وإذا أضفنا إلى القائمة السابقة بعض الأشياء التي قد يقوم بها الجالس المتأبط للنرجيلة من عادات سيئة كاحتساء القهوة والشاي أو تناول المشروبات الكحولية، وربما المخدرات يمكننا أن نتصور مدى الخطر الذي تسببه هذه المجموعة من المضرات على صحة الإنسان، لذا ليس عجباً أن يعتقد بعض الخبراء بأن النرجيلة هي أشبه «بأم الخبائث» لأنها تفتح الباب لممارسة عادات وسلوكيات مضرة أخرى كالتدخين وتعاطي الكحول والمواد المضرة بالعقل، ناهيك عن إضاعة الوقت والمال وتجاهل ممارسة الرياضة وغيرها من العادات المضرة بالصحة العقلية والروحية والجسدية. ناقلة للإيدز والسل هناك شيء خطير ومهم حول النرجيلة يجهله أكثر أصحاب المزاج النرجيلي وهو أنها «النرجيلة» إضافة إلى غرسها مخاطر التدخين في البدن فإنها تغرس خطراً آخر لايقل خطورة عن خطر التبغ وهو احتمال نقلها الأمراض الإنتاجية المعدية بين مستخدميها، ويعود السبب في ذلك إلى اشتراك أكثر من شخص في استعمال النرجيلة كما هو الحال في المقاهي والمحال العامة، وإلى التحضير غير النظيف والجيد للنرجيلة قبل استعمالها، ومن أهم الجراثيم التي قد تنقلها النرجيلة هي جرثومة عصية السل المسببة لمرض السل المعروف، وجرثومة هليوباكتر بايلوري التي تسبب القرحة المعدية، والإسبرجيلوس الرئوية المسببة لالتهابات الصدر، وفيروس التهاب الكبد سي الذي يزيد من احتمال الإصابة بسرطان الكبد، وفيروس الهربس المسبب للتقرحات الفموية والجنسية وفيروس إبشتاين بار المسؤول عن ضخامة العقد الدفاعية وبعض السرطانات، وعدد من الفيروسات الرئوية المسئولة عن الالتهابات والنزلات التنفسية والرئوية والتهاب الجيوب والأذن الوسطى، وأخيراً احتمال نقل فيروس الإيدز!! نعم فيروس الإيدز، ولذلك وبعد معرفة خطر النرجيلة كناقل للأمراض السارية بين الناس فزعت وهبت الدول الغربية والمؤسسات الصحية الدولية والمحلية إلى الدعوة لمحاربة النرجيلة ونشر الوعي بين الشباب والجيل الصاعد عن هذا الناقل الجديد لفيروس الإيدز وللجراثيم والفيروسات الأخرى. مفاهيم خاطئة من المفاهيم الخاطئة المنتشرة بين بائعي ومستخدمي النرجيلة أنها أقل ضرراً من تدخين السجائر، لأنها حسب ادعاءاتهم تحتوي على كميات أقل من النيكوتين، وبالتالي فهي أقل ضرراً على الفم والحلق والطرق التنفسية من تدخين السيجارة، ولأن الماء الذي تمر عبره الغازات ينقيها من النيكوتين ومن المواد السامة والضارة الأخرى، كما يعتقدون أنهم باستخدام الفواكه مع التبغ يسبغون على النرجيلة صفة التدخين المفيد والداعم للصحة. وكل هذه المفاهيم الخاطئة السابقة عارية من الصحة وينقصها الدليل العلمي، فالأبحاث الطبية اليوم أثبتت أن تركيز النيكوتين في دخان النرجيلة هو ضعف تركيزه في السيجارة، فهو يعادل 24 بالمائة مقارنة 12 بالمائة في السيجارة، كما أن معدل غاز الكربون مونو أوكسايد السام في النرجيلة هو أعلى مما هو عليه الأمر في السيجارة، ويعتقد الباحثون أن سبب اختلاف هذه المعدلات يعود إلى طول فترة التدخين التي يقضيها المشيّش مع النرجيلة مقارنة بمدخن السيجارة، ناهيك عن الأسباب الأخرى التي ذكرناها سابقاً عن خطر النرجيلة، مما يعني أن هذه المفاهيم تحتاج لإعادة النظر فيها ونشر الصحيح منها. خلاص الدراسا الخلاصة التي وصلت إليها الأبحاث التي أجريت في الغرب على النرجيلة هي أن تدخين النرجيلة يزيد من نسبة الإصابة ببعض السرطانات وعلى رأسها سرطانات الرئة والمريء والمعدة والمثانة، كما يزيد من تخريب وظيفة الرئة وأذية الشرايين القلبية، كما أن مشاركة استخدام النرجيلة بين عدد كبير من الناس يعرضهم لاحتمال انتقال الأمراض المعدية بينهم، كما قد يزيد من احتمال العقم بين الرجال المدمنين على النرجيلة مقارنة بغيرهم، ويزيد من نسبة المركبات الضارة بالأنسجة، خاصة بنسيج الرئة، وأخيراً هناك احتمال أن تتأثر المورثات سلباً نتيجة تدخين النرجيلة وهذا قيد الدراسة الآن، وعلى الرغم من قلة المراجع التي تبحث في مضار النرجيلة من الناحية الصحية، إلا أن الدراسات القليلة التي أجريت عليها إلى اليوم تعتبر مؤشراً منذراً لقرع ناقوس الخطر حول ماتحمله هذه النرجيلة داخل شكلها المنمق وفي مائها الصافي المبقبق وخرطومها المزخرف.