- فارع الشيباني ديوان أسفار للشاعر/ياسين الزكري، يعج بالمفارقات العجيبة والتي نلحظها من خلال محتويات الديوان «تكوين، مزامير، ظهور، قصاصات للريح، تيه، ترانيم، خروج، اعتراف، رسالة، أنت، أبو سهيل، نجوى، أروى، سهام، ايمان، أحلام ، كوكبان ، فتاه، إرهابي ، نقوش، لأصداء، تسع عجاف، تساؤل، ومضة توقيع» قد يكون حسناً أن يعترف إنسان بزلاته لغرض التطهر، هذا إذا كانت هناك زلات، أما إذا كانت أوزاراً حلوة وذنوباً رائعة فيكون بوح الشاعر رغبة في إطلاق ماكان مقيداً في أقبية الكتب، تلك هي الأغنية التي نريد أن نسمعها وتلك هي الأمنية التي نريد أن تتحقق وتلك هي الأنشودة التي نريد أن يتلبسها الرقص لتولد ألف أغنية تنتحر في الحلق وأخرى بعدها تولد«يماني سيفه المسلول لايغمد»، ومن ثم يجرجرنا السؤال إلى قمة الذروة لنعمق جواباً رائعاً يتماها مع مغبة السؤال لقراءة عمق الشاعر ترى ماهي أوزار الشاعر وماهو جرمه إن أوزار الشاعر هو ذلك الجنون الذي أغرقه حباً لطبائع الأشياء، وإن جرمه هو أنه عالم لايحد وفضاء يمتد بكل الفضائل فيسقط مالايخطر على قلوب العاديين الذين لاعيون لهم ولاقلوب لهم فيمكنوا أنفسهم من تجريم وتكفير هذا الملاك الطاهر الذي له قلب نابض بماهية الجمال والحب إذاً لا وزر له إلاّ أنه قبله حب وقلعة فضاء مفتوح بسعة المدى الذي لايحده إلاّ بداية شاعر ونقطة لا نهاية لها إلاّ هذا الشاعر نقطة بدء تكوينات الاشياء! يقول الشاعر.. أذكر أني تلوت اعترافات نبضي حتى القرار فكان الأسى حين أطرقت عامدة لابتلاع ابتسامة قلب أسرت مناه وأودعته الفاجعة كان عمر الذي بيننا يرتدي بذلة الخامسة وما انفك لون الحديث يساق لزاوية داكنة هنا في تمرد على الذات يظهر الطهر كلغة ضمن السياق ويبدو بجلاء داخل الجملة:«كان عمر الذي بيننا يرتدي بذلة الخامسة»، أياً كان الحديث وتوصيفاته عن أوليات هذا الشاهد فإنه يسقط ذاكرة مصدرها الطهر والصحة النفسية سواء كان هذا الشاهد الذي يرتدي بذلة الخامسة حب دام عمره الخمس بينه وبين الحبيبة أو حب بدأ يربو وكان عمره الخامسة حتى انتهى طائل العمر بالزمان فهنا يستمد الربط من ذاكرة الزمان والمكان بذاكرة «الزمكنة التي لاتشيخ» يقول الشاعر...... واستمرت شجون الحديث قبل عام وعام من السنة العاصفة «إلى حيث أكملت الساعة دورتها الرابعة وفي رغبة كالجنون صفقت بوجه الجمال جملة وعاصفة إلي أن يكون» من المنطق أن لاننكر مسألة الجحود ومن المنطق أيضاً أن لايكون سمة الذات في النفوس الصحية والنقية في تركيبنا الطبقي ذلك أن الجحود الذي ينبئ عن الآخر سلباً يعني إلغاءً للاخر فالنقي يحول مفردات الآخر النقي إلى شواهد تكون هي المنارات التي تهدي استمرارية السير للوصول إلى الأنقى والأفضل، فامرأة التيه الشخصية الأساس في النص وإن كانت إمرأة الظنون وليست امرأة الأحلام وهي لاتؤثر على شفاق سيرة الشاعر الأكثر وضوحاً وشفافية وإن كانت هي الأخرى منطلقات غموض فذلك ماهو مطلوب لأن شفافية المبدع تستفيد في طائلة البحث عن ماهو خفي تحت هذا الغموض السجين «شعور» الرغبة وحب الذات فهو يكون بطلاً إذا جعل من هذا الغموض وضوحاً ومن الاستقصاء العصي ليونة ومران. يقول الشاعر.. لست أنسى احتجاج النساء صفقن النوافذ أسدلن ستائر غيم دموع نشيج وراء السؤال الزجاج المرايا... لحظة أجهشت بالدموع السماء «أسدلن ستائر، غيم ، دموع، نشيج» جملة الشعرية تحوي صورة كلية احتوت على الحركة والصوت واللون الاميبي في دموع وغيم ونجد الصوت نشيج والحركة في أسدلن وهذا اختزال لكل المعاني القيمية داخل قصيدة «تيه»، التي يقول فيها الشاعر أيضاً.. كنت أرسيت مابيننا حائطاً لافتراق الرؤى وأنكسْ من فوقه راية الأنفس العاشقات... قلت يا امرأة من يقين الظنون أما أظمأت سوسنات المحبة فيك مسافات ماقد مضى.. فلسفات البعاد.. فما كان غير الذي ألفته السنون الخوالي.. خيبة وسفر.. مراراً يرتب فصل انتظار جديد على جرح قلب محب بلا مستقر.. قلت لك الآن يا امرأة التيه كل خيوط الشجون ظنون لكي ما تشبع فيك بذور القرار ولو... بعد فاتحة لارتباط النوازع والزمكنة الحديث عن المرأة حديث ذو شجون ومسؤولية ويجب أن يكون حديثاً استراتيجياً ومسئولا لأهمية المتحدث عنه والمرأة الودود الولود هي الأم هي الأخت هي الزوجة والابنة والمرأة النجيبة هي الكناية عن الأرض الأنثى الخصبة وعلاقاتها بهذا المكنى علاقة عطاء وخصوبة لذلك وجدنا هذا العلم بارزاً في ديوان أسفار للشاعر ياسين الركزي والمرأة عنده هذا المعطاء الكريم إذ جعلنا منه كياناً منتجاً ومتحولاً وان كان له موقف الضد حينما يراها عاقرة لاتؤثر في حياة المجتمع نحو التقدم والرقي بخصوبة تكوينها وحنان الأمومة، فالمرأة هي الوطن المتنفس الكبير لأبنائه والكنز الأنفس ومرفأ الأمل لقاطنيه وثاوية وآويه، ومن أراد أن يوظف هذه العلائق توظيفاً عدائياً وغربة وحقداً فإنه العدو الأول لله وللإنسان كونه يبدِّل فطرة الله فيه وطبيعة كينونة خلقه ووجوده، في المقطع الأخير من قصيدة «تيه» يصور لنا يوم المحشر حيث يواجه كل كائن بعظيم أفعاله إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشر وحين توضع كل هذه المتغيرات داخل ضمائر المرأة فلأنها تمثل كل شيء وفعل الوجود المهم والأهم يقول الشاعر... إن للعشق أطوراه لاختمار النضوج ولي... أن أظل المسافر في فلك الانتظار لأني أرتأيت بعينيك مالاترين ومازال للشوق، للتوق، للعشق متسع الامتداد من الآه ،حتى انطفاء الرمق وقد نلتقي فوق أرض الحياة متى ماعلمت بأن امتلاء القلوب لقاء العيون لكأن الشاعر يوجهنا بروح الفيلسوف نحو طرائق الخير والنماء وهو يحدث كل الجمال المنقوع بالحب والشفافية الذهنية وهو يحثنا في أن نلزم الحب الذي تدرج إلى أعلاه حيث وصل إلى العشق وهو يرى مالايراه المبصرون العميان لأن للعشق أطوار ودورات تخلق، لانستطيع ابتكار الأشياء إلاّ بكامل حب الرغبة لاستوائها تامة وكاملة هكذا ينبئنا الشاعر وهو يحثنا على عدم اليأس ويشير بأن هناك فرصة أمام المسرف لاقتنائها طالما لاتزال في قلبه ذرة شجن تلقي به حضن العشق ليبدأ من جديد في صناعة الحياة، «ومازال للشوق، للشعق متسع الامتداد من الآه حتى انطفاء الرمق»،وهو أيضاً يجدد في نفوسنا الأمل كما يحذرنا بأن لانأمن مكر الله بطول الأمل فكل معرض للحساب والمفلح من أتى الله بقلب سليم يقول .. وإذ أحشر في زمرة العاشقين حاملاً عشق سوسنتي على كف قلبي بلامنتهى... وإذ تحشرين .. سلي في رصيف الخلود عن العاشق الآدمي بين كل غبار البشر.. ثم خوضي بطول وعرض الزحام/ الطريق فلن تعلمي بين تلك الوجوه سوى أنك التائهة.. فاسلمي لشفاف المنى وجهة القلب وسيرى بطهر الذي بين جفن هواك ومابين عيني إلى جنة العشق والأمنيات أخيراً ليس ماكتبناه في صدد الدراسة لديوان «أسفار للشاعر ياسين الزكري»،لكنه تناول ذوقي لقصيدة «تيه» داخل الديوان مع أنني قد قرأت كل قصائد الديوان، وللأمانة أن القراءة المستفيضة ومن ثم اسقاطها كقراءة نقدية متخصصة أمر يحتاج إلى كثير تأمل واسع ووقت ليس بالقصير، فكل مافي هذه المجموعة الشعرية من محتويات داهشة مجددة حتى في أساليب صناعة الدهشة ذاتها يحتاج وقفة ليست بالقصيرة أيضاً.. شاعر كياسين الزكري متسع الرؤية، واسع الأفق ،مثقف حقيقي هو شاعر يدرك جيداً مايكتب، ويعرف تماماً مايريد، وهو لذلك يحتاج إلى وقفة تعظيم سلام أما نصوصه فتجبرك على الانحناء احتراماً واكباراً لأعمال بعيدة الرؤية لامتناهية الابداع وهي من منطلق كهذا تحتاج إلى قراءات وليس إلى قراءة كي نتمكن من إدراك أبعاد اللغة المتجددة في «نصوص اللحظة الشاردة» في شعر الزكري ياسين الشاعر.. دفقة حبي وعزيز احترامي لهذا الكائن الجميل.