- أروى عاطف .. كانت الشمس قد توسطت السماء حين راحت ترمي اشعتها كأسواط على صفحات وجهه المنهك يمسح قطرات العرق المتسابقة على جبينه، وينظر ساخطاً نحو السماء .. حتى أنت ..؟!أما يكفي ما يفعله الزمان بي ؟! تباً .. يلتفت إلى حمله الملقى على الأرض ينفخ بعصبية، ثم يتناوله ويرميه على ظهره، ينوء بحمله الثقيل يتمايل، يوشك على السقوط لولا ان تماسك في اللحظة الأخيرة .. يمضي متثاقلاً على الرصيف .. تتوقف الاشارة ويبدأ في عرض بضاعته على سائقي السيارات الواقفة تفضل ياسيدي .. هذه أحسن الأقلام المستوردة .. ستورثها لأحفادك ولن تصاب بعطل أبداً .. ينظر إليه صاحب السيارة في حنق، ثم يرفع زجاج نافذته ، ويشيح بوجهه إلى ناحية أخرى ينكسر شيئ بداخله يحاول لملمته .. يقترب من السيارة الثانية محاولاً رسم ابتسامه مصطنعة لتكون المدخل لعرض ما يحمله .. يدس يده في الكيس المعلق على ظهره، يخرج منه أكواباً متراصة في قفص شفاف، ويعرضها على السائق انظر سيدي .. هذه أكواب انيقة قوية وصلبة كالحديد لو سقطت من أعلى جبل «نقم» فلن تتحطم .. ينظر اليه سائق السيارة في استغراب ثم يقول ساخراً :«لن تتحطم طبعاً فهي من الحديد.. هه» يتراجع مصاباً بما يشبه الذهول .. يضاف إلى انكساره انكسار آخر .. تفتح الاشارة .. وتتدافع السيارات كل إلى غايتها .. فيما يعود هو إلى الرصيف متشحاً بخيبة أمل .. ناقماً على كل هؤلاء البشر . يرمي ما على ظهره ثم يجلس متكئاً عليها .. تسبح عيناه في الفراغ .. يطلق العنان لخياله ليسافر بعيداً إلى تلك السيارة الفارهة .. ما الذي ينقصه ليمتلك واحدة مثلها ؟! يخرجه صوت زميل له من أحلامه، ليبدأ في عرض ما معه .. فها هي الاشارة قد اغلقت ثانية يحمل بضاعته على ظهره، ويتقدم بها .. هاهو الآن يملك سيارة كتلك السيارة .. بعينين تائهتين يبدأ في عرض بضاعته وفي صمت .. هاهو يصعد اليها يمسك مقودها يتجاوز السيارة الأولى .. يقف عند المجاورة لها .. وسائقها يسأله عن ثمن الأكواب .. يتركه منطلقاً مخلفاً أياه وراءه .. يغمض عينيه متلذذاً بسحر حلمه .. وفجأة ترتطم سيارته بشيء كبير عملاق تتساقط اشياؤه من على ظهره يدوسها سيل من السيارات .. يتناثر إلى شذرات صغيرة .. في كل مكان ، يسقط عمر متبق تهاوى يندثر كأشياء كان يحملها. يتلاشى تحت وطأة عجلات حلمه الميت.