كانت الشمس قد توسطت السماء، حين راحت ترمي أشعتها كأسواط على صفحات وجهه المنهك. يمسح قطرات العرق المتسابقة على جبينه، وينظر ساخطاً نحو السماء..حتى أنت .. ؟! أما يكفي مايفعله الزمان بي؟! تباً.. يلتفت إلى حمله الملقى على الأرض، ينفخ بعصبية، ثم يتناوله ويرميه على ظهره، ينوء بحمله الثقيل، يتمايل، يوشك على السقوط لولا أن تماسك في اللحظة الأخيرة. يمضي متثاقلاً على الرصيف.. تتوقف الإشارة ويبدأ في عرض بضاعته على سائقي السيارات الواقفة.. - تفضل ياسيدي.. هذه أحسن الأقلام المستوردة.. ستورثها لأحفادك، ولن تصاب بعطل أبداً.. ينظر إليه صاحب السيارة في حنق، ثم يرفع زجاج نافذته، ويشيح بوجهه إلى ناحية أخرى..- ينكسر شيء بداخله، يحاول لملمته. يقترب من السيارة الثانية محاولاً رسم ابتسامة مصطنعة لتكون المدخل لعرض مايحمله..يدس يده في الكيس المعلق على ظهره، يخرج منه أكواباً متراصة في قفص شفاف، ويعرضها على السائق : - انظر سيدي.. هذه أكواب أنيقة، قوية، وصلبة كالحديد، لو سقطت من أعلى جبل «نقم» فلن تتحطم..-ينظر إليه سائق السيارة في استغراب ثم يقول ساخراً : «لن تتحطم طبعاً فهي من الحديد.. هه ». يتراجع مصاباً بمايشبه الذهول.. يضاف إلى انكساره انكسار آخر..تفتح الإشارة..وتتدافع السيارات كل إلى غايتها.. فيما يعود هو إلى الرصيف متشحاً بخيبة أمل.. ناقماً على كل هؤلاء البشر..يرمي ماعلى ظهره ثم يجلس متكئاً عليها.. تسبح عيناه في الفراغ.. يطلق العنان لخياله، ليسافر بعيداً إلى تلك السيارة الفارهة. ماالذي ينقصه ليمتلك واحدة مثلها ؟! يخرجه صوت زميل له من أحلامه، ليبدأ في عرض ما معه. فهاهي الإشارة قد أغلقت ثانية يحمل بضاعته على ظهره، ويتقدم بها.. هاهو الآن يملك سيارة كتلك السيارة.. بعينين تائهتين يبدأ في عرض بضاعته وفي صمت.. ها هو يصعد إليها يمسك مقودها يتجاوز السيارة الأولى. يقف عند المجاورة لها..وسائقها يسأله عن ثمن الأكواب.. يتركه منطلقاً مخلفاً إياه وراءه..يغمض عينيه متلذذاً بسحر حلمه.. وفجأة ترتطم سيارته بشيء كبير عملاق، تتساقط أشياؤه من على ظهره، يدوسها سيل من السيارات.. يتناثر إلى شذرات صغيرة. في كل مكان، يسقط عمر متبق. يتهاوى.. يندثر كأشياء كان يحملها.. يتلاشى تحت وطأة عجلات حلمه الميت.