- عارف الضرغام .. جمع أوراقه وشمر عن ساعديه وأخذ قلمه المرهق تعباً من كثرة ما استخدمه في الكتابة محاولاً كتابة قصيدة جديدة.. لم يكد يستجمع أفكاره ويمسك بها ويستحضر الكلمات حتى جاءه ابنه أحمد يشاغله بعد أن تسلق على الكرسي من الخلف وتعلق بكلتا يديه البضتين على رقبته. دعني يا أحمد أكتب القصيدة.. أنزل وإلا سأضربك كان البيت يعج بالضجيج والصراخ وأصوات الصحون التي تأتي من المطبخ القريب من غرفته. علبة اللبن لم يبق فيها شيء .. ماذا سأعطي لأحمد يوم غد؟ قالت زوجته هذه الكلمات وهي منهكة في غسل الصحون.. طيب تعالي خذي أحمد فقد قطع الأوراق، ولم أستطع أن أكتب شيئاً .. وستطير الأفكار من رأسي.. مش كفاية القصيدة السابقة لم أستطع أن أكملها لأنه بلل الأوراق ولأنك لم تلبسيه الحفاظة. سمع طرق على الباب ثم دخلت «هبة» بعد أن عادت من المدرسة ورمت بحذائها المهترئ جانباً وخلعت ملابسها المتسخة وقالت بابا.. بابا لملم أوراقه ووضع قلمه في جيبه وهب واقفاً وقال: عجبك ذلحين .. خلاص ما باكتبش حاجة.. والمئتين ريال حق القصيدة ضاعت.. هيا شوفي من بايجيب لك حق اللبن.. عيالك ماخلوناش أكمل حتى خمس قصائد. قالت ابنته هبه: حقيبتي قديمة ومقطعة.. متى باشتري لي حقيبة جديدة؟ لما يتفضل علينا المدير العام ويصرف لنا علاوة العمل الإضافي. وجاء صوت زوجته من المطبخ: البنت تروح المدرسة كل يوم بالعافية.. زميلاتها كلهن يمتلكن حقائب جديدة إلا هي.. معها حقيبة قديمة من السنة الماضية. حاضر .. حاضرو. طيب .. افرش الجريدة اللي بيدك على بال ما أجهز لك العشاء.. منشان تلحق الشغل.. لحظات وصارت الجريدة لفافة لبقايا الروتي والفاصوليا.. راتب أبو أحمد لا يتعدى الستة آلاف ريال ولايكاد يكفيه ولا يفي بمتطلبات بيته وأسرته الصغيرة.. ولولا موهبته الفريدة في كتابة الشعر والقصة ومشاركته بين الفينة والأخرى في الأمسيات والمنتديات الأدبية لما استطاع أن يعيش حياة الكفاف والاستغناء عن الآخرين. خاطبته زوجته بعد أن فرغت من إعطاء الرضعة لإبنها أحمد وبعد أن تركته مستغرقاً في نوم عميق. اسمع يا أبو أحمد.. شوف الشاهي خلص والرز خلص والدقيق باقي بس حق بكرة.. وفواتير الماء والكهرباء مركونة.. و..و.. كفاية .. كفاية.. دعيني أكمل القصيدة. عدن شتاء 1997م