القائم بأعمال وزير العدل يترأس اجتماع مجلس إدارة صندوق دعم القضاء    بليغ المخلافي.. رمزًا من رموز العطاء الوطني    هولوكست القرن 21    0محمد اليدومي والإصلاح.. الوجه اليمني لانتهازية الإخوان    انطلاق بطولة كأس الخليج للناشئين في قطر    شباب اليمن يحيون ذكرى 21 سبتمبر بفعاليات كشفية وثقافية ورياضية    وفاة 4 من أسرة واحدة في حادث مروع بالجوف    حريق هائل يلتهم أجزاء من سوق الزنداني في الحوبان شرقي تعز    نزال من العيار الثقيل يجمع الأقرع وجلال في نصف نهائي بطولة المقاتلين المحترفين بالرياض    بورصة مسقط تستأنف صعودها    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    مظاهرة غاضبة في تعز تطالب بسرعة ضبط قتلة المشهري وتقديمهم للعدالة    إب.. وفاة طفلين وإصابة 8 آخرين اختناقا جراء استنشاقهم أول أكسيد الكربون    التخدير الإعلامي والدبلوماسي: قمم بلا أفعال    زرعتها المليشيا.. مسام ينزع 1,103 لغماً خلال الاسبوع الثاني من سبتمبر    قيادي انتقالي.. الرئاسي انتهى والبيان جرعة تخدير    الصحفي الذي يعرف كل شيء    خصوم الانتقالي يتساقطون    بسبب الفوضى: تهريب نفط حضرموت إلى المهرة    وكالة تكشف عن توجه ترامب لإصدار مرسوم يرفع رسوم تأشيرة العمل إلى الولايات المتحدة    ضربة أمريكية لسفينة فنزويلية يتهمها ترامب بتهريب المخدرات    البرازيل تنضم لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام العدل الدولية    قلت ما يجب أن يقال    الرشيد يصل نهائي بيسان ، بعد الفوز على الاهلي بهدف نظيف، وسط زخم جماهيري وحضور شعبي الاول من نوعة منذ انطلاق البطولة    الرئيس المشاط يعزي في وفاة الشيخ عبد الله أحمد القاضي    بن حبريش: نصف أمّي يحصل على بكلاريوس شريعة وقانون    المركز الثقافي بالقاهرة يشهد توقيع " التعايش الإنساني ..الواقع والمأمون"    متفوقاً على ميسي.. هالاند يكتب التاريخ في دوري الأبطال    مانشستر سيتي يتفوق على نابولي وبرشلونة يقتنص الفوز من نيوكاسل    أين ذهبت السيولة إذا لم تصل الى الشعب    الربيزي يُعزي في وفاة المناضل أديب العيسي    محافظة الجوف: نهضة زراعية غير مسبوقة بفضل ثورة ال 21 من سبتمبر    الأرصاد يخفض الإنذار إلى تحذير وخبير في الطقس يؤكد تلاشي المنخفض الجوي.. التوقعات تشير إلى استمرار الهطول    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    جائزة الكرة الذهبية.. موعد الحفل والمرشحون    البوندسليجا حصرياً على أثير عدنية FM بالشراكة مع دويتشه فيله    الفرار من الحرية الى الحرية    ثورة 26 سبتمبر: ملاذٌ للهوية وهُويةٌ للملاذ..!!    الصمت شراكة في إثم الدم    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    إشهار جائزة التميز التجاري والصناعي بصنعاء    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    الوفد الحكومي برئاسة لملس يطلع على تجربة المدرسة الحزبية لبلدية شنغهاي الصينية    موت يا حمار    أمين عام الإصلاح يعزي الشيخ العيسي بوفاة نجل شقيقه ويشيد بدور الراحل في المقاومة    رئيس هيئة النقل البري يعزي الزميل محمد أديب العيسي بوفاة والده    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    الامم المتحدة: تضرر آلاف اليمنيين جراء الفيضانات منذ أغسطس الماضي    استنفاد الخطاب وتكرار المطالب    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القصيدةُ الشبابية في اليمن.. مدارات النَّص .. حلقة القراءة ما بَعْدَ الأوَّليَّة
نشر في الجمهورية يوم 05 - 02 - 2007

إبراهيم محمد طلحةعندما يتعلَّق الأمر بالحديث عَنِ القصيدة الشبابية في اليمن، فإنَّ مِنْ ضرورات الرُّؤىة الأوَّليَّة التصدِّي للكلام على المدارات المفتوحة للنصِّ المُترابط في وقت الكلام على منظومة تواليفه التداوليَّة..في حلقةٍ سابقةٍ مِنَ الموضوع تناولنا المنظومة الشِّعْرِيَّة تداوليَّاً باستقراءٍ مُوسَّعٍ إذا ما قيس بكونه في صفحةٍ واحدةٍ تفاسَحَ فيها ثلاثةٌ وعشرون شاعراً مِنَ القطع الشبابي المُتجايل، واليوم نستأنف قراءتنا الاتّجاهية في منحى المدارات النصِّيَّة، استكمالاً لنقاشاتٍ
منهجيةٍ نَبَعَتْ بوادِرُها منذ أوَّليات التكوُّن الجيلي الشبابي، وفي ملفَّاته المُتراكمة في رُفوف الذاكرة الجمعية لشرائح المُبدعين الشباب.
نوافذُ النُّصوص الفواتح
{ في بوارق القصيدة الشبابية مُنْذُ "الرازحي" و"القعود"، و"ربيع"، و"هيثم"، و"أبلان"، و"مُفرِّح"، و"سالمين"، و"البُريهي"، و"الحارث"، و"السلامي"، و"المقري"، و"الجند"، وجمهرة الجيلين السبعيني - وامتدادهُ الثمانيني - والتسعيني وَمِنْ بَعْدَهُ جيل الألفية وإلى ما بَعْدَ هذه التجييلات، نلمسُ أنَّ تُخوم النصِّ الإبداعي تطَّرد بطريقةٍ عريضةٍ لَيْسَتْ مُمكنة الاختزال ها هُنَا، وسبق وأنْ ناقشنا مِنْهَا قدراً فسيحاً في مواضع ومواضيع مُتفرِّقةٍ مِنَ الصفحات الأدبية والثقافية، كان آخرها موضوع القراءة الأوَّليَّة التي صدَّرتها الصفحة الثقافية في "الثورة" أواخر رمضان المُنصرم، بعنوان "منظومة التواليف التداوليَّة في القصيدة الشبابية في اليمن"، وتسنَّى لبعض الإخوة الحصول على نُسخةٍ مِنْهَا، وَلَمْ يتسنَّ لآخرين ذلك، حيثُ ومُعظمنا لا يأخذ "الجريدة" إلاَّ إذا نزل لَهُ أَوْ عَنْهُ موضوعٌ أَوْ قصيدة، مَعَ أنَّ الموضوعات المُهمَّة لَيْسَتْ مجالاً للمُساومة، ولا يعني أنَّ "طلحةً"، حينما يكتب في الموضوع الفُلاني، يجب أنْ يتّصل ب "أهل الشأن" جميعاً، ويُقدِّم بَيْنَ يديّ الكتابة إعلانات وقرابين "اعتراف" واحترام وتقدير، لأنَّ الاعتراف لأهل الفضل الإبداعي واجبٌ عينيٌّ، وإنْ لَمْ نُمهِّد لَهُ بسابق مودَّةٍ وتعارُفٍ، وللعلم فإنَّ مُعظم مَنْ أتناولهم غير معروفين بالنسبة لي على المُستوى الشخصي، ومعروفون على مُستوى القراءة، ولا أُحبُّ أنْ أدنو مِنْ سُلطة الخديعة التي تغشُّ كثيراً مِنَ المُبدعين لمُسبِّبات تعود - في غالبها - إلى "المعرفة" الشخصية ودواعي "الإحراج"!!
في سوابق الموضوع أشرنا إلى أنَّ "الأسماء" الواردة فيه لا تعني "الحصرية"، واليوم نقف على زاويةُ غير بعيدةٍ عَنِ المشارف الأُولى، وننظر غير بعيدٍ إلى فواتح النُّصوص مِنْ نوافذ لا مُتناهية، وَلَوْ شئنا الاستشهاد مئوياً بِشِعْرِ الطوائف الشابَّة لتداعتْ الأرقام أمامنا، وسنعبر إلى مقاطع بضعة أسماء، مُشيرين إلى أسماءٍ أُخرى لَمْ يتَّسع الوقت - وَرُبَّمَا الفُرصة - للاطّلاع على تجاربها عَنْ قُربٍ، وللموضوع - ولا شكَّ - بقيَّةٌ إلى حين.
مداراتُ المعاجم الشِّعْرِيَّة
{ حين نُشارف حدود المقاصد الشِّعْرِيَّة، نَشْتَمُّ روائح الطاقة النصِّيَّة في القصيدة الشبابية، مِنْ خلال التلابيب المعجمية المأخوذ بها في مدارات النُّظم الشِّعْرِيِّ الشبابي، ولا يُساورنا أدنى شكٍّ بأنَّ "مقامات" "العودي" - على سبيل المثال - هي مقامات الكلمة الشابَّة الشاعرة في أيِّ فرعٍ آخر داخل ديوانٍ آخر، وهكذا يُمكن توجيه النظرة مقاصدياً على امتدادات الوزن والقافية والتفعيلة والنثر المُتشعرنة جميعاً، وما أحسن ما عبَّر به الشاعر "أحمد السلامي"، إِذْ قال : "أُريدُ أنْ أكتب - فقط - مِنْ زاوية الشُّعور الشخصي بالأشياء"، شُعورٌ استلهمهُ بواسطة الأشياء - أيضاً - "مُحمَّد أحمد الشامي"، فقال :
"أستلهمُ الأشياء، أنخرُ طاقتي
للبحث قُرباناً لأبلغ مقصدي
والمقصد السَّامي بعيدٌ كُلَّما
دانيتُ أبحرهُ تباعد موعدي"
وتناهى إلى ما يُشاكل ذلك "الشامي" الآخر، "صلاح"، في أُهزوجةٍ نسجها "على شفق البُرتقال" :
"ترتدين السَّواد على شفق البُرتقال
تُذيبين آخر أُمنيةٍ
في تُخوم النَّوى
للنِّهايات أحلامها
حين ينسدل الخوف
مُستأنساً للحلول غوايته
ومكانته في الوجيب المُضمَّخ
بالانكسار"
وَكَمَا استقرَّ أديمُ "الشاميَّيْن" "نهاراتٍ مُنخفضةً" ل "سُلطان عزعزي"، واستقرَّتْ "يراعات" "خديجة المغنّج"، رَغْمَ نزيف "اعتراف"، واستقرَّتْ غُربة "السلام"، رَغْمَ "ارتباكٍ" مُستطير، في انفتاحٍ للأنساق باتّجاه الهيجان الخلاَّق، أَوْ في "تأزُّمٍ" للبُؤر الجمالية، على نَحْوِ ما نجدهُ عند "عبدالرقيب الوصابي"، وحشدٍ لطقوس القصيدة، على نَحْوِ ما نجدهُ عند "مروان الغفوري"، و"علي هلال"، و"عبداللَّه الفقيه" وآخرين، هي أزمة الكلام الجميل، كَمَا يقول "مرزاح" أَوْ فاتحة القصيدة، كَمَا تقول "ليلى إلهان"، فَمِنْ "تأزَّم" الأوَّل :
"خُذوا كُلَّ أشيائكم
لا أُريدُ النِّساء
ولا الأولياء
ولَسْتُ أُريدُ غُثاء الصَّبايا
أو قهوة الشِّعْر
أو تُرهات الخليل...
أنا وطني حيثُ تنبتْ لعنانتكم
فرحاً في أساريرنا
حيثُ لا يشتري النَّاس وجهي،
ولا يكسبون الدَّنانير مِنْ سجداتي،
إذا عدَّني في الضَّميرِ
القليل"
وَمِنْ "فاتحة القصيدة" الثانية، في "أضحوكة الزمن" :
"أسيرُ إلى وطنٍ يتَّسع بالأُمنيات
يكسر فضاءاتٍ
مِنَ الصَّمتِ والخديعة"
فكرةٌ فسَّرتها المدارات المُتداولة في غير ما محلَّةٍ مِنْ محالِّ القصيدة اليمنية المُعاصرة، وفي هذا الاتّجاه قالتْ الشاعر "خديجة المغنّج" :
"هذي أنا
مَنْ هزَّها القلم
مَنْ هاجها النَّغم
هذي أنا
مَنْ تكتم الجوى
مَنْ وارتِ الألم"
وهذه ال "الأنا" مكرورةٌ في قواميس الأداء الشِّعْرِيِّ المقصود في مداراتٍ مُتواصلة، تترابط في ما بَيْنَهَا مُتشابكةً كبنان اليراع أَوْ بُنيان القصيدة.
أبويَّةٌ فاخرة ... وبِرٌّ كالنعناع
{ لكُلِّ زمانٍ مُستجدَّاته، وزمان اليراع الشبابي في اليمن اكتسب تشكيلاتهُ مِنْ واقعٍ يُشبه تكاثر النعناع الواسع في التُّربة الواحدة، وذلك دُون العبور على "أبويَّة" النصِّ المُتقاسم بَيْنَ إخوة الكلمة، ف "الدوالُّ الكثيرة العالقة في دم (عبدالواحد السامعي)" تتعالق في "فضاءات العروش والخرائب" لدى "عبدالإله الشميري"، ثُمَّ يُواكب هذه الدوالّ والفضاءات "مروان الغفوري"، ليقول في "البلاد أبي" :
وَ... أَنْتِ، خُذيني إلى شجرٍ في بلادِك،
أو قدرٍ عاطلٍ في السَّماء،
فالبلادُ أبي،
وأبي تَفَّ أحلاقهُ في طريقِ أبي!"
زمان الأحلام المهراقة على قوارع النصِّ الموجوع، زمانٌ يُحيط بالعبارات الموتورة بمسافات الاغتراب، وَكَمَا يقول "قاصد الكحلاني" :
"هذا أنا
بَيْنَ بَيْنِيْ وَبَيْنِيْ
بلا وجهة
رتديني المسافات
أعبرُ مِنِّي إليَّ
ولا شيء غير اغترابي"!!
بِرُّ الشُّعراء بأبويَّة الجذور المعهودة : "الغُربة"، "الدوار"، "السُّؤال"، "الأنين"، "الحنين"، وهلُمَّ معنىً.
لعلَّ أشتات القصيدة تناثرتْ في أشلاء الشاعر، فبات على شفا "القُدوة"، لفظاً وطريقةً، وتداعتْ مُستويات التأمُّل في أنساقها "الأبويَّة"، فذكَّرتنا ب "الجينوم" الشِّعْرِيِّ المُتوالد مُنْذُ جيلٍ لا يزال حاضراً بأعمارٍ مُتقاربة، ونستمعُ إلى "تأمُّلات" الشاعر الدكتور "عبدالسلام الكبسي"، التي يقول فيها :
"كُلُّ
شيءٍ
غلبناهُ
إلاَّ المنون
كُلُّ شيءٍ
يسيرُ
إلى الخاتمة
كُلُّ هذا الوُجود القديم
سيُبعث
في مرَّةٍ قادمة"!!
وكأنَّ في القصيدة أنفاساً ترى المُستقبل بعينيِّ شاعرٍ شفَّافٍ، أَوْ أنَّ في مكنوناتها سِرَّاً مُستوحىً مِنْ مدى الانتشار الواسع والسريع لمناهج الشِّعْرِ الحديث في اليمن.
هويَّةٌ مُوحَّدةٌ للقصيدة، وتعدُّدٌ مُتقابلٌ، فُرادىً وأزواجاً، ودالَّةٌ هندسيةٌ تتوازى إلى جانبها دالَّة المعنى، شذر الأشكال ومذر المضامين قَدْ يتلاقى جُزءٌ كبيرٌ جدَّاً مِنْهَا هُنَا.
براويز النصِّ ... سحائب الصُّورة
{ داخل النصِّ الشِّعْرِيِّ سحائب مُتدفِّقة مِنْ مساحات الصُّورة تلتقي وتفترق في رحلةٍ واحدةٍ إلى مصيرٍ واحد، وهدير الماء والشجر والضياء والقمر والفجر والضُّحى والأحلام والأطياف، هديرٌ موفورٌ لا نحتاجُ إلى قُدراتٍ هائلةٍ لاكتشافه، لكنَّنا نحتاجُ إلى قُدراتٍ هائلةٍ لاستشعاره تباعاً مِنْ شاعرٍ إلى آخر، فهذا "أحمد الطرس العرامي" عند مُفترق الأماني :
"حيثُ :
(الأشياء أعنف
مِنْ غُموض حبيبتين)
حيثُ :
(نسيرُ على رُؤوس أصابع
الأحلام
كي لا نُزعج الموتى)"
يلتقيه "يحيى وهَّاس" :
"جسداً كُلَّما اشتكى مِنْهُ عضوٌ
يتداعى جميعهُ بالسُّهادِ"
لأنَّه عانق حُلُماً وتفيَّأ ظلاله :
"يا نديم السُّهاد هل لي بحرفٍ
ينفخ الرُّوح في ضمير الجمادِ؟!
يستشفُّ المدى يُعانق حُلُماً
تعبتْ فيه رحلة السّندبادِ"
وتكتمل التكاملات في "اكتمال" "سوسن العريقي" :
"لا شيء يكتمل ليبقى...
............................
لا شيء يكتمل ليحيا
............................
الشَّوق يتوهَّج لينطفئ
الموجة تكتمل لتتلاشى
الحُلم يتحقَّق ليموت،
وها هي مشاعري تكتمل
فهل أَنْتَ جاهزٌ للفُراق؟!"
وعلى غراراتٍ مُواتيةٍ ومُوازيةٍ يُؤدِّي "عبداللَّه حمود الفقيه" "صلاة الموت" على أنقاض الجُثث في بيروت :
"صلِّي صلاة مُودِّعٍ
للموت
وابتسمي بوجه الطَّائرات
فإنَّ نُور اللَّه في جفنَيْكِ
لَنْ تغتالهُ أيدي القنابل
صلِّي
وقُولي للدَّمار : أنا الحياة"!!
ويُؤدِّي "عبدالحكيم الفقيه" عادة الكتمان بطريقةٍ مُعبَّأةٍ بالجراح :
"هذا أنا
شجرٌ يمنح الظِّلَّ للحاطبين
أنا أمنحُ القاتلين الرَّغيف
الَّذي مِنْ طحين همومي
وأرشدهم صوب قلبي
لكي يتقنوا الطَّلقات"!!
في وقتٍ جمعتْ فيه "نوال الجوبري" أكثر مِنْ حُلمٍ :
"رسمتُ ما يكفي
لخلق شيءٍ ما
............................
هل عليَّ الاعتذار
عَنْ فعلٍ حدث في الحُلم؟!
............................
هكذا أُحبُّ أنْ أظلَّ وحيدةً
قبل أنْ تنفدَ كمِّيَّة الهواء
............................
هذا المعطوب
لَيْسَ أنا بالضرورة
حدث أنْ لامستْ أُمِّي
مواء ليلةٍ باردة
يُزعج قطَّتي"!!
وقدَّم "سيف رسَّام" إلى أُمّه اعتذاراتهُ بشكلٍ آخر :
"اعذريني
لأنَّني لا أُجيد التعامل
مَعَ صنمية التكنوقرصنة
وضمائر الإفلاس المُركَّب
............................
إلى أُمِّي
ذات موَّالٍ بطعم الغُربة
وعذابات الشَّجن الملائكي
............................
إلى أُمِّي
وهي تُعطّرني بجنائز الضَّوء
وموميات الأسى وهدير اليباب
............................
إلى أُمِّي
وهي تستنطق اللَّيل خلف وهمٍ جديدٍ لقدومي"!!
هروبٌ إلى عالمٍ مِنْ دُخان السلوى، أَوْ إلى "اللَّوحة الأُمّ"، كَمَا يقول "مُحمَّد الشلفي" :
"سوف أتنبَّأ بموتي
وأكتب قصيدةً تُدهش الميّتين
............................
تحمَّلتُ حقائبي ومضيتُ
لا أهتمُّ بالنِّساء
............................
تربَّعتُ غسق المدينة...
كانتْ خاليةً تماماً
إنَّها مشروع مدينةٍ قادمة"!!
مداراتٌ مِنْ نصٍّ مفتوحٍ على صُورٍ مُكتنزةٍ في أُطر الأيقونة العامَّة، تلك المُعبَّر عَنْهَا - دائماً - في قوالب الإلقاء السمعي والبصري المُدوَّن في الإصدارات أَوْ الملاحق الثقافية، وعلى نسقٍ بيضاويّ يُشبه مجرَّة الأفلاك المنظومة.
عَوْدَاً على شِعْرٍ
{ نقولُ : إنَّ مدارات النصِّ الحاضر هُنَا هي المدارات المُؤتلفة تداوليَّاً، وبناءً على فلسفة المذهب الذرائعي القصدي، فإنَّها سمةٌ تسير باتّجاه الإيجاب لا السلب، ولعلَّنا نستحضرُ مَعَاً مقالة عدد السابع عشر مِنْ أكتوبر حول الموضوع - والتي أشرنا إليها قَبْلاً - وفيها مُقدِّمةٌ في المفاهيم التداوليَّة مَعَ بعض التطبيقات، وفضلاً عَنْ هذا وذاك فإنَّ هذه التداوليَّة المُتآلفة ذات تكوينةٍ زئبقيةٍ - إذا صحَّ التعبير - فالأمثلة والشواهد التي ذكرناها للتوِّ، والتي ذكرناها في الحلقة الأوَّلية، تُواجَه بسيلٍ عارمٍ مِنْ أمثلةٍ وشواهد مُتناصَّةٍ مَعَهَا ومُتناسجةٍ في تراكيبها بقُوَّة، يقول "مُفرِّح" :
"حين أُحرِّك غُصن القصيدة في شجري
تهطلين رهاماً على شفتي
فأغفو...
............................
وترتقبين على طرف اللَّيلِ...
- خدَّاكِ مُلتحفان بكفّيكِ والأُمنيات براقكِ -
يوماً جديداً ... قصائد أُخرى...
رحيلاً ألذَّ إليَّ وإيَّاكِ مُرتبكين
ومُرتجفين وقوفاً
على طلل اللَّحظات"!!
ويقول "ربيع"، وَقَدْ أمعن في "بروق الكلام" :
"أقمتُ على ضفَّةٍ تستجيبُ للونٍ
تُشكَّل في أُمنيات الحيارى
وشيتُ إلى الشِّعْرِ
حين استبدَّ غُزاة (المقيل) بأوطاننا
وأراق الطُّغاةُ مواويلنا
في طبول الكلام
رأيتُ اخضرار الصباحاتِ
طيَّ الهواجس
والأُمنياتِ تلوكُ ارتجاع الصَّدى
والبيارق في غمرة الموتِ
تُهدي الرِّياح نُعوشاً
وتقبعُ تستف مِنْ عريها
مرتعاً للحداد"
ثُمَّ يقول "القعود" - أخيراً - في "تضاريسه" قبل أيَّامٍ :
"وقتٌ مبلول
بالأرق المجنون
وبالشَّغَب المنحاز
إلى كونٍ يتدفَّق أخيلةً
وذُهول"!!
إنَّهُ وقت المدارات، بنكهة المُحيطات والرمال والهوى والأزل، لذلك أجدني مُضطرَّاً - اضطرار الشُّعراء للضرورات الشِّعْرِيَّة - أنْ أُداهم الوقت القارس مَعَكُمْ، وأستطيل في السُّطور المُتبقِّية قبل الانصراف، فأقول "القوافي تتفَعْلَنُ كأوزان الهُزال
والشَّاعر لا يفتأ يهزج بالحيرة
بحارٌ مسجورةٌ مِنْ فوضى الوقت
تُوشك على الغليان المحموم
كبُركانٍ يُحِبُّ الثَّرثرة...
النصُّ مُعلَّقٌ مِنْ أهداب الرَّصاص
إلى ناصيته الخاطئة...
القوافي تمشي والأزمان تستنكف النّباح...
عَوْداً على شِعْر
قبل أنْ يُطلَّ وقتٌ
نفرُّ فيه مِنْ بقايانا...
وَمِنْ آخِرِ طلعةٍ في يراعاتنا المبحوحةِ
يا صديقي"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.