محافظ البيضاء يتفقد سير العمل بمشروع تركيب منظومة الطاقة الشمسية بمؤسسة المياه    صحيفة عبرية: التطبيع مع السعودية يعتمد على التغيير السياسي بإسرائيل    القواعد الإماراتية في اليمن    هزة أرضية بقوة 4.2 درجة قبالة شواطئ اللاذقية    مواجهة المنتخبات العربية في دور ال16 لكأس إفريقيا 2025    عقول الحمير والتحليلات الإعلامية: سياسي عماني يفضح المزاعم حول المؤامرة الإسرائيلية في الجنوب    الترب:أحداث حضرموت كشفت زيف ما يسمى بالشرعية    السعودية والإمارات سيناريوهات الانفجار الكبير    الجنوب ساحة تصفية حسابات لا وطن    وفاة المهندس هزام الرضامي أثناء قيامه بإصلاح دبابة جنوبية بالخشعة بوادي حضرموت    الحلف يدعم خطوات المجلس الانتقالي ويؤكد على شراكة حقيقية لحفظ الأمن الإقليمي    مباريات ثمن نهائي كأس الأمم الأفريقية    رئيس مجلس القيادة يطالب بموقف دولي موحد تجاه التصعيد الأخير للانتقالي    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمم بإعادة وإيقاف التعامل مع شركات صرافة    الخارجية العمانية تصدر بيانا بشأن الوضع شرق اليمن    مجلس الوزراء السعودي يناقش الوضع في اليمن والصومال ويوجه دعوة للامارات    اتحاد حضرموت يتأهل رسميًا إلى دوري الدرجة الأولى وفتح ذمار يخسر أمام خنفر أبين    الافراج عن دفعة ثانية من السجناء بالحديدة    الدفاع الإماراتية تصدر بيانا بشأن إنهاء تواجدها العسكري في اليمن    ضبط متهمين بقتل شخص وإصابة اثنين قرب قاعة الوشاح    اللقاء الأسبوعي السادس بين الحكومة والقطاع الخاص يؤكد الشراكة في دعم الاقتصاد الوطني    وزارة الاقتصاد والصناعة تحيي ذكرى جمعة رجب بفعالية خطابية وثقافية    خلال 8 أشهر.. تسجيل أكثر من 7300 حالة إصابة بالكوليرا في القاعدة جنوب إب    الأرصاد يحذر من تشكّل الصقيع ويدعو المزارعين لحماية محاصيلهم    توجه حكومي لحماية الصناعة المحلية: تسجيل 100 مشروع جديد وفريق فني لحل إشكالات الضرائب    المعادن النفيسة تسترد عافيتها: الذهب يصعد 1% والفضة تقفز 3%    تأهل 14 منتخبا إلى ثمن نهائي أمم أفريقيا.. ووداع 6    نائب وزير الثقافة يزور الفنان محمد مقبل والمنشد محمد الحلبي    الصحة: العدوان استهدف 542 منشأة صحية وحرم 20 مليون يمني من الرعاية الطبية    الصحفي والأكاديمي القدير الدكتور عبد الملك الدناني    سفر الروح    بيان صادر عن الشبكة المدنية حول التقارير والادعاءات المتعلقة بالأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة    صنعاء.. الحكومة تدرس مشروع برنامج استبدال سيارات المحروقات بالسيارات الكهربائية    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل والخدمة المدنية والتأمينات    فريق السد مأرب يفلت من شبح الهبوط وأهلي تعز يزاحم على صدارة تجمع أبين    النفط يرتفع في التعاملات المبكرة وبرنت يسجل 61.21 دولار للبرميل    لملس يناقش أوضاع المياه والصرف الصحي ويطّلع على سير العمل في المشروع الاستراتيجي لخزان الضخ    أذربيجان تؤكد دعمها لوحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه    لوحات طلابية تجسد فلسطين واليمن في المعرض التشكيلي الرابع    الصين تدعو إلى التمسك بسيادة اليمن ووحدة وسلامة أراضيه    إدارة أمن عدن تكشف حقيقة قضية الفتاة أبرار رضوان وتفند شائعات الاختطاف    صنعاء.. المالية والخدمة المدنية تصدران بيانًا مشتركًا بشأن المرتبات    قراءة تحليلية لنص "من بوحي لهيفاء" ل"أحمد سيف حاشد"    بسبب جنى الأرباح.. هبوط جماعي لأسعار المعادن    تكريم البروفيسور محمد الشرجبي في ختام المؤتمر العالمي الرابع عشر لجراحة التجميل بموسكو    مرض الفشل الكلوي (34)    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    الهوية والوعي في مواجهة الاستكبار    فلسطين الوطن البشارة    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القصيدةُ الشبابية في اليمن.. مدارات النَّص .. حلقة القراءة ما بَعْدَ الأوَّليَّة
نشر في الجمهورية يوم 05 - 02 - 2007

إبراهيم محمد طلحةعندما يتعلَّق الأمر بالحديث عَنِ القصيدة الشبابية في اليمن، فإنَّ مِنْ ضرورات الرُّؤىة الأوَّليَّة التصدِّي للكلام على المدارات المفتوحة للنصِّ المُترابط في وقت الكلام على منظومة تواليفه التداوليَّة..في حلقةٍ سابقةٍ مِنَ الموضوع تناولنا المنظومة الشِّعْرِيَّة تداوليَّاً باستقراءٍ مُوسَّعٍ إذا ما قيس بكونه في صفحةٍ واحدةٍ تفاسَحَ فيها ثلاثةٌ وعشرون شاعراً مِنَ القطع الشبابي المُتجايل، واليوم نستأنف قراءتنا الاتّجاهية في منحى المدارات النصِّيَّة، استكمالاً لنقاشاتٍ
منهجيةٍ نَبَعَتْ بوادِرُها منذ أوَّليات التكوُّن الجيلي الشبابي، وفي ملفَّاته المُتراكمة في رُفوف الذاكرة الجمعية لشرائح المُبدعين الشباب.
نوافذُ النُّصوص الفواتح
{ في بوارق القصيدة الشبابية مُنْذُ "الرازحي" و"القعود"، و"ربيع"، و"هيثم"، و"أبلان"، و"مُفرِّح"، و"سالمين"، و"البُريهي"، و"الحارث"، و"السلامي"، و"المقري"، و"الجند"، وجمهرة الجيلين السبعيني - وامتدادهُ الثمانيني - والتسعيني وَمِنْ بَعْدَهُ جيل الألفية وإلى ما بَعْدَ هذه التجييلات، نلمسُ أنَّ تُخوم النصِّ الإبداعي تطَّرد بطريقةٍ عريضةٍ لَيْسَتْ مُمكنة الاختزال ها هُنَا، وسبق وأنْ ناقشنا مِنْهَا قدراً فسيحاً في مواضع ومواضيع مُتفرِّقةٍ مِنَ الصفحات الأدبية والثقافية، كان آخرها موضوع القراءة الأوَّليَّة التي صدَّرتها الصفحة الثقافية في "الثورة" أواخر رمضان المُنصرم، بعنوان "منظومة التواليف التداوليَّة في القصيدة الشبابية في اليمن"، وتسنَّى لبعض الإخوة الحصول على نُسخةٍ مِنْهَا، وَلَمْ يتسنَّ لآخرين ذلك، حيثُ ومُعظمنا لا يأخذ "الجريدة" إلاَّ إذا نزل لَهُ أَوْ عَنْهُ موضوعٌ أَوْ قصيدة، مَعَ أنَّ الموضوعات المُهمَّة لَيْسَتْ مجالاً للمُساومة، ولا يعني أنَّ "طلحةً"، حينما يكتب في الموضوع الفُلاني، يجب أنْ يتّصل ب "أهل الشأن" جميعاً، ويُقدِّم بَيْنَ يديّ الكتابة إعلانات وقرابين "اعتراف" واحترام وتقدير، لأنَّ الاعتراف لأهل الفضل الإبداعي واجبٌ عينيٌّ، وإنْ لَمْ نُمهِّد لَهُ بسابق مودَّةٍ وتعارُفٍ، وللعلم فإنَّ مُعظم مَنْ أتناولهم غير معروفين بالنسبة لي على المُستوى الشخصي، ومعروفون على مُستوى القراءة، ولا أُحبُّ أنْ أدنو مِنْ سُلطة الخديعة التي تغشُّ كثيراً مِنَ المُبدعين لمُسبِّبات تعود - في غالبها - إلى "المعرفة" الشخصية ودواعي "الإحراج"!!
في سوابق الموضوع أشرنا إلى أنَّ "الأسماء" الواردة فيه لا تعني "الحصرية"، واليوم نقف على زاويةُ غير بعيدةٍ عَنِ المشارف الأُولى، وننظر غير بعيدٍ إلى فواتح النُّصوص مِنْ نوافذ لا مُتناهية، وَلَوْ شئنا الاستشهاد مئوياً بِشِعْرِ الطوائف الشابَّة لتداعتْ الأرقام أمامنا، وسنعبر إلى مقاطع بضعة أسماء، مُشيرين إلى أسماءٍ أُخرى لَمْ يتَّسع الوقت - وَرُبَّمَا الفُرصة - للاطّلاع على تجاربها عَنْ قُربٍ، وللموضوع - ولا شكَّ - بقيَّةٌ إلى حين.
مداراتُ المعاجم الشِّعْرِيَّة
{ حين نُشارف حدود المقاصد الشِّعْرِيَّة، نَشْتَمُّ روائح الطاقة النصِّيَّة في القصيدة الشبابية، مِنْ خلال التلابيب المعجمية المأخوذ بها في مدارات النُّظم الشِّعْرِيِّ الشبابي، ولا يُساورنا أدنى شكٍّ بأنَّ "مقامات" "العودي" - على سبيل المثال - هي مقامات الكلمة الشابَّة الشاعرة في أيِّ فرعٍ آخر داخل ديوانٍ آخر، وهكذا يُمكن توجيه النظرة مقاصدياً على امتدادات الوزن والقافية والتفعيلة والنثر المُتشعرنة جميعاً، وما أحسن ما عبَّر به الشاعر "أحمد السلامي"، إِذْ قال : "أُريدُ أنْ أكتب - فقط - مِنْ زاوية الشُّعور الشخصي بالأشياء"، شُعورٌ استلهمهُ بواسطة الأشياء - أيضاً - "مُحمَّد أحمد الشامي"، فقال :
"أستلهمُ الأشياء، أنخرُ طاقتي
للبحث قُرباناً لأبلغ مقصدي
والمقصد السَّامي بعيدٌ كُلَّما
دانيتُ أبحرهُ تباعد موعدي"
وتناهى إلى ما يُشاكل ذلك "الشامي" الآخر، "صلاح"، في أُهزوجةٍ نسجها "على شفق البُرتقال" :
"ترتدين السَّواد على شفق البُرتقال
تُذيبين آخر أُمنيةٍ
في تُخوم النَّوى
للنِّهايات أحلامها
حين ينسدل الخوف
مُستأنساً للحلول غوايته
ومكانته في الوجيب المُضمَّخ
بالانكسار"
وَكَمَا استقرَّ أديمُ "الشاميَّيْن" "نهاراتٍ مُنخفضةً" ل "سُلطان عزعزي"، واستقرَّتْ "يراعات" "خديجة المغنّج"، رَغْمَ نزيف "اعتراف"، واستقرَّتْ غُربة "السلام"، رَغْمَ "ارتباكٍ" مُستطير، في انفتاحٍ للأنساق باتّجاه الهيجان الخلاَّق، أَوْ في "تأزُّمٍ" للبُؤر الجمالية، على نَحْوِ ما نجدهُ عند "عبدالرقيب الوصابي"، وحشدٍ لطقوس القصيدة، على نَحْوِ ما نجدهُ عند "مروان الغفوري"، و"علي هلال"، و"عبداللَّه الفقيه" وآخرين، هي أزمة الكلام الجميل، كَمَا يقول "مرزاح" أَوْ فاتحة القصيدة، كَمَا تقول "ليلى إلهان"، فَمِنْ "تأزَّم" الأوَّل :
"خُذوا كُلَّ أشيائكم
لا أُريدُ النِّساء
ولا الأولياء
ولَسْتُ أُريدُ غُثاء الصَّبايا
أو قهوة الشِّعْر
أو تُرهات الخليل...
أنا وطني حيثُ تنبتْ لعنانتكم
فرحاً في أساريرنا
حيثُ لا يشتري النَّاس وجهي،
ولا يكسبون الدَّنانير مِنْ سجداتي،
إذا عدَّني في الضَّميرِ
القليل"
وَمِنْ "فاتحة القصيدة" الثانية، في "أضحوكة الزمن" :
"أسيرُ إلى وطنٍ يتَّسع بالأُمنيات
يكسر فضاءاتٍ
مِنَ الصَّمتِ والخديعة"
فكرةٌ فسَّرتها المدارات المُتداولة في غير ما محلَّةٍ مِنْ محالِّ القصيدة اليمنية المُعاصرة، وفي هذا الاتّجاه قالتْ الشاعر "خديجة المغنّج" :
"هذي أنا
مَنْ هزَّها القلم
مَنْ هاجها النَّغم
هذي أنا
مَنْ تكتم الجوى
مَنْ وارتِ الألم"
وهذه ال "الأنا" مكرورةٌ في قواميس الأداء الشِّعْرِيِّ المقصود في مداراتٍ مُتواصلة، تترابط في ما بَيْنَهَا مُتشابكةً كبنان اليراع أَوْ بُنيان القصيدة.
أبويَّةٌ فاخرة ... وبِرٌّ كالنعناع
{ لكُلِّ زمانٍ مُستجدَّاته، وزمان اليراع الشبابي في اليمن اكتسب تشكيلاتهُ مِنْ واقعٍ يُشبه تكاثر النعناع الواسع في التُّربة الواحدة، وذلك دُون العبور على "أبويَّة" النصِّ المُتقاسم بَيْنَ إخوة الكلمة، ف "الدوالُّ الكثيرة العالقة في دم (عبدالواحد السامعي)" تتعالق في "فضاءات العروش والخرائب" لدى "عبدالإله الشميري"، ثُمَّ يُواكب هذه الدوالّ والفضاءات "مروان الغفوري"، ليقول في "البلاد أبي" :
وَ... أَنْتِ، خُذيني إلى شجرٍ في بلادِك،
أو قدرٍ عاطلٍ في السَّماء،
فالبلادُ أبي،
وأبي تَفَّ أحلاقهُ في طريقِ أبي!"
زمان الأحلام المهراقة على قوارع النصِّ الموجوع، زمانٌ يُحيط بالعبارات الموتورة بمسافات الاغتراب، وَكَمَا يقول "قاصد الكحلاني" :
"هذا أنا
بَيْنَ بَيْنِيْ وَبَيْنِيْ
بلا وجهة
رتديني المسافات
أعبرُ مِنِّي إليَّ
ولا شيء غير اغترابي"!!
بِرُّ الشُّعراء بأبويَّة الجذور المعهودة : "الغُربة"، "الدوار"، "السُّؤال"، "الأنين"، "الحنين"، وهلُمَّ معنىً.
لعلَّ أشتات القصيدة تناثرتْ في أشلاء الشاعر، فبات على شفا "القُدوة"، لفظاً وطريقةً، وتداعتْ مُستويات التأمُّل في أنساقها "الأبويَّة"، فذكَّرتنا ب "الجينوم" الشِّعْرِيِّ المُتوالد مُنْذُ جيلٍ لا يزال حاضراً بأعمارٍ مُتقاربة، ونستمعُ إلى "تأمُّلات" الشاعر الدكتور "عبدالسلام الكبسي"، التي يقول فيها :
"كُلُّ
شيءٍ
غلبناهُ
إلاَّ المنون
كُلُّ شيءٍ
يسيرُ
إلى الخاتمة
كُلُّ هذا الوُجود القديم
سيُبعث
في مرَّةٍ قادمة"!!
وكأنَّ في القصيدة أنفاساً ترى المُستقبل بعينيِّ شاعرٍ شفَّافٍ، أَوْ أنَّ في مكنوناتها سِرَّاً مُستوحىً مِنْ مدى الانتشار الواسع والسريع لمناهج الشِّعْرِ الحديث في اليمن.
هويَّةٌ مُوحَّدةٌ للقصيدة، وتعدُّدٌ مُتقابلٌ، فُرادىً وأزواجاً، ودالَّةٌ هندسيةٌ تتوازى إلى جانبها دالَّة المعنى، شذر الأشكال ومذر المضامين قَدْ يتلاقى جُزءٌ كبيرٌ جدَّاً مِنْهَا هُنَا.
براويز النصِّ ... سحائب الصُّورة
{ داخل النصِّ الشِّعْرِيِّ سحائب مُتدفِّقة مِنْ مساحات الصُّورة تلتقي وتفترق في رحلةٍ واحدةٍ إلى مصيرٍ واحد، وهدير الماء والشجر والضياء والقمر والفجر والضُّحى والأحلام والأطياف، هديرٌ موفورٌ لا نحتاجُ إلى قُدراتٍ هائلةٍ لاكتشافه، لكنَّنا نحتاجُ إلى قُدراتٍ هائلةٍ لاستشعاره تباعاً مِنْ شاعرٍ إلى آخر، فهذا "أحمد الطرس العرامي" عند مُفترق الأماني :
"حيثُ :
(الأشياء أعنف
مِنْ غُموض حبيبتين)
حيثُ :
(نسيرُ على رُؤوس أصابع
الأحلام
كي لا نُزعج الموتى)"
يلتقيه "يحيى وهَّاس" :
"جسداً كُلَّما اشتكى مِنْهُ عضوٌ
يتداعى جميعهُ بالسُّهادِ"
لأنَّه عانق حُلُماً وتفيَّأ ظلاله :
"يا نديم السُّهاد هل لي بحرفٍ
ينفخ الرُّوح في ضمير الجمادِ؟!
يستشفُّ المدى يُعانق حُلُماً
تعبتْ فيه رحلة السّندبادِ"
وتكتمل التكاملات في "اكتمال" "سوسن العريقي" :
"لا شيء يكتمل ليبقى...
............................
لا شيء يكتمل ليحيا
............................
الشَّوق يتوهَّج لينطفئ
الموجة تكتمل لتتلاشى
الحُلم يتحقَّق ليموت،
وها هي مشاعري تكتمل
فهل أَنْتَ جاهزٌ للفُراق؟!"
وعلى غراراتٍ مُواتيةٍ ومُوازيةٍ يُؤدِّي "عبداللَّه حمود الفقيه" "صلاة الموت" على أنقاض الجُثث في بيروت :
"صلِّي صلاة مُودِّعٍ
للموت
وابتسمي بوجه الطَّائرات
فإنَّ نُور اللَّه في جفنَيْكِ
لَنْ تغتالهُ أيدي القنابل
صلِّي
وقُولي للدَّمار : أنا الحياة"!!
ويُؤدِّي "عبدالحكيم الفقيه" عادة الكتمان بطريقةٍ مُعبَّأةٍ بالجراح :
"هذا أنا
شجرٌ يمنح الظِّلَّ للحاطبين
أنا أمنحُ القاتلين الرَّغيف
الَّذي مِنْ طحين همومي
وأرشدهم صوب قلبي
لكي يتقنوا الطَّلقات"!!
في وقتٍ جمعتْ فيه "نوال الجوبري" أكثر مِنْ حُلمٍ :
"رسمتُ ما يكفي
لخلق شيءٍ ما
............................
هل عليَّ الاعتذار
عَنْ فعلٍ حدث في الحُلم؟!
............................
هكذا أُحبُّ أنْ أظلَّ وحيدةً
قبل أنْ تنفدَ كمِّيَّة الهواء
............................
هذا المعطوب
لَيْسَ أنا بالضرورة
حدث أنْ لامستْ أُمِّي
مواء ليلةٍ باردة
يُزعج قطَّتي"!!
وقدَّم "سيف رسَّام" إلى أُمّه اعتذاراتهُ بشكلٍ آخر :
"اعذريني
لأنَّني لا أُجيد التعامل
مَعَ صنمية التكنوقرصنة
وضمائر الإفلاس المُركَّب
............................
إلى أُمِّي
ذات موَّالٍ بطعم الغُربة
وعذابات الشَّجن الملائكي
............................
إلى أُمِّي
وهي تُعطّرني بجنائز الضَّوء
وموميات الأسى وهدير اليباب
............................
إلى أُمِّي
وهي تستنطق اللَّيل خلف وهمٍ جديدٍ لقدومي"!!
هروبٌ إلى عالمٍ مِنْ دُخان السلوى، أَوْ إلى "اللَّوحة الأُمّ"، كَمَا يقول "مُحمَّد الشلفي" :
"سوف أتنبَّأ بموتي
وأكتب قصيدةً تُدهش الميّتين
............................
تحمَّلتُ حقائبي ومضيتُ
لا أهتمُّ بالنِّساء
............................
تربَّعتُ غسق المدينة...
كانتْ خاليةً تماماً
إنَّها مشروع مدينةٍ قادمة"!!
مداراتٌ مِنْ نصٍّ مفتوحٍ على صُورٍ مُكتنزةٍ في أُطر الأيقونة العامَّة، تلك المُعبَّر عَنْهَا - دائماً - في قوالب الإلقاء السمعي والبصري المُدوَّن في الإصدارات أَوْ الملاحق الثقافية، وعلى نسقٍ بيضاويّ يُشبه مجرَّة الأفلاك المنظومة.
عَوْدَاً على شِعْرٍ
{ نقولُ : إنَّ مدارات النصِّ الحاضر هُنَا هي المدارات المُؤتلفة تداوليَّاً، وبناءً على فلسفة المذهب الذرائعي القصدي، فإنَّها سمةٌ تسير باتّجاه الإيجاب لا السلب، ولعلَّنا نستحضرُ مَعَاً مقالة عدد السابع عشر مِنْ أكتوبر حول الموضوع - والتي أشرنا إليها قَبْلاً - وفيها مُقدِّمةٌ في المفاهيم التداوليَّة مَعَ بعض التطبيقات، وفضلاً عَنْ هذا وذاك فإنَّ هذه التداوليَّة المُتآلفة ذات تكوينةٍ زئبقيةٍ - إذا صحَّ التعبير - فالأمثلة والشواهد التي ذكرناها للتوِّ، والتي ذكرناها في الحلقة الأوَّلية، تُواجَه بسيلٍ عارمٍ مِنْ أمثلةٍ وشواهد مُتناصَّةٍ مَعَهَا ومُتناسجةٍ في تراكيبها بقُوَّة، يقول "مُفرِّح" :
"حين أُحرِّك غُصن القصيدة في شجري
تهطلين رهاماً على شفتي
فأغفو...
............................
وترتقبين على طرف اللَّيلِ...
- خدَّاكِ مُلتحفان بكفّيكِ والأُمنيات براقكِ -
يوماً جديداً ... قصائد أُخرى...
رحيلاً ألذَّ إليَّ وإيَّاكِ مُرتبكين
ومُرتجفين وقوفاً
على طلل اللَّحظات"!!
ويقول "ربيع"، وَقَدْ أمعن في "بروق الكلام" :
"أقمتُ على ضفَّةٍ تستجيبُ للونٍ
تُشكَّل في أُمنيات الحيارى
وشيتُ إلى الشِّعْرِ
حين استبدَّ غُزاة (المقيل) بأوطاننا
وأراق الطُّغاةُ مواويلنا
في طبول الكلام
رأيتُ اخضرار الصباحاتِ
طيَّ الهواجس
والأُمنياتِ تلوكُ ارتجاع الصَّدى
والبيارق في غمرة الموتِ
تُهدي الرِّياح نُعوشاً
وتقبعُ تستف مِنْ عريها
مرتعاً للحداد"
ثُمَّ يقول "القعود" - أخيراً - في "تضاريسه" قبل أيَّامٍ :
"وقتٌ مبلول
بالأرق المجنون
وبالشَّغَب المنحاز
إلى كونٍ يتدفَّق أخيلةً
وذُهول"!!
إنَّهُ وقت المدارات، بنكهة المُحيطات والرمال والهوى والأزل، لذلك أجدني مُضطرَّاً - اضطرار الشُّعراء للضرورات الشِّعْرِيَّة - أنْ أُداهم الوقت القارس مَعَكُمْ، وأستطيل في السُّطور المُتبقِّية قبل الانصراف، فأقول "القوافي تتفَعْلَنُ كأوزان الهُزال
والشَّاعر لا يفتأ يهزج بالحيرة
بحارٌ مسجورةٌ مِنْ فوضى الوقت
تُوشك على الغليان المحموم
كبُركانٍ يُحِبُّ الثَّرثرة...
النصُّ مُعلَّقٌ مِنْ أهداب الرَّصاص
إلى ناصيته الخاطئة...
القوافي تمشي والأزمان تستنكف النّباح...
عَوْداً على شِعْر
قبل أنْ يُطلَّ وقتٌ
نفرُّ فيه مِنْ بقايانا...
وَمِنْ آخِرِ طلعةٍ في يراعاتنا المبحوحةِ
يا صديقي"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.