من الممتع حقاً ان ننعم بنوم عميق، فالنوم حاجة بيولوجية أساسية، وهو يشكل ثلثي حياتنا اليومية وهذا ليس وقتاً ضائعاً. فالمولود الجديد ينام حوالى 20 ساعة فى اليوم والبالغون حوالى 8 ساعات كمعدل طبيعى لتوازن الجسم وحيويته. لكن بعضهم، كالشباب، نادراً ما يحظى بهذا المعدل بانتظام". هذا ما خلصت اليه دراسة فرنسية أعدت أخيراً، ويسأل الدكتور جان بيار دانيلا أحد واضعى الدراسة "كم من الشباب يعانون من الأرق ويمضون قسماً من لياليهم يتقلبون من جنب الى جنب؟"، مشيراً الى ان الأرق "بات ظاهرة مرضية تتحكم فى الحياة المعاصرة ويصيب حوالى ثلث سكان العالم بينهم حوالى 10 فى المائة من الشباب الذين يصابون بنوبات ارق موسمية قوية". وأجريت ضمن الدراسة اختبارات عدة شملت شريحة من الشباب من الجنسين "1500 شخص" تراوحت أعمارهم بين 18 و25 سنة، تضمنت طلاباً وعمالاً وموظفين وعاطلين عن العمل لتحديد البواعث الحقيقية للأرق ونتائجه على سلوكهم النفسى والاجتماعى والاقتصادي. إجهاد وخوف لاحظت الدراسة ان الأرق الموسمى أو ما يسمى "القصير الأجل" أى أقل من ثلاثة أسابيع، يمكن ان يكون ناجماً عن حالات متعددة تختلف بين شاب وآخر. فمنهم من يعانى من حالة "السترس" نتيجة الإجهاد فى العمل وضآلة فرص الراحة أو الخوف على استمراره فى الوظيفة خشية استغناء القائمين عليها عن خدماته، أو اليأس والإحباط من البطالة التى تطال عدداً وافراً من الشباب، أو الاكتئاب الناجم عن أزمات عاطفية كانفصال شريكين أو توتر فى الحياة الزوجية أو الحزن الشديد على وفاة صديق أو قريب أو أحد أفراد العائلة. إضافة الى القلق الذى يصيب غالبية الطلاب قبيل أو أثناء إجراء الامتحانات النهائية وتناولهم كميات من الحبوب المهدئة للأعصاب أو الإكثار من المنبهات الأخرى كالشاي والقهوة والكحول، أو من خيبات الأمل المعقودة على وعود مفرطة فى التفاؤل. وخلافاً لهذه الحالات النفسية المضطربة، قد يكون الأرق ناجماً أيضاً عن كثرة الضجيج كالسكن فى محاذاة الشوارع العامة والطرق السريعة، أو عن ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، أو عن نوعية أغطية النوم، أو الجلوس مطولاً أمام شاشات التلفزيون والكومبيوتر. كما أظهرت مختبرات البحث حول قضايا النوم أن ثلث أو نصف الأشخاص الذين يعانون من الأرق غير مصابين به، فقد ثبت من المراقبة والبحث أن كثيراً من الأشخاص الذين يأتون إلى المستشفى طالبين علاجاً ضد الأرق يستسلمون للنوم بسرعة، ويقضون ليلة هادئة، ولكنهم عندما يستيقظون فى الصباح يعودون إلى الشكوى من أنهم قد قضوا ليلة مؤرقة أخرى. ولا يدرى أحد سبب ظن أولئك الأشخاص بأن نومهم سيئاً فى حين أنهم لا يعانون شيئاً من ذلك، ولكن الشيء الواضح هو أن الأطباء لا يستطيعون أن يركنوا إلى أوصاف الأشخاص أنفسهم للأرق الذى يصيبهم، إذ إن الكثيرين منا لا يعرفون كيف ننام. صدمة طبية! يعترف أطباء علم النفس والصحة ممن شاركوا فى الدراسة بخيبة أملهم حين وجدوا أنفسهم أمام "صدمة طبية" فعلية إذ لم يتوصلوا الى نتائج علمية حاسمة تقضى بتنظيم القواعد الصحية للنوم والتغلب على مشكلة الأرق. وجل ما ينصحون به لا يتجاوز نطاق بعض الإرشادات كالخلود الى الراحة بعد التعب وتجنب المنبهات ما أمكن والامتناع كلياً عن تناول العقاقير المهدئة مخافة ان "يؤدى الإدمان الى تفاقم الأرق وتحوله الى حالة شبه دائمة". ويقول الدكتور ايفان تويتو رئيس الأكاديمية الوطنية فى فرنسا إن الوصفات الطبية التى تعطى كعلاج للأرق ليست سوى "عكاز" يمكن أن يهدئ للحظات قليلة أو مجرد "قناع" لا يخفى العوارض الناجمة عنه. وأقصى ما يمكن أن يلفت إليه الأطباء هو أن يلجأ المصاب بالأرق الى إجراء فحص طبى بسيط بواسطة جهاز خاصّ يسمح بتحليل حالة ما بين اليقظة والنوم ويسجّل نوعية الأرق وكميته. ويعتبر هذا الجهاز الوسيلة الوحيدة لقياس ما إذا كان الأرق دائماً أو مؤقتاً أو موسمياً، بمعنى إذا لم ينم الشخص خلال 15 أو 20 دقيقة فهذا يعنى ان النوم الليلى مضطرب وترافقه موجات من الأرق من حين الى آخر. تداعيات خطيرة أما عن التداعيات الناجمة عن الأرق، فيشير الأطباء الى نتائج عديدة منها الإصابة بالهذيان وتشوّش الأفكار والنسيان وعدم التركيز أثناء العمل وفقدان التوازن أثناء المشي والوقوع المفاجئ على الأرض والشرود أثناء السير والتعرض الى حوادث خطيرة قد تكون مميتة أحياناً. لذلك ينصح الأطباء بمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة بوضع نظام متوازن وبرنامج منتظم للحياة اليومية حتى يتم تجنب الروتين المسبّب للأرق. والعلاج الصحيح للأرق يعتمد على فهم ذلك المزيج من الأسباب التى تسهم فى الأرق، والتى يختص بها كل شخص، بدءاً من الاتجاهات البيولوجية وانتهاءً بالعوامل الطبية والعاطفية والعادات السيئة.