- د. عمر عبد العزيز .. من الخصائص المميزة لليمن التاريخي أن المذهبية فيه لم تكن تميل إلى الغلو والتطرف بحال من الأحوال، ولهذا السبب بالذات كانت اليمن ملاذاً للفرق الإسلامية الهاربة من جور وظلم المراكز السياسية في الدولة الإسلامية، فقد وجدت الزيدية والإباضية والإسماعيلية بيئة سلم وسلام، وازدهرت في الأرض اليمانية دونما قيود أو مشاكل. انطلقت الزيدية التاريخية من فكر المعتزلة الذين شكلوا رافداً كبيراً من روافد " علم الكلام والآراء " وقالوا بأهمية العقل ومركزية الإنسان في أفق التفسير والتأويل، وذهبوا إلى اعتماد التجويز الميتافيزيقي لجملة من قضايا الخلاف حول الغيبيات كإشكالية القديم والمحدث، وطبيعة الظواهر الغائبة عن الوجود المرئي، وغيرها من المواضيع التي كانت أساساً في الجدل الكلامي العربي الإسلامي. وبالمقابل كانت السنة الأشعرية قريبة من تلك النظرات مع ترجيح النقل على العقل والأخذ بظاهر النص، والقول بطاعة ولي الأمر، لكن الغلو لم يكن أصلا أصيلاً في المستويين، ولهذا السبب جاء اجتهاد الإمام " الشوكاني" الذي أسهم والى حد كبير في تقريب الزيدية من السنة، حتى قال عنه البعض بأنه أدخل الزيدية في بحر السنة، ومنذ ذلك الحين كان الصراع في اليمن صراعاً سياسياً بامتياز، فالسنة والزيدية لا يختلفون في الأصول ، ولا نجد في اليمن جدراناً سميكة تفصل بين المستويين بل العكس تماماً. وإذا تتبعنا تاريخ الحركات الإصلاحية والسياسة اليمنية سنجد أن مراتبها التنظيمة وافرادها الفاعلين وبرامجها كانت تشمل كل اليمن حتى في ظل النظامين الشطرويين ، ولم يكن أحداً يفكر او يعرف الانتماءات المذهبية للافراد، ولم تكن تلك الحركات تأخذ طابعاً مناطقياً على وجه الاطلاق ولقد كان بيان التاريخ ناصعاً في هذا الأفق، فالحاكمية الإمامية في شمال اليمن واجهت أكبر مقاومة من داخل المذهب، والقوى الحديثة التي تاقت للعصرنة والتحرير شملت عموم الساحة اليمنية ومثّلت الذاكرة الجمعية للرائين الناظرين إلى المستقبل . [email protected]