بعد رحلة كفاح مريرة لا تخلو من الألم، تمكنت الحاجة آمنة العمراني في مجتمع ذكوري النزعة مطبوع بثقافة القبيلة، أن تزاحم الرجال وتتوج ملكة للبرتقال لتصبح واحدة من أشهر الشخصيات النسوية اليمنية في الوقت الراهن.وتشير الحاجة آمنة إلى أنه رغم ما عانته من حرمان وقهر وحاجة ومعاناة متعددة الأوجه والألوان، وتقاليد عمياء تفرض على المرأة الصمت والانكفاء خلف الأستار، إلا أنها بالصبر والمثابرة والإيمان وبالروح الوثابة وإرادة التحدي استطاعت خلال ثلاثين عاماً أن تحقق نجاحاً ملموساً، وتصنع لنفسها اسماً ذائع الصيت لتصبح ضمن أقوى 50 سيدة أعمال عربية.ملكة البرتقال التي احتلت المرتبة ال34 من بين سيدات الأعمال العربيات وفقاً لآخر تصنيف عربي، توسعت تجارتها في الفترة الأخيرة لتتجاوز الكثير من رجال الأعمال اليمنيين في مجال تجارة الفواكه في اليمن تقول الحاجة آمنة في حديث لوكالة الأنباء اليمنية/سبأ/: إن خيبة زوجها في التجارة دفعها للخروج إلى السوق كبائعة متجولة تتقدمها مباركة الزوج، وتلاحقها لعنات الاخوة والأهل وممانعتهم لها، لكنها تحملت قسوة الرفض وضرر الأذى.وتؤكد أن أحلامها الصغيرة لم تنشأ لتوأد، وخطواتها الأولى لتمهد، وتقول: من سوق المحناط وسط مدينة عمران العتيقة، قصدت الأرياف المحيطة بالمدينة أبيع على النساء الأقمشة وقلائد المرجان.وامتد نشاط ملكة البرتقال إلى القرى المجاورة لمدينة صنعاء تبيع بالنقد والآجل، وتواصل رحلتها سيراً على الأقدام. - بداية التحول وتحكي الحاجة آمنة أنها ذات مرة عادت إلى قرية سناع جنوب غرب صنعاء لتتقاضى دينها عند نساء القرية، لكنها وجدت من تستميلها أو تعرض عليها أخذ ثمار البرقوق عوضاً عن المال، كانت لحظة حاسمة أن تغامر بقبول الصفقة وتختار طريقاً لم تألفه.لم تتردد بائعة المرجان كثيراً، قبلت التحدي وانطلقت بأول شحنة لها من ثمار البرقوق إلى مدينة تعز فكانت الصفقة المثيرة التي غيرت مسار حياتها، حيث اكتشفت أن تجارة الفواكه تدر أرباحاً طائلة في وقت قصير وجهد أقل، كررت التجربة بشحنة ثانية إلى مدينة ذمار، فحصدت النتائج ذاتها، وقتئذٍ قررت الاستمرار في تجارة الفواكه متنقلة من مدينة إلى أخرى، وتحولت من بائعة مرجان وأقمشة إلى بائعة فواكه وتوسعت في أنشطة تجارة الفواكه فأصبحت تفاوض في المزارع، تشتري من المزارعين وتبيع إلى تجار التجزئة.أظهرت آمنة العمراني نبوغاً في فهم مناخ السوق وأساليب المنافسة، رغم أنها لم تنل حظاً من التعليم إلا أنها سرعان ما أزاحت كبار المنافسين من الرجال وأسست سوقاً خاصاً بها لبيع الفواكه بالجملة، متسيدة تجارة البرتقال حتى غدت تعرف بملكة البرتقال.ومع ذلك تقول آمنة صالح يحيى العتمي (60 عاماً) إنها تفضل اسمها "آمنة العمراني"، بدلاً عن لقب "ملكة البرتقال" الذي أطلقته عليها وسائل الإعلام المحلية، كونه الاسم الذي رافقها منذ بدايتها الأولى بائعة للمرجان.ورغم ثرائها لا تزال الحاجة آمنة العمراني ببساطة امرأة الريف اليمني، تحرص على متابعة أعمالها خطوة خطوة، تتنقل بين مزارع البرتقال من منطقة إلى أخرى بسيارتها الحديثة، تفحص جودة الثمار وتشرف على عمليات القطف والتعبئة والنقل، ولا تزال تخرج باكرة من بيتها تتجه إلى السوق وتمارس البيع والشراء. - كسر الحاجز الزجاج وتكلف الزوج المتعثر في تجارته برعاية البنات السبع، لتخرج الحاجة آمنة إلى السوق تمارس حظها في التجارة، وبعد مرور الزمن استطاعت الحاجة آمنة أن تكسر الحاجز الزجاجي القبلي، وتغير قناعة أهلها الذين قاطعوها بسبب خروجها إلى السوق المكتض بالرجال، وحظيت بمباركة اخوانها الذين قالوا إنهم يشعرون بالفخر والاعتزاز لما يسمعون عنها من كلام طيب، ويقفون اليوم إلى جوارها لمساعدتها، ويشكلون الدرع الحامي لها متنقلين معها من محافظة إلى أخرى ومن سوق لآخر لتوزيع بضاعتها. - من بائعة إلى مصدرة وتحظى ملكة البرتقال بالإعجاب والتقدير في الداخل والخارج، حيث كرمها فخامة الأخ الرئيس/علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية عند افتتاحه سوق ذهبان المركزي لبيع الخضار والفاكهة بأمانة العاصمة، وأثنى على جهودها وإسهامها في تسويق وتوزيع المنتجات الزراعية في الأسواق اليمنية.. كما كرمها مؤخراً مجلس الوزراء العرب بالقاهرة لاهتمامها بزراعة وبيع وتصدير البرتقال.وقد تحولت الحاجة آمنة من بائعة صغيرة في سوق الملح إلى تاجرة كبيرة في المركز التصديري الأول في اليمن بمنطقة ذهبان مع رحلة متاعب عاشتها بعزيمة لتتجاوز مشاكل ومعوقات عديدة واستطاعت أن توصل نشاطها التجاري إلى بعض البلدان العربية. تقول الحاجة آمنة: جبت العديد من الدول مصر، السودان ، اسبانيا، الأردن، لبنان، والسعودية بدعوات من بعض الاتحادات الزراعية، واطلعت خلالها على المزارع والأسواق التجارية في هذه الدول، ووجدت أن منتجاتها من الخضروات والفواكه جيدة ويمكن أن تنافس بقوة.ورغم أن التشريعات القانونية اليمنية المنظمة لسوق العمل لا تمانع ولا يوجد فيها ما يحول دون مشاركة المرأة اليمنية في سوق العمل إلا أن النظرة التقليدية الغالبة لدى المجتمع اليمني للمرأة لا تقبل أن يكون للمرأة مشاركة فعالة في هذا المجال، حيث تشير دراسة علمية حديثة عن تجربة سيدات الأعمال في اليمن إلى أن سيدات الأعمال يواجهن مشكلة غياب برامج تدريب وتأهيل كافيين للمرأة لإدارة شؤونها التجارية، إضافة إلى افتقارهن لرؤوس الأموال اللازمة لتطوير مشاريعهن التجارية وضعف التمويل والتسهيلات والقروض البنكية وعدم الثقة في المشاريع النسائية بشكل عام.. وتعتبر الدراسة التي أجراها الاتحاد العام للغرف التجارية افتتاح مكتب سيدات الأعمال اليمنيات مطلع العام الماضي 2005م بالغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة، بداية لمشاركة حقيقية للمرأة اليمنية في سوق العمل، وإعلاناً لشركاء التنمية في الداخل والخارج أن سيدات الأعمال اليمنيات قادمات.تقول الحاجة آمنة: إنها منذ العام 1995 م بدأت عملية التصدير إلى كل من السعودية ودبي ومؤخراً قامت بتصدير 350 طناً من البرتقال إلى مصر، وهي تملك اليوم عدداً من الشاحنات المخصصة لنقل الخضار والفاكهة إلى الأسواق كما أنها تبيع للشركات الأجنبية والمؤسسات المحلية ما تحتاج من خضار وفاكهة، ولم تقتصر شهرتها على مستوى اليمن فحسب بل أصبحت من خلال لقبها (ملكة البرتقال) معروفة في عدد من دول الخليج المجاورة.. وتحت مظلة سوق كبير شمال العاصمة صنعاء ووسط زحمة المشترين وضجيجهم والعاملين التابعين لها والمتفرجين، تدير الحاجة آمنة عملها في تجارة الفواكه وبين عامليها المنهمكين في أعمال البيع والتوزيع للمحافظات اليمنية.وتراها سيدة متواضعة لا يخيل إليك أنها الامرأة التي كرمت وتوجت ملكة للبرتقال، وباتت رقماً مهماً في عالم المال والاعمال.وتظل الحاجة آمنة التي نذرت حياتها لتأمين مستقبل بناتها السبع تحرص على تعليمهن إلا أن قصة نجاحها ما زالت مشرقة بصورة أخرى يستلهم منها قيمة الإرادة والتصميم على تخطي حواجز التقاليد الاجتماعية السائدة، وإثبات جدارة المرأة في مزاولة أعمال احتكرها الرجال منذ أمد بعيد.