دخلت سوق الفواكه من بوابة البيع بالكيلو وأضحت قاهرة تجار الجملة، تبيع بالأطنان، وصاحبة أبرز المؤسسات التجارية في صنعاء لتسويق وتصدير الفواكه اليمنية للخارج.. الحجة آمنة العمراني، أو (ملكة البرتقال) كما يطلق عليها رواد سوق الفواكه اليمني، انطلقت شهرتها من سيطرتها على سوق البرتقال، لاحتكارها تسويق هذا المحصول في أسواق الجملة.. الواقع الحالي يعطي مؤشراً أنها لم تعد محصورة في تسويق محصول البرتقال، بل تجاوزت ذلك لتصبح اليوم (الرقم واحد) في سوق الفواكه، تتحدث بالملايين وتبيع بعشرات الأطنان وتسيطر على سوق الفواكه في صنعاء برمته، كما تملك مؤسسة تجارية لتسويق الفواكه خارجياً عبر التصدير. آمنة العمراني، 55 عاماً، سيدة أعمال يمنية أُمّية، بدأت حياتها التجارية من الصفر ببيع الفواكه بالتجزئة بواسطة وعاء عريض، تدرجت في العمل التجاري، طوّرت قدراتها وامكاناتها، اكتسبت خبرة طويلة في مجال تجارة الفواكه، لتصبح مع الزمن رائدة سيدات الأعمال اليمنيات اللواتي بنين حياتهن التجارية لبنة بعد أخرى. تقول العمراني لموقع «مأرب برس» : إنها تبيع في الأسواق اليمنية من الفواكه بين 100 إلى 150 طناً في اليوم، وتبيع في الأسواق الخارجية قرابة هذه الكمّية وفي بعض المواسم تتجاوزها، حيث تصدّر الفواكه اليمنية إلى دول مجلس التعاون الخليجي وبالذات السعودية، بالإضافة إلى الأردن وسورية ومصر. يعمل لديها حالياً نحو 35 موظفاً بشكل دائم، ويرتفع هذا العدد إلى أكثر من 150 عاملاً بشكل تعاقدي عند الاحتياج، وتملك أسطولاً من الشاحنات لتسويق الفواكه اليمنية داخلياً. تخصصت بتسويق الفواكه فقط، ولديها سوق صغير خاص بها في صنعاء، في حين تمارس عملية البيع والشراء في سوق الجملة المركزي للفواكه بصنعاء، حيث تشتري محصول البرتقال من المزارعين مباشرة وتبيعه في سوقها أو في السوق المركزي، في حين تلعب دور الوسيط بين البائعين والمشترين في صفقات البيع بالجملة لمحصول الفواكه الأخرى في سوق الجملة، مقابل نسبة محددة من العمولة. وذكرت أنها تملك شبكة علاقات تجارية واسعة مع الكثير من المزارعين اليمنيين وكذا مع تجار الفواكه في الوطن العربي، ولديها حضور فاعل في أسواق الفواكه اليمنية وتأثير قوي على حركة التسويق الزراعي فيها. تبدأ عملها من شروق الشمس صباح كل يوم، وتغادر السوق في أوقات متأخرة من الليل، ولا تعرف عطل نهاية الأسبوع، ولا تأخذ راحة من العمل إلاّ في اليوم الأول من الأعياد الرئيسة فقط، كعيد الفطر وعيد الأضحى. يطلق رواد سوق الفواكه على الحجة آمنة العمراني لقب (ملكة البرتقال)، بينما تذهب هي لما هو أبعد من ذلك، لتعتبر نفسها (سيدة الفواكه) وقاهرة المنافسين لها من التجار الرجال، لانتصارها عليهم في أسواق الجملة في كافة محاصيل الفواكه اليمنية، على المستوى المحلي والخارجي أيضاً، وأسمت مؤسستها التجارية لتسويق الفواكه اليمنية التي أنشأتها نهاية الثمانينات بمؤسسة (النصر) لانتصارها حسب تعبيرها على منافسيها من التجار الرجال. الغريب في وضعها أن أمّيتها وعدم قدرتها على الكتابة والقراءة لم تمنعها من متابعة كافة حساباتها بنفسها، حيث قالت إنها تختزل كل الحسابات المالية للوارد والصادر في ذاكرتها القوية، وتعرف كل صغيرة وكبيرة من الدخل اليومي لمؤسستها التجارية ولنشاطها التجاري الدائم، لدرجة أن أياً من موظفيها لا يستطيع مغالطتها في الحسابات، لأنها تعرف حجم حركة الدخل اليومي بشكل دقيق من خلال متابعتها حجم النشاط التجاري المحلي والخارجي. وترفض الاستعانة أو توظيف أحد من أسرتها أو من أقاربها في مؤسستها التجارية ولو على الأقل في مجال الحسابات أو في مجال الرقابة على حركة البيع والشراء، لاعتقادها أن الأهل والأقارب لا يخلصون في عملهم كالآخرين، كما أنها لن تستطيع محاسبتهم بشدة ومعاقبتهم على ذلك عند أي تقصير قد يبدر منهم، كما تفعل مع الآخرين. متزوجة من رجل متوسط الحال، لديها سبع بنات، تتراوح أعمارهن بين 13 و25 سنة، تزوجت اثنتان منهن.. وحرصت على الاستثمار في تعليم بناتها التعليم الجيد، فدرّستهن في مدارس خاصة، وزادها حرصاً في ذلك عدم وجود أبناء ذكور لديها، وتطمح إلى الاستفادة العملية من تعليمهن في المستقبل، غير أنها لا ترغب في الوقت الحالي بإقحامهن في سوق العمل الذي تعمل فيه، لشعورها بعدم مواءمة هذا السوق لعمل فتيات في مثل أعمارهن. سافرت لحضور فعاليات زراعية رسمية إلى كل من: الصين وألمانيا ومصر والأردن وسورية وغيرها وحصلت على شهادات تقديرية من جامعة الدول العربية ومن العديد من الجهات الحكومية ذات الصلة بالزراعة في اليمن لجهودها الذاتية في هذا المجال واسهامها في إنجاح عملية التسويق الزراعي. تعلّق في جدران ديوان منزلها (غرفة الاستقبال) العديد من صورها التذكارية مع الرئيس/علي عبد الله صالح، ومع العديد من الشخصيات البارزة وكذا صورها في العديد من الفعاليات والمؤتمرات الزراعية المحلية والخارجية. واجهت آمنة العمراني وفقاً لتأكيداتها معارضة شديدة من أسرتها عند بداية ممارستها نشاطها التجاري، حيث قاطعها إخوانها لعدة سنوات، احتجاجاً على ممارستها للتجارة؛ لأنها في اعتقادهم امرأة من مجتمع مغلق ومحافظ، كما أن الوسط التجاري الذي تعمل فيه حاول مضايقتها، حيث إن العاملين في سوق الفواكه من أدنى فئات المجتمع ثقافة واستيعاباً لعمل المرأة، يضاف إلى أن المجتمع بشكل عام كان عديم القبول لعمل المرأة، وخاصة في هذا المجال الشاق، إلا أنها لم تبال بذلك كله وواصلت المشوار بعزمها المستمر، خاصة أنها لقيت تشجيعاً من زوجها، ومساعدة عملية منه عند بداية ممارستها للنشاط التجاري. جابهت الكثير والكثير من هذه العوائق المجتمعية، في ذات الوقت الذي تمكنت فيه من التغلب على العقبات السوقية في مسيرة حياتها التجارية، وتجاوزتها مصرةً على تحقيق أحلامها الطموحة، وبقوة إيمانها بشرف المهنة وبأن العمل عبادة للمرأة كما هو للرجل. وحاول العديد من رجال الأعمال اليمنيين منافستها في تجارة وتسويق الفواكه غير أنهم لم يتمكنوا من ذلك، واستسلموا أمام خبرتها وقدراتها الكبيرة في هذا المجال، ومع ذلك لم تلغهم بالكامل، حيث يوجد بعض التجار العاملين في هذا المجال، ولكن وضعهم التجاري يأتي في المراتب التالية لمستواها في السوق. الشيخ/حميد عبد الله الأحمر، رجل الأعمال البارز، ذكر أنه حاول دخول سوق الفواكه في مستهل تجربته التجارية مطلع التسعينيات غير أنه أخفق في ذلك، إثر فشله في تسويق محصول البرتقال داخل وخارج اليمن رغم علاقاته التجارية الواسعة. وذكر أن الحجة آمنة العمراني هي التي أنقذته من الخسارة المحققة في هذه الصفقة، التي وافقت على شراء محصول البرتقال منه بسعر التكلفة، والذي كان قد استبقها في شرائه من المزارعين مباشرة وَجَدَ أمامه أبواب أسواق الفواكه اليمنية مغلقة وموصدة بإحكام ومفاتيح ذلك بيدها، حيث لم يعرف التعامل مع هذه الأسواق ولا يجيد لغتها، في حين كانت هي تختزل الخبرة والمعرفة لذلك. علي الخولاني، أحد المزارعين المتعاملين مع الحجة آمنة منذ وقت طويل، قال أعرفها وأتعامل معها منذ أن كانت تبيع الفواكه بالتجرئة في إناء، ونتيجة لنشاطاتها المستمرة وتوسع تجارتها الدائم أصبحت ملكة السوق، في حين لانزال نحن في نفس مستوانا لا نبارح المكان الذي كنا فيه منذ أن بدأت نشاطها التجاري. عارف الحيمي، أحد تجار التجزئة، قال إنه يتعامل مع الحجة آمنة العمراني منذ سنوات طويلة ووجد أن تعامله معها أفضل من تعامله مع تجار الجملة الرجال، لأن تعاملها التجاري واضح وصريح ولا يتضمن التحايل والخداع الذي نلمسه أحياناً من تجار الجملة الآخرين. ورغم أميّتها وقلة ثقافتها؛ إلا أنها ترفض استثمار فائض أموالها في (زراعة) الفواكه، لإدراكها أن عائدات الزراعة محدودة، كما أن مخاطرها التجارية أكبر، مقارنة بعملية التسويق، حيث يتعرض المزارع أحياناً لخسارة محصول عام كامل إذا تعرض محصوله من الفاكهة لأي عرَض مرضي أو لأي وباء موسمي، حسب قولها. (التعليم) في نظر العمراني هو (العمل)، والحياة مدرسة كبيرة تعلّم من يعمل فيها بجد وإخلاص، والتعليم قد يشكل إضافة جيدة لتنوير الشخص، لكن يظل العمل هو الركيزة الرئيسة لتحقيق النجاح، فكم من متعلّم لم تنفعه شهاداته شيئاً في سوق العمل.