تتحرشون بي أيها الناس! توقظونني من سبات الزمن... هل كنت أنا القصيدة التي تثيركم؟ أنا ابن الوحشة.. والفلوات ابن القمم الوعرة، والكهوف التي لاتبلغها الأقدام، أنا الذئب، الجميل الخلقة، الرشيق التكوين تتحرشون بي منذ زمن بعيدٍ... تستلهمونني.. فألهمكم مايغري ويمتع ماكنت إلا ينبوعاً من الينابيع التي تبحثون عنها، وترطبون بها حياتكم الينابيع التي تسمونها: الفن يهرب شاعر متمرد من أهله شاعر من الصعاليك.. أحبُّ هذه الكلمة «الصعاليك».. إنها تشبهني كثيراً.. يهربُ من ناسهِ جميعاً ليجد بي أنا الذئب الأملس العملس أهله وناسه آه.. كم كنتُ أحبُّ هذا الشاعر الصعلوك، وآنس به.. ويأنس بي! لطالما قاسمني زاده وماءه كان إنساناً رائعاً.. يأبى مثلي أن يذله أحد، أو يتطاول على إنسانيته أحد وقبل كل شيء.. كان شاعراً.. يُوجز الدنيا في بيت... ويرى في القصيدة المحكمة الجمال.. أعلى ذروةٍ يحلم بها البشر كم كنت أحبُّ صديقي هذا.. وكم كان لي مثلَه أصدقاء! *** أبعدوا عني نبال الصيادين وبنادقهم أبعدوا عني الأذى.. واتركوني لأصدقائي من مثل الشنفرى والفرزدق، الفرزدق.. الذي جئته ذات ليلةٍ، وقد كاد الجوع يفتك بي «فبات يقد الزاد بيني وبينه على ضوء نارٍ مرة ودخانِ» لقد حفر هذا الشاعر اسمه في أعماق ذاكرتي وحفر لقاءنا على أوراق الزمن.. في قصيدة جميلة.. ولو ظلمني فيها بعض الشيء، حين وسمني بالغدر حفظتُ القصيدةَ.. وذهبتُ بها إلى حبيبتي الذئبة، في أعماق الفلاة.. ومكثت أرددها على مسامعها حتى حفظتها هي أيضاً.. وتمنتْ لو كانت معي في ذلك اللقاء *** دعوني أبحثُ عن نفسي عند أمثالِ هؤلاء، وابعدوا عني نبال الصيادين وبنادقهم وعندما تحشرونني أنا والموت في زاوية.. فلن أموت إلاَّ واقفاً..