طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    الخارجية الأمريكية: قواتنا ستواصل عملياتها في اليمن حتى يتوقفوا عن مهاجمة السفن    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    التكتل الوطني: القصف الإسرائيلي على اليمن انتهاك للسيادة والحوثي شريك في الخراب    الجيش الباكستاني يعلن تعرض البلاد لهجوم هندي بعدة صواريخ ويتعهد بالرد    أكثر من 80 شهيداً وجريحاً جراء العدوان على صنعاء وعمران والحديدة    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    اليمنية تعلق رحلاتها من وإلى مطار صنعاء والمئات يعلقون في الاردن    الخارجية الإيرانية تدين الهجوم الصهيوني على مطار صنعاء    محمد عبدالسلام يكشف حقيقة الاتفاق مع أمريكا    صنعاء .. وزارة الصحة تصدر احصائية أولية بضحايا الغارات على ثلاث محافظات    تواصل فعاليات أسبوع المرور العربي في المحافظات المحررة لليوم الثالث    التحالف والشرعية يتحملون مسئولية تدمير طائرات اليمنية    الكهرباء أول اختبار لرئيس الوزراء الجديد وصيف عدن يصب الزيت على النار    سحب سوداء تغطي سماء صنعاء وغارات تستهدف محطات الكهرباء    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 52,615 شهيدا و 118,752 مصابا    البدر: استضافة الكويت لاجتماعات اللجان الخليجية وعمومية الآسيوي حدث رياضي مميز    المجلس الانتقالي وتكرار الفرص الضائعة    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    رئيس مؤسسة الإسمنت يتفقد جرحى جريمة استهداف مصنع باجل بالحديدة    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    سلسلة غارات على صنعاء وعمران    اسعار المشتقات النفطية في اليمن الثلاثاء – 06 مايو/آيار 2025    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 6 مايو/آيار2025    حكومة مودرن    ريال مدريد يقدم عرضا رمزيا لضم نجم ليفربول    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    ودافة يا بن بريك    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    قرار رقم 1 للعولقي بإيقاف فروع مصلحة الأراضي (وثيقة)    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    مرض الفشل الكلوي (3)    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمم متحدة جديدة.. ورؤية لاستعادة دورها التاريخي
من وجهة نظر « كي مون » أمينها العام
نشر في الجمهورية يوم 13 - 04 - 2007

مع تولي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون (كوريا الجنوبية) قيادة الأمانة العامة للأمم المتحدة قبل ثلاثة أشهر في واحدة من أكثر مراحل حياة المنظمة تعقيدا وحساسية. فعلى العكس من العقود الأولى من حياة المنظمة، والتي لعبت فيها دورا فاعلا في إدارة قضايا التعاون والصراع الدولي، تمر المنظمة في المرحلة الراهنة بمرحلة من التهميش والحضور الضعيف أو على الأقل الموظف من قبل القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنه كان من المتوقع أن يؤدي انتهاء الحرب الباردة إلى تفعيل دور المنظمة إلا أن العكس هو الذي حدث.
ويعد بان كي مون هو الأمين العام الثامن للأمم المتحدة. وكانت قضايا الحرب الباردة قد شغلت المساحة الأهم في أجندة الأمناء الخمسة الأوائل في حياة المنظمة، بينما شغلت قضايا الشرق الأوسط وقضايا عدم الاستقرار العالمي في عالم ما بعد الحرب الباردة، بالإضافة إلى قضايا الانتشار النووي والعدالة الاجتماعية والبيئة، المساحة الأهم في أجندة الأمينين العامين الأخيرين. وفي سياق محاولة التعرف على رؤية الأمين العام الجديد للأجندة الجديدة للمنظمة، ورؤيته لكيفية استعادة دورها التاريخي، عقد مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية CSIS بواشنطن ندوة خاصة حضرها الأمين العام الجديد بان كي مون، كمتحدث رئيسي، بالإضافة إلى عدد من المتخصصين والمعنيين بالموضوع.
ويمتلك بان كي مون خبرة سياسية واسعة، فقد شغل عدد من المناصب المهمة قبل عمله كوزير للخارجية والتجارة الكورية، منها مستشار الرئيس للسياسة الخارجية، وكبير مستشاري الرئيس للأمن الوطني، بالإضافة إلى مشاركته في إدارة مشاكل حظر الانتشار النووي. وقد حصل مون على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية من جامعة سول الوطنية في عام 1970، ثم على درجة الماجستير في الإدارة العامة من معهد كندي لشؤون الحكم، بجامعة هارفارد في عام 1985 .
وقد كان لاختيار بان كي مون لشغل منصب الأمين العام دلالات مهمة بالنسبة لوضع ما عرف بدول "العالم الثالث" في النظام الدولي. إذ يعكس اختيار مون أمينا عاما للأمم المتحدة ترجمة للتحول المهم في مركز الثقل الجيو- سياسي لصالح القارة الآسيوية، والتي لا تضم فقط حالات صعود مهمة من الناحية الجيو سياسية (الصين، اليابان، الهند، كوريا الجنوبية)، ولكنها تعد منطقة اختبار مهمة لتدعيم الديمقراطية والتنمية، وربما للتأكيد من جديد على فكرة التلازم بين الديمقراطية والتنمية معا، كما تمثل منطقة اختبار مهمة لآفاق السلام العالمي على خلفية البرنامجين النوويين الكوري والإيراني، وهي تحديات تمثل جميعها اختبارا حقيقيا لمستقبل الأمم المتحدة.
أولا: الأجندة الجديدة للأمم المتحدة كما يراها مون
يشير بان كي مون بداية إلى أن هناك عاملين مهمين لعبا دورا مهما في تنشئته السياسية، وسيكون لهما تأثيرهما المهم على منصبه الجديد كأمين عام للأمم المتحدة. الأول هو مقابلته، وهو في الثامنة عشر من عمره، للرئيس الأمريكي جون ف. كينيدي في عام 1962، ضمن وفد من الطلاب الكوريين الذين دُعوا لزيارة البيت الأبيض ومقابلة الرئيس الأمريكي آنذاك، الأمر الذي أتاح لمون "صلات شخصية" وفقا لتعبيره بإحدى القوى العظمى وما دعت إليه آنذاك من أفكار ومبادئ مهمة لإدارة العلاقات الدولية خلال تلك المرحلة المهمة في تاريخ الأمم المتحدة. العامل الثاني هو الدور المهم الذي لعبته الأمم المتحدة خلال الحرب الكورية، وقد أرجع مون نجاح كوريا الجنوبية في إعادة بناء اقتصادها من جديد بعد الحرب وتحول كوريا إلى قوة اقتصادية إقليمية مهمة في شرق آسيا إلى دور الأمم المتحدة والولايات المتحدة أيضا خلال تلك المرحلة.
ويتفق مون مع القول بأن تلك المرحلة مثلت المرحلة الذهبية للأمم المتحدة ولكنه لا يتفق مع القول بأن المرحلة الراهنة لا تقدم فرصة مهمة لاستعادة الأمم المتحدة لهذا الدور. ويستند مون هنا إلى أن المشكلات الدولية الراهنة وصلت إلى درجة من التعقيد بحيث يصعب نجاح دولة بمفردها في مواجهة تلك المشكلات، الأمر الذي يحتم التعاون الدولي عبر المؤسسات والمنظمات الدولية العالمية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة.
وقد طرح مون الأجندة القادمة للأمم المتحدة على النحو التالي:
القضية الأولى: هي ضرورة وضع خطة عمل لمواجهة أزمة دارفور. ويشير مون هنا إلى أنه سوف يركز على عدد من الآليات، أهمها التنسيق بين الأمم المتحدة والقيادات الأفريقية، وتطوير التفاعل البناء بين الحكومة السودانية والحكومات الأفريقية والمجتمع الدولي بهدف وضع نهاية لسياسة العنف بالإقليم التي تتبعها الأطراف المتناحرة بما فيها الميليشيات العسكرية، والسماح باستئناف الأنشطة الإنسانية في الإقليم، وتفعيل دور المجتمع المدني في عملية السلام الجارية، وإقناع الأطراف التي لم توقع على اتفاق السلام بالتوقيع على الاتفاق. ولا يوجد تعبير أكثر وضوحا للإشارة إلى الأهمية التي يوليها مون لقضية دارفور من قوله "إن دارفور ستكون على قمة أجندتي".
القضية الثانية: هي تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط. ويعترف مون بأن العراق هي قضية الشرق الأوسط الأولى بالنسبة للعالم كله في المرحلة الراهنة. ويؤكد مون هنا التزامه ببذل أقصى جهد ممكن لمساعدة الشعب العراقي على تحقيق آماله في الاستقرار من خلال المساعدة على بناء عملية سياسية شاملة تحتوي جميع القوى السياسية دون استبعاد أي منها، وتوفير مناخ إقليمي داعم لاستقرار العراق، بالإضافة إلى دفع عمليات إعادة الإعمار.
القضية الثالثة: هي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث يقول مون أنه سيعمل على تفعيل دور الرباعية الدولية لتسوية قضايا الخلاف بين الجانبين، خاصة تلك التي تنطوي على أبعاد رمزية وعاطفية مهمة للكثير من الشعوب خارج الحدود السياسية للصراع.
القضية الرابعة: هي دعم لبنان في جميع المجالات بدءا من إعادة البناء والإعمار، وانتهاء بالمطلب اللبناني الخاص ببناء دولة ديمقراطية مستقرة كاملة السيادة. ويشير مون هنا إلى أن الطريق الوحيد للوصول إلى هذا الهدف هو تحقيق المصالحة بين مختلف القوى والطوائف داخل لبنان. كما يشير من ناحية أخرى إلى أن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة الموجودة في جنوب لبنان (نحو 15 ألف شخص) لا يمكنها البقاء إلى ما لا نهاية.
القضية الخامسة: هي دعم الجهود الخاصة بنزع السلاح وعدم الانتشار النووي. ويشير مون هنا فيما يتعلق بكوريا الشمالية أنه سيبذل أقصى جهده لإنجاح المحادثات السداسية، وتشجيع الجهود الخاصة بإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، والتزامه بالعمل على تطبيق قرارات مجلس الأمن الخاصة بحالتي إيران وكوريا الشمالية، وتشجيع الالتزام بنظام حظر الانتشار النووي على المستوى العالمي.
القضية السادسة :هي مشكلة كوسوفو، ويشير مون هنا إلى ضرورة إنهاء هذه المشكلة من خلال العمل على التوصل إلى حل حاسم والقضاء على حالة الغموض وعدم اليقين التي تغلف هذه المشكلة، مؤكدا أن تأخر هذا الحل سوف يهدد الاستقرار الإقليمي في جنوب شرق أوروبا. . ومع تأكيد مون على أهمية القضايا الست السابقة وأنها ستشكل قمة أجندته كأمين عام للأمم المتحدة في المرحلة القادمة، إلا أنه أكد في الوقت ذاته أن هذا لا يقلل من قيمة قضايا أخرى مثل دعم التنمية في مختلف الأقاليم، باعتبارها ليس فقط شرطا أساسيا لضمان تحسين المستويات المعيشة والصحية وحياة أكثر كرامة لملايين الأفراد، ولكن أيضا لأنها تعد شرطا أساسيا لبناء الأمن والسلام العالمي. بالإضافة إلى العمل على القضاء على مشكلتي الفقر والأمية باعتبارهما مصدرين مهمين لانتشار الفكر المتشدد. كما يشير مون إلى أن هذا العام (2007) سوف يشهد تقدما ملحوظا فيما يتعلق ب "أهداف تنمية الألفية" The UN Millennium Development Goals التي اتفقت عليها الدول الأعضاء كخطة عمل للوصول إلى عالم أفضل بحلول عام 2015. ويرى مون أنه إذا كان العالم معنيا بالفعل بالوصول إلى هذا الهدف، يجب أن يشهد عام 2007 إنجازا محددا على هذا الصعيد. أيضا يشير مون إلى حاجة المجتمع الدولي إلى جهد أكبر لمواجهة مشكلة التغيرات المناخية، خاصة بعد أن أضحت جميع دول العالم عرضة للتأثر بتلك التغيرات، وبعد أن أصبحت مصدرا مهما لتهديد الصحة ومصادر إمداد الغذاء والمياه والمدن الساحلية التي يعيش فيها أكثر من نصف سكان العالم. يقول مون في هذا السياق: "إن العمل على صعيد التغيرات المناخية سيكون واحدا من قمة أولوياتي". وفي الاتجاه ذاته يشير مون إلى الحاجة لتقوية قدرات وإمكانات الدول الأعضاء لمواجهة التحديات الضخمة في مجال الصحة، خاصة بعد أن أصبحت تلك التحديات وعلى رأسها مرض الإيدز وأنفلونزا الطيور عالمية الطابع ولا تلتزم بالحدود السياسية، كما تتضاعف أثارها وتكلفتها الاقتصادية والاجتماعية في حالة الدول الفقيرة والتي يعاني بعضها في الوقت نفسه من حروب داخلية وصراعات مسلحة. وينطلق مون هنا من وجود علاقة قوية بين التحديات الصحية وتهديد السلم والأمن الدوليين، بالإضافة إلى تأثيرها المهم على القدرات الاقتصادية للدولة. وأخيرا يشير مون إلى قضية حقوق الإنسان، ويشير في هذا الإطار إلى ضرورة أن تصبح حقوق الإنسان هي الركيزة الثالثة في عمل الأمم المتحدة بجانب ركيزتي الأمن والتنمية سواء على المستوى النظري من خلال المواثيق والمعاهدات الدولية في هذا المجال، أو على مستوى الممارسة العملية، وهو ما يتطلب مزيدا من الاهتمام بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لأداء دوره المنوط في المناطق والدول ذات السجل السلبي في مجال حقوق الإنسان، وإلقاء المزيد من الضوء على المناطق الأشد ظلاما في هذا المجال. وعبر مون عن أمله أن تصبح الولايات المتحدة عضوا بمجلس حقوق الإنسان هذا العام. وفي الاتجاه ذاته، عبر مون عن ضرورة اتخاذ الخطوات الأولى للانتقال ب "مسئولية الحماية" the Responsibility to Protect من مستوى الكلمات إلى الفعل، وهي المسئولية التي قطعها أعضاء الأمم المتحدة على أنفسهم في عام 2005 عندما عبروا عن أهمية اتخاذ عمل جماعي من خلال مجلس الأمن في الحالات التي تتعرض فيها جماعات بشرية لتهديد الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي أو جرائم ضد الإنسانية، وفشل السلطات الوطنية في اتخاذ الإجراءات المناسبة حيال تلك التهديدات. وأكد مون في هذا المجال عزمه العمل على بذل جهوده لترجمة هذه الرغبة وهذا الهدف إلى إجراءات عملية.
وكان تقرير واشنطن قد عرض الأسبوع الماضي تصور الأمين العام لدور متجدد للأمم المتحدة ، ويحدد مون ثلاثة شروط أساسية لنجاح الأمم المتحدة في تنفيذ الأجندة السابقة:
الشرط الأول: هو تقوية قدرات وإمكانات الأمم المتحدة، خاصة في ظل الأعباء الضخمة التي تفرضها مهام حفظ السلم والأمن الدوليين وتعقد وانفجار العديد من الصراعات الإقليمية، ويطرح مون هنا أنشطة عمليات حفظ السلام كنموذج لتلك الأعباء، والتي يقدرها مون بحوالي 30 مهمة تضم نحو 100 ألف شخص، تصل إلى 200 ألف سنويا إذا أخذنا في الاعتبار التناوب والتعاقب في تلك العمليات التي تتم كل ستة أشهر.. الشرط الثاني هو ضرورة تغيير الثقافة التي حكمت طريقة عمل المنظمة خلال العقود الست الماضية. ويطرح مون هنا ضرورة تطوير القدرات المهنية لموظفي المنظمة، خاصة بناء كوادر متعددة الوظائف والمهام، سريعة الحركة يمكن محاسبتها، والتركيز على أنشطة التدريب، والارتقاء المستمر بالمعايير والمستويات الأخلاقية والمهنية لموظفي المنظمة. ويشير مون في هذا الإطار إلى سعيه إلى تقديم نموذج يقتدى به في هذا المجال من خلال رفع الموازنة المالية للأمين العام إلى مكتب "أخلاقيات الأمم المتحدة" UN Ethics Office لمراجعته وتدقيقه، على أن يقوم بنشر هذه الموازنة بعد انتهاء عملية المراجعة. إلا أنه شدد في الوقت ذاته على أن نشر تلك الموازنات ليست كافية بدون دعم المعايير الأخلاقية والمهنية.
الشرط الثالث هو تعاون الولايات المتحدة الأمريكية مع المنظمة من خلال شراكة استراتيجية بين الطرفين. غير أن مون يؤكد في هذا الإطار أن بناء شراكة حقيقية وبناءة لصالح الطرفين يجب أن تلتزم بعدد من الضوابط، أهمها ألا تأتي على حساب الفاعلين الآخرين في النظام الدولي، وضرورة احترام إرادة جميع الدول الأعضاء وتقدير وجهة نظرها بصرف النظر عن حجمها أو عدد سكانها أو مساهمتها المالية في ميزانية المنظمة. وأخيرا ضرورة الأخذ في الاعتبار مصلحة الشعوب، الذين يتوقعون أن تعمل المنظمة لمصالحهم الحقيقية، مؤكدا في هذا الإطار على أن هذا هو المدخل الرئيسي لكسب الأمم المتحدة احترام الشعوب، وأن منظمة تعمل لمصالح الشعوب هي فقط التي يمكن أن تحظى بهذا الاحترام. يقول مون في هذا الإطار: "لا يمكن أن تنتعش شراكتنا (يقصد الولايات المتحدة والأمم المتحدة) في مناخ من الخوف وعدم الثقة. في ظل تعاون فاعل وبناء للولايات المتحدة مع الأمم المتحدة، تكون قدرات الأمم المتحدة غير محدودة، وعندئذ تستطيع الولايات المتحدة تحقيق طموحاتها في السلام والصحة والرخاء العالمي". أكثر من ذلك، فقد ربط مون نجاحه كأمين عام للأمم المتحدة ببناء شراكة قوية وعميقة بين المنظمة والولايات المتحدة، على المستويات السياسية، والأخلاقية، والتطبيقية، والمالية.. وقد انتهى مون بالإشارة إلى ما جاء في آخر خطاب للرئيس الأمريكي جون ف. كنيدي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 سبتمبر 1963 عندما قال "أن قيمة عمل هذا الكيان (يقصد الأمم المتحدة) لا تعتمد على وجود طوارئ... وأن السلام هو عملية يومية، أسبوعية، شهرية، تقوم على تغيير الآراء تدريجيا، وإزالة الحواجز القديمة ببطء، وبناء الهياكل الجديدة بهدوء"، حيث أكد مون على صلاحية "حكمة" كنيدي رغم تغير الظروف الدولية، وأنه سيلتزم بتلك الحكمة لتغيير الآراء تدريجيا، وإزالة الحواجز القديمة ببطء، وبناء الهياكل الجديدة بهدوء.
دور جديد في حفظ السلام العالمي
وقد أثار الطرح السابق لبان كي مون عددا من التساؤلات. ففيما يتعلق برؤيته حول شروط تفعيل دور الأمم المتحدة، أثير تساؤل حول كيفية إقناع الولايات المتحدة بشراكة فعالة وبناءة مع الأمم المتحدة في ظل وجود تيار داخل الولايات المتحدة يرى ضرورة تهميش دور الأمم المتحدة؟ كما أثير سؤال آخر حول ما إذا كانت خطته لإصلاح الأمم المتحدة سوف تشمل توسيع مجلس الأمن؟
وردا على هذين السؤالين أعاد مون التأكيد على الدور المهم الذي لعبته الأمم المتحدة في مجال الحفاظ على السلم والأمن الدوليين خلال فترة الحرب الباردة، وأنه لا يرى تناقضا بين تفعيل دور الأمم المتحدة والمصالح الأمريكية في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. كما أعاد التأكيد على أن تفعيل دور الأمم المتحدة عملية طويلة الأجل تتضمن عناصر أخرى أهمها تغيير ثقافة عمل الأمم المتحدة، وأنه سوف يبذل جهده لتأمين الدعم الأمريكي في هذا المجال. وفيما يتعلق بمسألة توسيع مجلس الأمن، أشار مون إلى أن عملية الإصلاح لا حدود لها، وأن هناك مجالين أساسيين للإصلاح، هما الإصلاح الإداري والإصلاح المؤسسي والذي يتضمن بجانب عناصر أخرى توسيع مجلس الأمن، ولكنه اعترف بأن عملية توسيع مجلس الأمن عملية شديدة الحساسية والتعقيد لم تستطع الدول الأعضاء التوصل إلى صيغة مقبولة بشأنها. وأكد مون أنه سيبذل رغم ذلك مزيدا من الجهد لتحقيق درجة أكبر من التوافق بين الدول الأعضاء حول مسألة توسيع مجلس الأمن. . كما أثيرت أسئلة عامة أخرى، تعلق أهمها بموقف الأمين العام الجديد من عقوبة الإعدام، وما إذا كان دور الأمين العام يتسع ليشمل انتقاد تطبيق تلك العقوبة، أم أنه يقتصر على نقد الظروف التي تقود إلى تطبيق تلك العقوبة؟ كما أثير سؤال آخر حول حق الدولة في توجيه ضربات استباقية ضد دولة أخرى قبل تعرضها لهجوم فعلي؟ وتحديدا ما هي مدى مشروعية قيام الولايات المتحدة بتوجيه ضربات استباقية ضد إيران بسبب اتهامات تتعلق ببرنامجها النووي؟
وردا على هذين السؤالين أكد مون أنه يعارض بشدة تطبيق عقوبة الإعدام استنادا إلى الحق الأصيل للفرد في الحياة، وضرورة حماية هذا الحق واحترامه. كما أعاد التأكيد على أن هناك اتجاها متزايدا على مستوى القانون الدولي والسياسات والممارسات الداخلية لاستبعاد عقوبة الإعدام، وأنه يشجع هذا الاتجاه، فضلا عن وجود جدل ونقاش مهم داخل الأمم المتحدة حول تلك المسألة الحساسة. ودعا في هذا السياق الدول الأعضاء إلى احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
أما فيما يتعلق بحق الدولة في توجيه ضربات استباقية ضد تهديد محتمل، أشار مون إلى أنه وفقا لميثاق الأمم المتحدة يجب تسوية جميع الصراعات والنزاعات بالوسائل السلمية بدون اللجوء إلى الأعمال العسكرية. ومع أن الميثاق يعطي الدولة الحق في الدفاع عن النفس، إلا أنه يجب إعطاء الأولوية للوسائل السلمية والدبلوماسية، والتشاور المسبق مع مجلس الأمن باعتباره المسؤول الأول عن حفظ السلم والأمن الدوليين. كما أعاد التأكيد على أن هذه الإشكالية تفرض أهمية تطوير مفهوم "مسؤولية الحماية" الذي أشار إليه بالتفصيل في محاضرته، وأنه سوف يبذل مزيدا من الجهد لتحويل هذا المفهوم إلى واقع عملي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.