المرض أصل أصيل في الحياة تماماً كالموت يلاحق الإنسان ويحدد مسارات أيامه، فالموت وجود يتغافل عنه الحي.. يهرب منه ويتناساه، لكنه قابع موجود وحاضر، بل إن مسيرة الإنسان الحياتية ليست إلا سفراً نحو الموت، فإذا ما استشعر الإنسان أن الموت نهاية المطاف أصيب بالهلع والجزع والخوف، وإذا ما تيقّن أن الموت انتقال إلى حياة برزخية أُخرى أكثر رقياً وشمولاً عمل جاهداً على مُعانقة الحياة من أجل الموت النبيل، الموت انتقال.. هكذا يقول السهروردي: لا ترعكم سكرة الموت فما هي إلا انتقال من هنا والموت بحسب الحلاج رغبة للانعتاق من رزايا الدنيا وترهاتها، إنه الخروج إلى البهاء الأكبر، والفضاء الأبهر.. يقول: اقتلوني يا ثقاتي إن في قتلي حياتي فحياتي في مماتي ومماتي في حياتي أنا عندي محو ذاتي من أجل المكرمات الإشارة هنا تتعلق بلطيفة من لطائف الوجود غير المرئي، حيث يصبح الموت انتقالاً مؤكداً إلى عالم نوراني ورد ذكره في القرآن الكريم.. قال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد، ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد، وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد، لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد". وورد عن النبي "صلى الله عليه وسلم" انه قال: "الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا" وعليه يمكن استخلاص الفكرة الجوهرية لماهية الحياة الدنيوية، وكيف أنها موصولة بحيوات أخرى نجد لها بروفات مؤكدة في المنامات، والحياة البرزخية التالية لمغادرة الحياة الدنيوية، وقد أحسن المعري صنعاً بقوله: قال المنجم والطبيب كلاهما لا بعث بعد الموت قلت إليكما إن صح قولكما فليس بضائري أو صح قولي فالخسار عليكما والمقصود أن المنجم والطبيب إن اعتقدا بصحة ما يقولان فإن هذا لن يغير من قناعة المعري في البعث والنشور، وليس الأمر كما يبدو من السياق الظاهر للبيتين، والله أعلم. [email protected]