- د. عمر عبد العزيز .. من فقه الظواهر يتم التعميم الخاص بالموجودات بوصفها مُجيّرة على المكان والزمان بالمعاني التي تتعلق بمشاهداتنا وتقديرنا للوقت، فالمكان نراه عياناً ونتأثر به ونؤثر فيه، والزمان محسوب على عدد الأيام والسنين التي نعيشها بحسب التوقيت السائد، غير أن المكان والزمان يتجاوزان أيضاً مُحدداتنا وحساباتنا . قال تعالى : "" وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون " وفي سورة الكهف قصة " أصحاب الكهف والرقيم " الذين كانوا في سبات عميق لعدة قرون مما يؤشر إلى دلالات مغايرة لمفاهيمنا السائدة عن الزمان، بل لفيزياء الجسم البشري القادر على البقاء حياً طوال تلك السنوات . الإشارة هنا واضحة ، وتذكرنا بقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) : الناس نيام ، فإذا ماتوا انتبهوا ! .. وفي الحقيقة يعتبر النوم ، الموت الأصغر أو البروفة الأولى للموت ، باعتبار أن النائم يذهب بعيداً إلى برازخ أخرى مختلفة عن مألوف حياته وهو في الصحو.. وفي القرآن الكريم قصة يوسف عليه السلام وقصة أصحاب القرية المعتمدة على رؤيا المنامات، ولهذا السبب اعتدّ الأسلاف بالرؤيا وأسبابها وتفسيراتها ، واعتبروا أن لحظة المنام قد توصل إلى الرؤيا لا أضغاث الأحلام، واجتهدوا في التعبير عن الرؤيا كما فعل ابن سيرين والنابلسي وآخرون ، وكانت خلاصة الخلاصة في تلك الاجتهادات والمقاربات الاعتقاد بأن الإنسان لا يعيش زمناً فيزيائياً مداه حياتنا اليومية بل يعيش أزمنة أخرى تتجلى في المنامات ، وتتوسع في الانتقال إلى مرتبة أخرى بعد الموت السريري أو الفيزيائي ، ولهذا قال السهروردي : لا ترعكم سكرة الموت فماهي إلا انتقال من هنا وقال الحلاج : اقتلوني يا ثقاتي إن في قتلي حياتي فحياتي في مماتي ومماتي في حياتي فالمائت منتقل ذاهب إلى عالم جديد تماماً كالجنين الذي ينتقل من عوالم الرحم وظلاماته إلى الحياة الدنيا فيصرخ مُتمسكاً بحالته الأولى رافضاً مشقة الانتقال إلى حياة جديدة، وهكذا يفعل الإنسان الجزع من الموت لأنه يتمسك بالحياة متوهماً أن الموت نهاية المطاف، كما كان يعتقد الجاهليون ممن قالوا ، كما ورد في القران الكريم : " إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا " . والشاهد أن الدهري الجاهلي استبعد المثال " بكسر الميم " والغيب، مُعتقداً أن ذلك مدعاة لليأس والهزيمة ، ولهذا السبب تمسك بالدنيا وزخرفها، وعاش المتع والملذات بصورة رأسية، واعتبر الآخر خصماً يستحق الموت حتى يكتسب هو الحياة ، فافتقد للطمأنينة، واختزل وجوده في المُلك " بضم الميم " والمُتعة ، غير أن هذا الجاهلي ذاته نظر إلى الغيب بوصفه حقيقة ، فعاش حيرة مطلقة كالتي يمكن أن نلمسها في تضارب أقوال الشاعر امرئ القيس، فتارة يعتدّ بالدهرية الموصولة بالنزعة الأبيقورية ، كقوله وهو يخاطب صاحبه : بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنَّا لاحقان بقيصرا فقلت له لا تبك ويحك إنما نحاول مُلكاً أو نموت فنُعذرا بمقابل هذا التماهي مع المجد والملك يقول أيضاً في موقع آخر : ترانا ناظرين لأمر غيب ونلهو بالطعام وبالشراب وهو هنا كمن يتأبى على النظر للغيب، مُنصرفاً لملذات أيامه ، ناكراً ذلك الغيب ، مع إقراره المسبق بأنه ينظر لأمر ما له صلة بالغيب !! . [email protected]