يقول الأطباء إذا أردت أن تتناول دجاجة ، فما عليك إلا أن تلتهم تفاحة ، فإذا ما استبدّ بك النهم وسمحت لك ظروفك المادية بقضم وازدراد عشر تفاحات ، فمعنى هذا أنك قد حشوت معدتك بعشر دجاجات سمينة ، وهذا ليس بالأمر العسير خصوصاً في هذه الأيام والليالي الصيفية التي كثفت من ثمارها التفاحية التي ملأت أسواق اليمن بشكل عام ، وفاضت إلى معظم الأسواق العربية .. الصفحة الاقتصادية ( الجمهورية) طافت في شبوة ، وبالتحديد سوق مملكة المحصول (التفاح) وخرجت بالحصيلة التالية : الكيلو بمائة وخمسين ريالاً المواطن سعيد علي زعل بائع تفاح تحدث قائلاً : هذا التفاح يأتي من محافظة صعدة ، لأن محافظة شبوة لا تزرع هذه الشجرة إطلاقاً ، وإلاّ لكان سعره أرخص بكثير من الآن ، وحتى هذه الأيام فإن الأسعار في غاية الإنخفاض لأنه إنتاج محلي أولاً ، وثانياً لأنه متوفر في السوق بشكل يفوق الطلب بكثير ، حيث يصل سعر الكيلو مائة وخمسين ريالاً ، وتبلغ قيمة الصندوق ألفاً وخمسمائة ريال ، وأضاف في سياق حديثه : هناك موردون يستوردون هذه المادة من معبر ، ونحن نشتري منهم ، ويكون تعاملنا مع المستهلكين مباشرة ، ورغم رخص السوق إلا أن الإزدحام ليس بذاك الذي نتوقعه ، ربما بسبب توفر فواكه أخرى تغني الناس عن هذه المادة ، إذ كما ترى يزدحم البلح والموز والعنب وكثير من الأشياء التي لاعد لها ولاحصر ، ثم اختتم حديثه بالقول : تصدير التفاح إلى بعض الدول العربية هو السبب الوحيد في ارتفاع السعر ، وإنعدامها من السوق ، وكثير من تجار الفواكه يفضلون التصدير إلى الخارج حتى يربحوا أكثر ، واني لأتمنى من المزارعين اليمنيين أن يتوسعوا أكثر في زراعة مختلف المحاصيل الزراعية ، ومتها التفاح لأن توفرها يشعر الإنسان بالأمان ، وخصوصاً لأنها من منتجاتنا الوطنية ، كما اتمنى من وزارة الزراعة أن تشجع المواطنين على استصلاح الأراضي الجدباء الواسعة ، وبذرها بما يدعم الاقتصاد ، ويؤدي إلى رخص المواد الغذائية الضرورية. لا تفوتك الفرصة المواطن يحيى قائد محمد حسن فقد التقيته وهو غارق بين أكوام التفاح ، بعد أن أشار عليه بضعة باعة بأنه الكل في الكل ، فشاركني قائلاً : الآن فرصة الرعوي في شراء ما يريد لأن الدنيا رخص والحمد لله ، وخصوصاً في التفاح ، وإني لأحث الجميع على أن لا تفوتهم الفرصة لأننا في بداية الموسم ، والبداية دائماً كريمة وجيدة ، والآن يتم الاستيراد من مأرب برخص وتكاليف قليلة ، وأنت قدك داري بمأرب لقد وردت كل شيء ، وأضاف في سياق حديثه : صدقني أن أحسن فاكهة هي التفاح ، والدليل على ذلك أن الإنسان بمجرد أن يأكل حبة واحدة يشعر بأنه قد تناول طعام الافطار أو الغداء ، أو وجبة عشاء وهذه نعمة من نعم الله علينا ، ثم اختتم حديثه وهو يتمخطر فوق بضاعته منادياً الزبائن : الأرزاق بيد الله ، والدنيا تشتي لواع ومجاهدة وتعب. »العقل السليم في الجسم السليم« وتجديد الطاقة على واجهة البسطات يبرز التفاح جذاباً يصلح للعرض اكثر منه للأكل ، إذ أنه يجمّل البسطات القذرة ، وتجد على الوانه الحمراء علامات التقزز من الشوارع القذرة التي تحيط به، وأثناء تجوالي التقيت الطالب رمزي عبدالله مصلح صلاح وهو يساوم أحد الباعة فتحدث قائلاً : بعد ارهاق المذاكرة التي اقضي معها أغلب وقتي طيلة النهار ، وأجزاء من الليل فأشكو من الجوع الذي اسكته بتفاحة ، وكلما تكاثر التعب كلما حاولت أن أعوض نشاطي بهذه المادة اللذيذة ، وأضاف مفسراً حديثه بطريقة علمية : كما تعلم أن الجهد الذهني أشد تعباً للجسم من الجهد العضلي ، لأن الأخير لا يستغرق سوى مائتي سعرة حرارية من الطاقة ، أما الجهد الذهني فيحتاج إلى أربعمائة سعرة حرارية ، أي ضعف الجهد الذهني ، ومن هنا لا بد من تعويض الطاقة المستنفدة بالتفاح بشكل خاص ، لأنه أكثر الفواكه غناء بالمواد السكرية المنشطة ، ثم اختتم حديثه بالقول : ما أدخره من مصروفي أحاول أن أرفّه به على نفسي ، لأن الكثير من الطلاب لا يعتنون بجانب التغذية كونه الجانب المهم للتلميذ على وجه الخصوص ، أما أنا فإنني اتبع نظرية التغذية أولاً وشراء الفواكه الطازجة كالتفاح ، والمذاكرة ثانيا ، والعقل السليم في الجسم السليم. الهدية المفضلة بالمصادفة مررت بجانب مستشفى عتق المركزي والإزدحام على أشده ولفت انتباهي زوار المرضى الذين يحمل كل واحد بين يديه حبات كروية شهية ، فسلطت كشافات عيني على هذا الشيء الذي جذب خطواتي صوبه ، وفجأة إكتشفت أنه تفاح ، وأوضح لي الأخ/ ناصر عبدالله مغنيز بقوله : إعطي مريضك ما يجودك ، وصدقني أن التفاح هو الهدية المفضلة التي يفرح بها المرضى كثيراً ، حتى الأطباء ينصحونهم بتناولها لما فيها من الفائدة التي تنفع الجسم .. ومضينا بضع خطوات لنتجنب الاكتظاظ البشري ، ثم تنحينا جانباً ، وواصل حديثه والبسمة تشرق ملامحه المزهرة : أربعة كيلو تفاح بستمائة ريال،وعاد البائع يترجاك أن تقبل بهذا السعر ، وويابلاشاه، حتى الأطفال لم يعد يؤرقنا التفكير بالاشياء التي سنشتريها لهم خصوصاً وأن الشوكلاته غالية جداً في سعرها ، لذا فهناك البدائل التي سنشتريها لهم وتصنع نفس الفرحة التي تصنعها الحلويات ، وهي التفاح البلح .. المانجو .. وإني أتمنى من الله أن يلهم زراع بلادنا أن يزرعوا كل المحاصيل التي نستوردها من الخارج ، فارضنا خصبة ومحاصيلنا ذات مذاق عال تفوق كل المحاصيل الخارجية . ثم اختتم حديثه بالقول : إنني مازلت أفكر وأتساءل : هل يمكن أن تصلح أرض محافظة شبوة لاستزراع هذه الشجرة ، وإذا ما قدمنا اقتراحاً لمكتب الزراعة والري ، فهل سيقوموا بتنفيذ هذه التجربة التي من المحتمل ان تكون ناجحة مائة في المائة خصوصاً في المناطق والمديريات التي لاينام عنها المطر ، والتي تضل خضراء طوال العام كالروضة وخورة وغيرها .. ومثلما يجرب البعض حظوظهم مع شجرة القات ، ويبذلون قصارى جهدهم لزراعتها والاعتناء بها والسهر على نموها رغم أنه لا فائدة منها ، فلماذا لا يكرسون هذا التعب في غرس شجرة مفيدة تعود بالنفع للابناء والأحفاد بدلاً من الضرر الذي يجنوه من برسيم القات اللعين الذي يهلك الجيوب والعيون والعقول ، وإذا كان حديثي هراء فلنجرب على سبيل المثال في الري ، إذ كم تحتاج شجرتان من القات والتفاح كميات من المياه ، وإني لأجزم بأن الأولى هي الوحيدة التي سببت انتقاص مخزون المياه من أحواض مدننا غني بفيتاميناته ومواده النافعة. أسواق عديدة ليس سوق مدينة عتق هو الوحيد الذي اختضن في أحشائه التفاح ولكن هناك أسواق أخرى أشد ازدحاماً من هذا السوق العملاق كجول حبان وعزان والعرم وبيحان وغيرها من المدن الشبوانية ، وكلما ذبت في متاهات الصحراء باتجاه مديرية عرماء والطلح ودهر ستجد أن هذه الكرة الغذائية قد سبقتك إلى هذه المناطق ، وإن تباينت أسعارها زيادة أو نقصاً تبعاً للمسافة التي تقطعها ، والمتأمل لهذا الكم الهائل من التفاحات اللا نهائية يجد أن مصدرها محافظتان فقط هما مأرب وصعدة ، والسؤال الذي يتموضع هنا بقوة هو : ماذا لو أن بلادنا اليمن كلها ، أو على الأقل نصفها أو ربعها استزرعت هذه المادة ؟ ...أعتقد أنه لن يكون هناك متسولون على الإطلاق.