يحدث في كثير من الأحيان أنني أكتشف أشياء متأخرة كنت أعتقد أنني صاحب براءة اكتشافها، وإذا بكثير من الناس قد سبقوني إليها، وأنها باتت أمراً عادياً لم يعد يلفت الانتباه، شأنها في ذلك شأن قضية فلسطين المرمية في أقاصي الذاكرة وأزقة نشرات الأخبار. لا أريد أن يفاجئني أحد بأنه قد سبقني واكتشف أن مجلس النواب اليمني بات ينعقد بربع أعضائه، وأن ما نشاهده في جلسات المجلس أصبح تمثيلاً باهتاً لا يرقى إلى مستوى الثقة الشعبية التي منحت لأعضاء المجلس. أقول ذلك وأنا مسؤول عن طرحي، بدليل أن الصورة التلفزيونية اليومية لا تقدم لنا سوى نفر قليل «آمنوا بربهم وزدناهم هدى» مرابطين على كراسي البرلمان ومحدقين في شاشة التلفزيون، لا يملكون مثلنا تفسيراً واضحاً عن سر الغياب المتنامي لوجوه برلمانية شاهدناها في الأيام الأولى للجلسات، عقب اليمين الدستورية، ولو قلنا منطقياً إن البعض في إجازة والبعض في مهمة والبعض غافل عن مسؤولياته، فإن المنطقي جداً.. جداً ألا يكون هذا الغياب المذهل كله دفعة واحدة. إذاً التفسير الآخر هو أن الكثير من أعضاء مجلس الأمة، أعضاء البرلمان، وممثلي الشعب، يحضر عند بدء الجلسة يسجل اسمه في قاعة الحضور، ويغادر على الفور، بعد أن بلغنا أن مكافآت الأعضاء تخضع للخصم تبعاً لجلسات الحضور والغياب؛ وذلك أشبه بالعاملين في مفهوم «البطالة المقنعة» في معظم دوائر ومؤسسات الدولة ممن يحضرون إلى مكاتبهم مبكرين للتوقيع على حوافظ الحضور، ثم المغادرة والعودة آخر ساعات الدوام لتوقيع حوافظ الانصراف، حفاظاً على الراتب الذي غدا شبيهاً بالإعانة الاجتماعية، ورزق العيال الذي يستحيل قطعه تحت مفهوم اجتماعي آخر «قطع الرأس ولا قطع المعاش». دعونا نعترف قبل الاعتذار لأعضاء مجلس النواب أن الرقابة على أعضاء البرلمان معدومة، وأنهم لا يخضعون للمساءلة، وأن الحصانة التي منحت لهم تتويجاً لمكانتهم والدرجة الوظيفية تشريفاً لمقامهم، والرواتب الباهظة تكريماً لهم.. كل هذه الأشياء لن تعفيهم من رقابة الله، وعذاب الضمير، واستشعارهم بأمانة المسؤولية التي وضعت على عاتقهم، ثم نعتذر لهم بعد ذلك، بأننا ساويناهم بالتشبيه مع الموظفين «لا سمح الله» لأن مقامهم ارفع، ومكانتهم أكبر، وموقعهم أسمى وأعلى، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!. هل تعلم: أن الاستثناء.. آفة كبيرة أضرت بالتشريع؟!. ما ينطق عن الهوى: «لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نسمعها».