- صلاح الدين الدكاك: في حصار بيروت 82م، كتب درويش واحدة من افتك روائعه «مديح الظل العالي»، وكتب مظفر النواب أكثر لعناته الشعرية جمالاً وبذاءة «عبدالله الإرهابي، ونداء إلى الطيارين العرب»، و.. طرز ناجي العلي جدران الذاكرة العربية الخائبة بخطوط ساخرة، وقحة، جريئة، باصقة، و.. كتب نزار قباني، وسعدي يوسف، وفيما بعد الصحفي المصري رؤوف مسعد، أما خليل حاوي ففضل أن ينتحر احتجاجاً. لاشيء من هذا حصل مع العراق، لم يكتب أحد، لم يرسم، لم ينتحر، لم يهرق قطرة حبر، حيال أنهار الدم الدافقة في بلاد الرافدين. التزمت النخبة العربية بالخرس الذي استحقت بسببه الأنظمة العربية لعنات المثقفين والشعراء والفنانين في نموذج حصار بيروت، وتحولت الأقلام وفرُشات الرسم إلى أرانب تماماً كالدبابات العربية في 82م !! لماذا كلما أوغل نصل الهزيمة عميقاً في الجسد القومي، تهرأت حبالنا الصوتية أكثر، وفقدنا أرطالاً من قدرتنا العريقة على الصراخ ؟! - في 67 قال نزار قباني لعبد الناصر، تفسيراً لمااعتبره القوميون جلداً للذات في ديوانه «هوامش على دفتر النكسة»، اعذرني ياسيدي فقد جاءت الصرخة بحجم الطعنة !! ولو عاش قباني إلى التاريخ الموافق لاحتلال العراق، فإنني أشك في كونه سيعثر بين حباله الصوتية على صرخة بمقاس وآبل طعنات النصال الأمريكية لشرف التراب العراقي.. - لقد ظللنا لقرون نرقب، كنظارة في سيرك، كيف تنهار عواصم العرب، ومدائن العرب، وصروح العرب، متحولة إلى أراجيز وقصائد ولوحات ومراثٍ وموالات وازجال شعبية.. وكنا نعد ذلك الصخب الأدبي الذي يعقب تداعينا وانهياراتنا، عاراً وامتيازاً حريمياً لايليق بالشوارب الفتيلة، ولاينوب عن الحاجة لخوض برك الدم وضخ الأوردة على جوانب الشرف الرفيع. ثم تراجع هذا الشرط التاريخي المتخم بخيلاء فارغ، إلى الدَّرك الذي صرنا معه، بحاجة إلى الصخب الأدبي لا أكثر، فقط صخب أدبي نطمئن معه على سلامة حناجرنا، شرط الحياة الوحيد، بالنسبة لأمة هي فقط ظاهرة صوتية لا أكثر. - لاشيء من هذا القبيل حصل مع العراق، لم يكتب ولم يرسم ولم يغن أحد، ولم يهرق قطرة حبر ، تصالح اللحم العربي مع السواطير، فقد قدرته على الإحساس بالألم، صار الذبح اعتياداً، والاغتصاب اعتياداً، والاحتلال اعتياداً، والجثث المجهولة فطائر ساخنة تضعها وكالات الأنباء على مائدة المشهد الدولي ليتناولها بدم بارد، ويمسح شفتيه بمحرمة وردية، ويتجشأ حمداً «للمارينز» الذين يحمون واشنطن بذبح بغداد، ويعقرون ديارنا كنياق، حتى لايدهمهم الإرهاب في عقر ديارهم الآمنة بخوفنا !! تذييل الدم قبل النوم نلبسه رداء والدم صار ماء يراق كل يوم والفرات لسان من الدم لايجد الشفتين أمل دنقل