بقلم محمود المدهون " أنا رجل يصحو ، وينام على ضفاف الجرح العربي المتقيح منذ سقوط الدولة العباسية حتى اليوم ..الفرق بيني وبين سواي أنني لا أومن بالطب العربي ، ولا بالسحر العربي ، ولا اسمح لنفسي بالبقاء خارج غرفة العمليات أشرب القهوة وأدخن.. إن غريزة الصراخ أقوى غرائزي " هكذا قال نزار قباني عن نفسه ، الشاعر نزار قباني الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في النصف الثاني من القرن العشرين .. ولم تزل أشعاره ورسومه وصوره وألوانه تنتشر في كل مكان من ثقافتنا العربية وقد نقلها جيل إلى جيل . حياته المبكرة وًلد قباني في 21 مارس 1923 في دمشق القديمة لعائلة ثرية إذ كان والده تاجراٌ دمشقياٌ معروفاٌ ، ورث عن أبيه ميله نحو الشعر وورث عن عمه حبه للفن بمختلف أشكاله. التحق قباني بكلية الحقوق في جامعة دمشق ونشر خلال دراسته أولى دواوينه الشعرية . العمل الدبلوماسي تخرج نزار عام 1945 والتحق بوزارة الخارجية السوريّة، وفي العام نفسه عيّن في السفارة السوريّة في القاهرة وله من العمر 22 عامًا. كانت القاهرة حينذاك، تشهد ذروة ثقافية وصحفيّة، وفيها طبع نزار ثالث دواوينه "طفولة نهد"، الذي لم يكن جريئًا في عنوانه فحسب بل في لغته الشعريّة التي لم تكن مألوفة في ذاك الوقت ، فعمل في السفارات السورية في أنقرةولندن ومدريد وبكين وبيروت حتى استقال عام 1966 ليتفرع للعمل الأدبي . التفرغ للعمل الأدبي بعد استقالته انتقل إلى بيروت حيث أسس دار نشر خاصة تحت اسم «منشورات نزار قباني" وساهم في تطوير الشعر العربي الحديث إلى حد كبير وأصدر عدة قصائد لاذعة ضد الحكومات والأنظمة العربية عمومًا وضد حكم البعث في سوريا. أخر سنواته ووفاته في عام 1982 قتلت زوجته بلقيس خلال تفجير السفارة العراقية في بيروت، فغادر قباني لبنان وكان يتنقل بين باريس وجنيف وأخيرًا في لندن حيث قضى الخمسة عشر عامًا الأخيرة من حياته، واستمرّ بنشر دواوينه وقصائده المثيرة للجدل خلال فترة التسعينات ومنها «متى يعلنون وفاة العرب؟» و«المهرولون»» .في عام 1997 كان قباني يعاني من تردي في وضعه الصحي وبعد عدة أشهر توفي في 30 أبريل 1998 عن عمر يناهز 75 عامًا في لندن. بسبب أزمة قلبية. في وصيته والتي كان قد كتبها عندما كان في المشفى في لندن أوصى بأن يتم دفنه في دمشق التي وصفها في وصيته: «الرحم الذي علمني الشعر, الذي علمني الإبداع والذي علمني أبجدية الياسمين» تم دفن قباني في دمشق بعد أربعة أيام حيث دفن في باب الصغير بعد جنازة حاشدة شاركت بها مختلف أطياف المجتمع السوري إلى جانب فنانين ومثقفين سوريين وعرب.