عندما نتصفح التاريخ القديم بحثاً عن اليمن وماكتب عنها، ودونت من انطباعات وملاحظات.. نجد أن من تحدث عن هذا البلد من أجانب وعرب أشقاء سواء كانوا باحثين أو رحالة : نجدهم قد افردوا لليمن مكانة خاصة لها تميزها عماقالوه عن البلدان المجاورة لها. واليمن لم تحتل تلك المكانة، لمالها من سبق حضاري وحسب، أو لسبقها عما حولها في احتضان المجتمعات المستقرة، أو لكونها بلدة زراعية محاطة بيئية صحراوية، ولهذا اسميت بالعربية السعيدة أو اليمن الخضراء. إلى جانب كل ذلك نجد اليمن قد لفتت انتباه زوارها منذ القدم وأثارت اعجابهم بمالديها من سمات المجتمع الزراعي المستقر وابرازها لذلك في قالب حضاري متمازج مع جمال النفوس التي تصنع تلك السمات. ففي المجال الزراعي مثلاً، يتضح لمن يزور اليمن وبكل جلاء أن أهلها لم يستغلوا الجبال ويروضوها لتتحول إلى أرض زراعية وحسب، ولكنهم عكسوا من خلال الجبال الشماء الجمال الذي في نفوسهم. وأحالوها من المدرجات الزراعية الجميلة وأشكالها الهندسية إلى لوحات بديعة على الواقع المعاش. لوحات تعكس عظمة الجبال وشموخها ورهبتها، كما تعكس جمال نفوس من روضوها وتوجوها ورصعوها بالخير والجمال. وإذا ماانتقلنا إلى المعمار، أو فن العمارة القديمة كما تشهد بذلك المدن التاريخية العريقة كصنعاء وشبام حضرموت وزبيد وصعدة.. نجد أن البناء القديم في تلكم المدن لم تنحصر مدلولاته على تجسيد ملامح المجتمع المستقر المتحضر، ولا على مالتلك المباني من ضخامة ومعالم هندسية ولكنه يعكس جانباً جمالياً كامنَّا في النفوس.. ما زالت إلى اليوم تشهد به ماتزين المباني القديمة من زخارف ولمسات جمالية تترجم البيت الشعري القائل : كن جميلاً ترى الوجود جميلاً.. وهذا مايجعلنا نتوجه بالدعوة إلى المقتدرين والمتمكنين من الأدباء والفنانين اليمنيين للقيام بالدراسات العليمة التي تبرز هذا الملمح وماله من مدلولات سياسية واجتماعية واقتصادية وحضارية. كما أن مالدينا من هذه الشواهد المعمارية والهندسية والجمالية عموماً مايجعلنا نتساءل عن اختفاء هذه النفسية فيما نشهده اليوم من معمار. قد يقول قائل : بان ماتشهده مدننا اليوم من فلل ومبان ضخمة ومزينة من الداخل والخارج إلى حد الترف مايفوق في جمالياته المباني القديمة.. ونحن اذ لانختلف مع هذا الرأي، لايسعنا إلا أن نقول في الوقت نفسه : لاننكر ذلك إلا أن المباني الضخمة الجديدة لاتحمل ولاتعكس نفس الدلالات التي للمباني القديمة، خاصة ما يتعلق بالجانب النفسي والحضاري، فالمباني القديمة لاتشهد فقط بفن عمارة يقوم من ألفه إلى يائه على مواد خام محلية ونفذ بأياد عاملة محلية، ولكنها في الوقت نفسه تعكس لنا الألفة والمحبة والاخاء الذي كان يسود افراد المجتمع من حيث تقارب وتلاصق المباني والتسامح في المفاسح، وغياب مايوحي بالخوف من الآخر كالأسوار والتحصينات في الوقت الذي نلحظ ذلك في المباني الحديثة، ولذلك دلالات لايستهان بها وتستحق الدراسة والتحليل.. أملنا أن نكون قد أشرنا إلى ملاحظة تستحق الاهتمام من جميع الأوجه لو لم يكن إلا لعلاقتها بالنفسية العامة والروح الجمالية وجوانب اجتماعية أخرى.