استغرب ممن يقول بكل ثقة : أولادي هم أغلى الناس ، ثم يخبئ الكلام المهذب ، والأسلوب الظريف ليقدمه للغرباء ، ولايكاد يقدم شيئاً منه لاولاده ، مع أنهم أولى الناس بالكلمة اللطيفة ، والتعامل اللبق.. ولعل هؤلاء شغلتهم متاعب التربية وروتينها عن حلاوتها ولذتها ، وهي متاعب وآلام لابد منها ، ولاينبغي أن تؤثر على علاقتنا بهم رغم شدة هذه المتاعب وكثرتها .. أنها كآلام الولادة ريتهم! أماً تضرب ابنها المولود حديثاً ، لأنه سبب آلامها ؟!! مستحيل .. إنما تحتضنه .. راضية .. سعيدة.. قريرة العين رغم كل ما تسبب فيه من معاناة وآلام . وكذلك التربية يجب أن نفصل فيها بين متاعبنا بسبب الأطفال ، وبين تعاملنا معهم. يجب أن نبحث عن المتعة في تربيتهم ، ولايمكن أن نصل لهذه المتعة إلا إذا نزلنا لمستواهم ، هذا النزول لمستوى الأطفال «ميزة» الأجداد والجدات ، عند تعاملهم مع احفادهم ، ينزلون لمستوى الطفل ، ويتحدثون معه عما يسعده ، ويتعاملون معه بمبدأ أن الطفل هو صاحب الحق في الحياة ، وأن طلباته مجابة مادامت معقولة ، ورغم أن الأطفال يحبون اجدادهم وجداتهم لاشك إلا أنهم ينتظرون هذا التعامل اللطيف ، والعلاقة الخاصة منا نحن ، وتظل صورة الأب الشاب القوي التقي هي النموذج الذي يحبه الولد ويقتدي به ويتعلم منه كيف يقود البيت ، ويرعي زوجته وابناءه في المستقبل. وتظل صورة الأم الشابة الانيقة ، ذات الدين والحياء والعفة ، والذوق الرفيع هي النموذج الذي تتعلق به الفتاة وتقتدي به ، وتتعلم منه كيف تكون زوجه وأماً. الفرصة لاتزال متاحة للجميع لتغيير العلاقة بالأبناء، تغييراً ينعكس إيجابياً عليكم وعليهم، سواء في التفاهم والحوار معهم،أو احترام شخصياتهم المستقلة،أو قبولنا لعيوبهم ونقائصهم ،إذن: تفهم ،واحترام ،وقبول. كل هذا ممكن أن تحققه إذا جعلنا علاقتنا بأبنائنا أفقية،كعلاقة الصديق بصديقه، يغلب عليها الحوار والتفاهم،أما إذا كانت العلاقة رأسية كعلاقة الرئيس بمرؤوسه،ويغلب عليها الأوامر والنواهي، لاشك سيكون تأثيرها الإيجابي قليل. من علامات نجاحنا في التربية ،نجاحنا في الحوار مع أبنائنا بطريقة ترضي الأب وابنه، ولكننا للأسف نرتكب أخطاء تجعلنا نفشل في الحوار مع الأبناء؛وهذا هو مادة هذه المقالة «لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا؟». من أهم أسباب فشل الآباء في الحوار مع الأبناء استخدامهم لأسلوبين خاطئين: الخطأ الأول:أسلوب «لاأريد أن أسمع شيئاً». والخطأ الثاني: أسلوب «المحقق أو «ضابط الشرطة». الخطأ الأول: هو أننا نرسل عبارات «تسكيت» ،وكذلك إشارات «تسكيت» معناها في النهاية « أنا لا أريد أن أسمع شيئاً منك ياولدي» .مثل العبارات التالية:«فكني »،«بعدين بعدين» ،«أنا ماني فاضي لك» ،«رح لأبيك» ،«رح لأمك» ،«خلاص خلاص» .بالإضافة إلى الحركات التي تحمل نفس المضمون ،مثل:التشاغل بأي شيء آخر عن الابن أو عدم النظر إليه،وتلاحظ أن الولد يمد يده حتى يدير وجه أمه إلى جهته كأنه يقول:« أمي اسمعيني الله يخليك» أو يقوم بنفسه، ويجيء مقابل وجه أمه حتى تسمع منه..هو الآن يذكرنا بحقه علينا،لكنه مستقبلاً لن يفعل ،وسيفهم أن أمه ستستمع بكل اهتمام لأية صديقة في الهاتف أو زائرة مهما كانت غريبة ،بل حتى تستمع للجماد «التلفاز» ولكنها لاتستمع إليه كأن كل شيء مهم إلا هو. لذلك عندما تنتهي من قراءة المقال،ويأتيك ولدك يعبر عن نفسه ومشاعره وأفكاره ،اهتم كل الاهتمام بالذي يقوله،هذا الاستماع والاهتمام فيه إشعار منك له بتفهمه،واحترامه،وقبوله ،وهي من احتياجاته الأساسية:التفهم ،والاحترام،والقبول بالنسبة له، حديثه في تلك اللحظة أهم من كل مايشغل بالك ژأياً كان، فإذا كنت مشغولاً أيها الأب أو أيتها الأم ..أعطِ ابنك أو ابنتك موعداً صادقاً ومحدداً.. مثلاً تقول :أنا الآن مشغول ،بعد ربع ساعة أستطيع أن أستمع لك جيداً،واهتم فعلاً بموعدك. معه.. نريد أن نستبدل كلماتنا واشاراتنا التي معناها «أنا لا أريد أن اسمع منك شيئاً» بكلمات واشارات معناها «أنا أحبك وأحب أن اسمع لك وأحس بمشاعرك» وبالأخص إذا كان منزعجاً أو محبطاً ونفسيته متأثرة ، من خلال مجموعة من الحركات : الاحتضان ، الاحتضان الجانبي ، وأعني به أن يقف أحد الوالدين مع أحد الأبناء بجانب بعضهم وقوفاً ، كما في هيئة المأمومين في الصلاة ، أو جلوساً يمد الأب أو الأم الذراع خلف ظهر الأبن أو فوق اكتاف: ويضع يده على الذراع أو الكتف الأخرى للإبن ويلمه ويقربه إليه، بالإضافة ، ومداعبة الرأس ، ولمس الوجه ، ومسك اليد ووضعها بين يدي الأم أو الأب.. وهكذا.. وعلينا أن نعرف أهمية هذه المشاعر من حاجتنا لها نحن الكبار فكيف بالأطفال الصغار. أما الخطأ الثاني من أخطاء الحوار ، وهو أسلوب «المحقق» أو «ضابط الشرطة».. ومع مشهد ننقله لكم كما هو : جاء خالد لوالده وقال : «أبي ضربني أحد الأولاد اليوم في المدرسة».. ركز أبو خالد النظر في ولده ، وقال «أنت متأكد أنك لم تبدأ بأذيته أولاً» قال خالد «لا والله .. أنا لم أفعل له شيئاً».. قال أبو خالد «أيعقل أن يضربك هكذا من دون سبب ؟!» قال «والله العظيم لما أفعل له شيئاً».. بدأ خالد يدافع عن نفسه ، وندم لأنه تكلم مع أبيه .. لاحظوا كيف اغلق ابو خالد باب الحوار ، لما تحول في نظر ابنه من صديق يلجأ إليه ويشكو له همه إلى محقق أو قاضٍ يملك الثواب والعقاب ، بل قد يعد اباه محققاً ظالماً ، لأنه يبحث عن اتهام للضحية ، ويصر على اكتشاف البراءة للمعتدي .. الأب في مثل قصة والد خالد كأنه ينظر للموضوع على أن ابنه يطلب منه شيئاً.. كأن يذهب للمدرسة ويشتكي مثلاً ، ثم يستدرك الأب في نفسه ويقول : قد يكون ابني هو المخطئ ، وحتى يتأكد يستخدم هذا الأسلوب.. في الحقيقة الابن لايريد شيئاً من هذا ابداً ، إنه لايريد أكثر من أن تستمع له باهتمام وتتفهم مشاعره فقط لاغير.. الولد يريد صديقاً يفهمه لاشرطياً يحميه ، ولذلك يبحث الابناء في سن المراهقة عن الصداقات خارج البيت ، ويصبح الأب معزولاً عن ابنه في اخطر مراحل حياته ، وفي تلك الساعة لن يعوض الأب فرصة الصداقة التي اضاعها بيده في ايام طفولة ابنه ، فلا تضيعوها انتم. اسلوب المحقق يجبر الطفل أن يكون متهماً يأخذ موقف الدفاع عن النفس ، وهذه الطريقة قد تؤدي إلى اضرار لا تتوقعونها.. أسلوب المحقق قد يؤدي إلى الكذب الذي قد يصبح صفة من صفات الأبناء بسبب الآباء.