قال الله تعالى في سورة البقرة :«ويسألونك عن المحيض قل هو أذىً فاعتزلوا النساء في المحيض، ولاتقربوهن حتى يطهُرن فإذا تطهَّرن فأتوهنّ من حيث أمركم الله، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين»..وقال سبحانه في سورة التوبة: «والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل، وليحلفن إن أردنا إلاَّ الحسنى، والله يشهد إنهم لكاذبون، لاتقم فيه أبداً، لمسجدٌ أسس على التقوى من أول يومٍ أحقُّ أن تقوم فيه، فيه رجالٌ يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين» فلماذا أورد الله تعالى في أية البقرة « ويحب المتطهرين» وقال في آية التوبة « يحب المطهرين» عن ذلك أجاب الدكتور/ فاضل صالح السامرائي في كتابه «بلاغة الكلمة في التعبير القرآني» ضمن دراسات بيانية في الأسلوب القرآني: إن الآية الأولى في الطهر من الحيض والتطهر منه، وهو متكررمتطاول في العمر، فجاء به على صيغة الفك لأنها أطول.. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن التطهر في الأولى أمرٌ بدني بالنسبة إلى النساء والرجال، فالنساء ينبغي أن يتطهَّرن من الحيض، والرجال ينبغي أن يعتزلوا النساء حتي يتطهَّرْن..وأما الآية الثانية، فالتطهر فيها منظور إلى التطهر القلبي أولاً، ذلك لأنها نزلت في المنافقين الذين أتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله، وهذا فساد الباطن وسوء السريرة، ودنس القلب، وقد قال الله تعالى فيهم وفي أضرابهم من المنافقين في سورة البقرة: « في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضاً» فأمر الله رسوله بترك هذا المسجد، وعدم القيام فيه وطلب منه القيام فيما أسس على التقوى.. ثم ذكر بإزاء أولئك المنافقين أصحاب القلوب الدنسة رجالاً آخرين، وهم أصحاب القلوب الطاهرة المنيبة إلى ربها فقال تعالى في سورة التوبة «فيه رجالٌ يحبون أن يتطهروا، والله يحب المُطَّهِّرين» ومعناه: أنه يحب الذين يبالغون في التطهر. فاستعمل التطهر في الآية الأولى- أعني آية البقرة - للبدن، واستعمله في الآية الثانية في سورة التوبة للقلب وهو أبلغ.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن الآية الأولى في عموم المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وأن الثانية في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعمل الأبلغ للصحابة لأنهم أكمل الناس طهارة ظاهراً وباطناً.. واستعمل الصيغة الطويلة في المدة المتطاولة. وقد تقول، ولكن الله قال: «فيه رجالٌ يحبون أن يتطهروا» فجاء بالفعل مفكوكاً ولم يقل: «يطَّهَّروا».. ونقول: إن الله جمع لهم بين التطهرين : التطهر في القلب، والتطهر في البدن وذلك أبلغ، وأمدح من أن يذكرهما بنوع واحد، فإنه يحب المتطهرين جميعاً.