هاهي الدهور تدور بخير الشهور وأحبها عند أهل الصيام، فيحط رحاله في موعده من عمر الزمان ضيفاً على خير أُمة أخرجت للناس، فهو خير ما أظلها وأتاها من الشهور، إنه شهر رمضان فيه ليلة هي خير ليالي الزمان، من وفقه الله تعالى لقيامها كان كمن عبدالله جلَّ وعلا ألف شهرٍ، وأخير أي مايساوي عبادة 83 سنة ونيٍّف، وهو مايفوق متوسط أعمار أبناء أمة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وهو قد قال:«أعمار أمتي مابين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك» عن أبي هريرة/ أخرجه الترمذي. وإنَّ حال أُمته مع من سبقها من أُمتَيْ اليهود والنَّصارى في الفترة وفي الأجر وكما ورد في الحديث الصحيح «إنما أجلكم فيما خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغارب الشمس» عن ابن عمر/ أخرجه مالك/ الترمذي. وضرب المثل بأنَّ أمة اليهود استؤجرت للعمل من غدوةٍ إلى نصف النَّهار على قيراط قيراط فقبلت وعملت، وأن أمة النصارى استؤجرت للعمل من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط فقبلت وعملت، وعن ذلك العمل والأجر يقول صلى الله عليه وآله وسلم: «فغضبت اليهود والنصارى وقالوا مالنا أكثر عملاً وأقل عطاءً؟ قال: هل ظلمتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء» عن أبي عمر/ أخرجه أحمد/ البخاري، والفضل من الله تعالى هو مازاد عن مايستحقه العبد نسبة إلى عمله، أو الأمة نسبةً إلى عملها، والفضل عند البشر هو مازاد عن حاجتهم فأحقوا به غيرهم، ومما سبق نعلم أن الله جل وعلا أعطى لكل أمةٍ من الفضل مايوازي حسن استجابتها لأمره، واتباعها لرسله، فكان ذروة عطائه وإكرامه لخاتمة الأمم لتفوق من سبقها في الأجر ولاتتساوى أمة معها في الفضل، فجعل الأصلاب تدور بخير خلق الله نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وخير القرون قرنه، وخير الأمم أمته، كما جعل الدهور تدور بخير الشهور رمضان، وخير الأيام الجمعة وخير الليالي ليلة القدر، وخير الأديان الاسلام وخير الشرائع الحنيفية السمحاء، وخير الكلام القرآن الكريم، وكل هذا الفضل والعطاء في ميزان نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمته خير كثير ولأنها أمةٌ لم تشترط على نبيها لتؤمن كما فعلت أمة اليهود وقولهم لموسى عليه السلام «لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرةً» وكما فعلت أمة النصاى وقولهم لعيسى عليه السلام «هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء» أعاذنا الله تعالى من ذلك، أو أن نكون كذلك، ولذا فمن سبقنا من الأمم صاموا أياماً، ليس لها من الأجر والمكانة كما لشهر رمضان والذي جعله الله تعالى من نصيب نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمته، وجعل صيامه ركناً من أركان دينه الحق الإسلام ولهذا فقد فصَّل وبيَّن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لأمته كيف تتعاطى مع الشهر الكريم صوماً وفطراً وأن استقباله يكون من تحري رؤيه هلال شعبان فقال: «أحصوا هلال شعبان لرمضان» عن أبي هريرة/ أخرجه البيهقي/ ونهى عن تحديد يومٍ أو تاريخ محدد للصيام في معزلٍ عن الرؤية «ولاتستقبلوا الشهر استقبالاً» عن ابن عباس/ أخرجه النسائي. وهو ماوقعت فيه بعض الدول العربية المغربية، فكانوا يكملون شعبان ثلاثين يوماً ويصومون هكذا على الدوام، وهذا مخالف لهديه، وهو قد أمرنا باعتماد الرؤية وأن تكون جزءاً من عبادتنا فقال: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، وأنسكوا لها» عن رجالٍ من الصحابة/ أخرجه أحمد/ النسائي. كما نهى أمته عن صيام يوم الشك فقال: «صوموا من وضحٍ إلى وضح» عن والد أبي المليح/ أخرجه الطيالسي. فيكون صياماً لاتقديم فيه ولاتأخير، ولكن العمل بالرؤية، فإن حال دونها السحاب يكون إكمال الشهر ثلاثين يوماً صياماً وفطراً.. ومع كون نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أكثر مايصوم من الشهور بعد رمضان شعبان فإنه يقول لأمته «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يكون رمضان» عن أبي هريرة/أخرجه أبو داؤود/ النسائي/ لأن أمته لاتطيق من الأعمال كما يطيق هو، وكذلك ليكون لصيام رمضان، روحانيته ومكانته، وللمسلم القدرة على الصيام دون مشقة أو كلل.