إن خير ليالي الزمان هي ليلة القدر، وقد جعلها في ميزان نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمته خيراً كثيراً، واكتسبت ليلة القدر خيريتها بما أنزل الله تعالى فيها القرآن الكريم من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا فامتد الخير منه إليها ولما جاورها من أيام وليالي شهر رمضان كله، والذي تعبد الله تعالى عباده فيه بالصيام وأوعدهم الريان، باب من أبواب الجنة الثمانية لايدخله غيرهم، ومن أدى ماعليه وأكثر من الصيام وألزم نفسه بآداب وأحكام الإسلام، قبل الله تعالى فيه شفاعة الصيام، فتجاوز عنه وأكرم وفادته وغفر له إساءته، فكان له مالغيره من صفوة الصائمين، وإن من فضائل الصيام التي ينالها من صام يوماً واحداً في سبيل الله تعالى دعوةً إليه باللسان أو بالسنان هو مابينه نبينا صلى الله عليه وآله وسلم «من صام يوماً في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا» عن أبي سعيد/أخرجه/ البخاري/ مسلم. وعن موقع ليلة القدر في ليالي الشهر كله يقول نبينا صلى الله عليه وآله وسلم «التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في وتر، فإني قد رأيتها فنسيتها» عن جابر/أخرجه الطبراني ونجد في أحاديث نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أنه أراد أن يخبر أمته بها لتلتمسها ولكن أنسي أمرها مرتين، المرة الأولى حين تلاحا رجلان من المسلمين فانشغل بأمرهما ونسي أمرها، والمرة الثانية حين أيقظه أهله من نومه، والله تعالى يوحي إليه بها، فكان بذلك الايقاظ والانقطاع، وهذا مما أراده الله تعالى لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الخير والإكرام ليحصل الاجتهاد في العبادة، فلا يحرم من خيرها وفضلها إلا محروم، وذلك الخير والفضل يساوي عند الله تعالى عبادة ألف شهر وأخير، وعطاء الله تعالى لعباده يكون من جنس ماقدموه لأنفسهم من طاعات وقربات، فلأنهم في ليلة القدر في صلاة وقيام وذكر وقرآن ودعاء وإحسان..والعبادة مشتملة على هذه الأعمال كلها فإن الله تعالى يضاعفها أضعافاً كثيرة، لتبلغ ستين ألف ضعف وأكثر «والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم «261» البقرة ولأن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم رؤوف رحيم بكل مؤمن ومؤمنة من أمته. فهو كذلك حريص على أجورهم فقد بين أن ليلة القدر هي ليلة ال 27 من رمضان فقال «التمسوا ليلة القدر ليلة سبع وعشرين» عن معاوية أخرجه الطبراني وذلك التحديد له أسبابه فقد رأى في منامه في الأيام الأولى لرمضان أنه كان يسجد في صبح ليلة القدر في ماء وطين ورؤيا الأنبياء حق وهي من الوحي..فصعد في أيام وليالي رمضان حتى كانت ليلة 27 رمضان وفي صبحها هطل مطر غزير على المدينة المنورة فابتلت أرضية المسجد النبوي بالماء فصلى الصبح بالمسلمين..وكان يسجد في ماء وطين وإن من خصائص ليلة القدر الكونية وماقدره الله تعالى فيها لأهل طاعته أنها «سلام هي حتى مطلع الفجر» سورة القدر وفي ذلك يقول نبينا صلى الله عليه وآله وسلم:« ليلة القدر ليلة بلجة لاحارة ولا باردة ولايرمى فيها بنجم، ومن علامة يومها تطلع الشمس لاشعاع لها» عن وائلة أخرجه الطبراني ومعنى بلجة: أي أنه لايكون فيها مايكدر صفو أهل الصيام والقيام من حر وبرد أو رعد وبرق أو ريح وعواصف، وأن الملائكة وفيهم الروح أي جبريل عليهم السلام يملأون الأرض فيعم بوجودهم السلام أرض وأهل الإسلام، وأن آخر ماينبلج عنه صحبها أن الشمس تطلع لاشعاع لها فلا يؤذى العين مرآها «تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء» عن ابن عباس اخرجه البيهقي أي أنها تكون برداً وسلاماً على العين التي تحرق فيها وكأنها على وشك الغروب. والمعني في قوله تعالى «سلام» معنى يشمل كل مايدخل في هذا التعبير من السلام والأمان والراحة..الخ والله أعلم.