من أجل الإبقاء على النفس البشرية واستمرار وجودها شرع الإسلام أموراً كثيرة : منها أنه أوجب على الإنسان أن يزود النفس باسباب بقائها واستمرارها من تناول الطعام والشراب وتوفير اللباس والمسكن حتى لايعرض نفسه للضرر البالغ الذي قد يفضي به إلى الهلاك وإن قصّر في ذلك فهو آثم ، ومن هنا جاء انكار القرآن الكريم على حرمان النفس من حقوقها بقوله تعالى : «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق» وفي الأمر بإعطاء النفس حقها من الطعام والشراب ، يقول تعالى : «يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات مارزقناكم واشكروا الله ان كنتم إياه تعبدون» ويقول جل وعلا : «يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين». ومن أجل عصمة النفس البشرية وتأمينها من الاعتداء ، أوجب الإسلام على الدولة إقامة احكام الشرع وإقامة أجهزة الضبط والقضاة والشرطة وما إليها من الأجهزة التي من شأنها أن تحفظ الأمن وتصون النفوس وتحميها من نوازع الشر والإجرام التي جبلت عليها بعض النفوس التي تفتقر إلى وازع الدين ورادع التقوى ، فلو تركت الأمور بغير سلطة تنظمها لعمت الفوضى وانتشر الفساد وأزهقت الأرواح وتعذرت الحياة. قال العلماء : والذي يلزم الإمام عشرة أشياء ، منها حماية البلاد وصون النفوس والحرمات وإقامة الحدود وحفظ الحقوق وتحصين الثغور. وكما حافظ الإسلام على الوجود المادي للإنسان بتوفير أسباب العيش ، حافظ على الوجود المعنوي ، وذلك بتوفير أسباب الكرامة والمحافظة عليها من الاعتداء لابالسب والقذف ونهش الأعراض والتشنيع على الناس بما ليس فيهم ، يقول تعالى : «والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا». ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ ، ويقول : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر». ومن المقومات المعنوية التي كفلها الإسلام للإنسان الحقوق العامة والحرية الشخصية والدينية وحرية الفكر والرأي والتعبير ، فالإسلام وهو دين الفطرة والواقع ، يقر بأن التفكير طبيعة جبل الإنسان عليها ولذلك أكد حقوق الإنسان فيها ، يقول تعالى : «الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض». وقد جعل الإسلام مصلحة النفس مقدمة على مصلحة الدين، فصحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان ، ومن هنا شرعت الرخص للإنسان كالتيمم للصلاة وقصر الصلاة في السفر والفطر في رمضان للمريض والمسافر ونحو ذلك. الدين غاية والعبادة هدف والجسم هو المطية الموصلة إلى تلك الغاية فاذا هلكت المطية تعذر بلوع الهدف. ومن هنا جعل الإسلام حرمة النفس الآدمية مقدمة على حرية المال ، فمن اضطر إلى الأكل من مال غيره أو ثمرة إبقاءً على حياته كان له ذلك في حدود ما يدفع الضرر عنه ويبقى على حياته ، ولهذا لم يقم الخليفة عمر بن الخطاب الحد على من سرقوا عام المجاعة لأنهم إنما فعلوا ذلك ابقاء على أنفسهم لا لذات السرقة ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : لا قطع في مجاعة مضطر. وقد أوجب الإسلام الزكاة ومافوقها إذا لم تكف مواردها لسد حاجة الفقراء وتوفير الكفاية التي تصال بها حياتهم ، ولقد أسند عمر رضي الله عنه إلى أسرة مسلمة غنية إعالة أسرة فقيرة عام المجاعة تجسيداً لهذا المعنى.