لم تكد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م تقف على قدميها حتى تبعتها ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م في الجنوب المحتل من الوطن حيث تعانقت الثواتان ومثلتا امتداداً واحداً يقف ضد عدو مشترك، الإمامة في الشمال والاستعمار في الجنوب اللذين لم يكن لهما من هَمْ غير جعل الوطن اليمني وشعبه المغوار يعيش في ظلام دامس منعزل عن العالم، لايرى بصيصاً من نور، ويرزح تحت نيرهما. فلم يستسلم الشعب اليمني لهذا الظلم والتخلف، بل ثار مراراً وتكراراً إلى أن قضى على الإمامة ومخلفاتها والاستعمار وعملائه..محققاً النصر العظيم الذي يجني ثماره اليوم من المنجزات والتطورات التي شهدها الوطن اليمني خلال ال «45» سنة الماضية لتضفي طابعاً جديداً على معالم الحياة ونمط العيش..وكما كان لثورة السادس والعشرين من سبتمبر أنصار ومساندون من كل الفئات كذلك حظيت ثورة الرابع عشر من أكتوبر بالدعم الشعبي. وكان الشعر والشعراء أكبر مساند للثورة اليمنية على امتدادها مشيداً بمنجزاتها ومتغنياً بالمتغيرات الحياتية المعيشية، وبالانتصارات التي جعلت الشعب ينتصر فيها على نفسه وعلى أعدائه في كل المنعطفات التي واجهته خلال اسنوات الماضية..فهذا الشاعر محمد سعيد جرادة يتغنى بانتصار ثورة 14 أكتوبر المجيدة حيث يقول: أكتوبر المجيد في عيدك السعيد كتبت شعر الفخر والإعزاز والتجيد ومسرح الثورة والثوار في يوبيله الجديد كتبت للشباب والشيوخ والأطفال إلى اليمانيين العظام في الجنوب والشمال ملحمة النضال وسيرة الأبطال حروفها سيارة من عدن إلى أزال وهذا الشاعر لطفي جعفر أمان يتغنى بجلاء آخر جندي بريطاني عن بلادنا في ثلاثين نوفمبر 1967م بعد ثورة عارمة ذاق فيها المستعمرون كل أنواع المقاومة حتى أصبحت الأرض تلتهب تحت أقدامهم فلم يجدوا لها موطئ قدم واحد في كل أرض بلادنا الشاسعة حيث ضاقت بهم الأرض رغم اتساعها، لأنها ليست أرضهم وهي أيضاً ترفضهم كما رفضهم أبناؤها، فكان أن تم جلاؤهم تحت ضربات الثورة والثوار وتجلى الصبح على أرضنا بعد طول الكفاح ولأول مرة..حيث قال لطفي جعفر أمان بهذا الصدد قصيدته «بلادي حرة»: على أرضنا بعد طول الكفاح تجلى الصباح..لأول مرة وطار الفضاء طليقاً رحيباً بأجنحة النور ينساب ثره وقبلت الشمس سمر الجباه وقد عقدوا النصر من بعد ثورة وغنى لنا مهرجان الزمان بأعياد وحدتنا المستقرة وأقبل يزهو ربيع الخلود وموكب ثورتنا الضخم إثره.. ويقول أيضاً في موضع آخر من قصيدة أخرى هي «في موكب الثورة» بعد أن صوّر لنا كيف دخل الكابتن هينس وقراصنته غازياً لبلادنا بسفنه الحربية، وكيف وجد مقاومة شعبية ضارية، وكيف قدم شعبنا الشهداء عبر الكثير من التضحيات التي رافقت حركة المقاومة الشعبية ضد الوجود الاستعماري البريطاني حتى قامت الثورة المسلحة في الراع عشر من أكتوبر وزحف جميع أبناء الشعب لقتال المستعمرين لإخراجهم من أرضنا وكان النصر حليفنا: .... وانتفض الزمان دق الساعة الأخيرة فاندفعت جموعنا غفيرة..غفيرة تهز معجزاتها في روعة المسيرة وجلجلت ثورتنا تهيب بالأبطال: الزحف يارجال الزحف والنضال فكلنا حرية تحنٌّ للقتال .. وكذلك الشاعر عبدالعزيز المقالح لم يكن غائباً، فقد كان موجوداً وباستمرار في كل منعطف من منعطفات الثورة راوياً قصة الجلاء الذي شقت طريقه الثورة ثورة 14 أكتوبر، ولولا هذه الثورة المجيدة التي أشعلها الثوار أبناء الجنوب وشاركهم فيها أبناء الشمال، من أبناء اليمن من كل مناطقه ومدنه، لما كان جلاء الاستعمار ولولا التضحيات الكثيرة ولولا سقوط الشداء متمرغين بدمائهم ولولا نيران الثوار التي فتحوها على المستعمرين لما تحقق هذا الجلاء، إذ يقول الشعر عبدالعزيز المقالح في قصيدته «الجلاء والشهداء» في الذكرى الأولى لجلاء القوات البريطانية عن عدن: هذا هو الجلاء.. فلتكتبوا على النجوم..في السماء قصته قصة زحفنا الطويل لتكتبوا قصة كل الشهداء لتحفروا على صحائف الأحداق..في القلوب حكاية الأبطال في الجنوب لكي تمدُّنا بالحب والضياء لكي تظل في حياتنا..أغنية انتصار تحملها الجدات في غد حفية التذكار من دار لدار ويقول في موقع آخر من القصيدة متحدثاً عن الشهداء ومذكاً، لأنهم هم الذين رووا بدمائهم الزكية تاريخنا المضاء مشعلين أرواحهم من أجل أن نحيا حياة حرة كريمة: حين نصير كلنا أحرار لابد أن نذكرهم أن ننحني على قبورهم أولئك الذين بالدماء قد نسجوا تاريخنا المضاء وأشعلوا أرواحهم في الطرقات في البيوت من أجلنا... أما الشاعر عبدالله هادي سبيت، فقد كان شعلة من التحريض للثورة ضد الاستعمار ماجلبه للشعب من فقر وجهل ومرض وماغرسه بين أبناء الشعب من أحقاد وضغائن وفساد وفتن، حيث قال: ياليل هل لك من صباح يرتجى أم سوف نحيا في ليالي النائي ياليل قل للحاكمين بأننا نحيا حياة الجهل والأدواء والفقر أودع في النفوس حزازة وضغائناً أمضى من الضراء إنا نطالب بالحقوق وإنها أقوى من الإرهاب والإغراء أفكل من رام الحقيقة مفسد؟ كلا ولا من رامها بمنائي أين الدوائر والنظام وأين من عيني صولة مجلس الوزراء؟ أين القضاء الحر في أحكامه؟ أمسى ضحية ثورة الأهواءأين التساوي في الحقوق وإنه منهاج ملة أرحم الرحماء ثم يوجه صرخة مدوية لها دلالات عميقة معبرة عن الرفض للانكسار والتخاذل أمام المحتلين والطغاة: حتى متى ياقومنا نحيا حياة الخاملين؟ البرق يضحك من تخا ذلنا على مر السنين والسحبُ تندبنا وتركب قومنا الدمع السخين والرعدُ يخطبُ كي يثير العزم في أهل اليقين والشمس تكشف سرنا بين الملأ في كل حين ويثير الشاعر عبدالله هادي سبيت حماسة الشعب محرضاً إياه على الثورة وركوب الخطوب، منبهاً من أن وعود الاستعمار هي كاذبة وهي كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماءً، فما إن يصل إليه لايجد شيئاً..وهكذا هي وعود الاستعمار، ويقول في هذا الصدد: حتى متى نرضى بالهوان ونحسي كأس المذلة من أثمٍ جاني ماضاع حق طالبوه قد امتطوا ظهر الخطوب بمهمة وتفاني طعم المنية نحو تحقيق المنى كالشهد بل كحلاوة الإيمان لاتخدعنكم الوعودُ فإنما هي كالسرابِ خديعة الظمآن