شعراء اليمن على امتداد مراحل النضال الوطني، جنود في معركة الشعب، شهداء في سبيل عزته وكرامته؛ إذ لم يقدم شعب من أدبائه وشعرائه ومثقفيه من أجل التحرر مثل ما قدم اليمن.. فلم يسطّروا الكلمة بالمداد فحسب، وإنما بالدم وأنفاس الحياة. ولقد كان لتجمع الأحرار والمثقفين في مدينة عدن بداية الأربعينيات وتأسيس حزب الأحرار والجمعية اليمانية الكبرى، والتفاف كثير من الوجهاء والتجار والمشايخ حول تلك الطليعة الحرة أثره الكبير في إشعال روح المقاومة ضد الإمامة والتفكير في الثورة ضد الظلم والجبروت، تلك المقاومة التي بدأت بالتوعية عبر الكلمة الصادقة في الصحف وفي المساجد وفي النوادي، كما كان للشعر وهو محور حديثنا دور بارز في إذكاء روح النضال الوطني محمد سعيد جرادة وقد كان الشاعر محمد سعيد جرادة واحداً من الشعراء الأكثر جرأة وإجادة في تصوير واقع الإنسان اليمني وحاله مع المستعمر.. أرضي وفيها طعنة مسمومة تدمي فؤاد الشاعر المتألم فيها القراصنة اللئام صلاتهم بشريعة الغابات لم تتصرم حمر الوجوه مشوهون كأنما نبتت جسومهم بأرض جهنم إدريس حنبلة وأما إدريس حنبلة فقد كان الشاعر الثائر على الدوام: صيحاتنا الكبرى غدت أنشودة الأحرار والدنيا كفاح مبدع شعب أفاق من المنام مودعاً عهد الخمول، فثم بعث أروع سل حميراً سبأً معيناً تبعاً أجدادنا عمروا السدود فأبدعوا نحن - اليمانيين - أعرق دوحة عربية ولنا المقام الأرفع وفي مقطع آخر يقول متوعداً ذلك المستعمر: يا ويلهم صحت الشعب وزمجرت تيارها كالسيل لا يتمهل كما صور المستعمرين لصوصا ومجرمين حيث وصفهم بالوصف نفسه الذي سبق في أبيات جرادة: المجرمون الحمر في أوكارهم كاللص في جنح الدجى يتسلل. لطفي جعفر أمان ويأتي ثالث أولئك الشعراء: “لطفي جعفر أمان” الذي عاد إلى وطنه اليمن من السودان الشقيق، الذي ذهب للدراسة فيه، ليجد إنسان وطنه مقهوراً مضطهداً ليصف مشاعره: وكأنني كل الذنوب وهذه الدنيا عقاب فكانت قصائده التي يذود بها عن العمال واضطهادهم من قبل الاستعمار من أجمل قصائده على أن أجمل قصائد أمان التي جاءت في وصف المستعمر قصيدته “من أنت؟ إلى صاحب السيجار المستعمر” يقول أمان: يقول لي: من أنت؟! وترنو باحتقار! وتنفث البصقة من سيجار وتمتطي نظرتك الحمقاء أوهام الفخار.. مهلاً ستدري من أنا!! أنا الذي رفعت في خضمنا الشراع فأقلعت سفينتي ماردة القلاع لو كنت تدري من أنا...!! أنا انبعاث يتمطى من قبور الأعصر مزمجراً كالقدر يمزق السدوف في انطلاقه المدمر ويزرع الضياء في أحداق فجري الأخضر...!! فجر بلادي الصامدة فجر بلادي الصاعدة فجر بلادي الخالدة فتزهر الشموس في آفاق أرضي الواحدة لو كنت تدري من أنا..!! ويعمد المستعمر إلى نفي بعض الشخصيات المقاومة، فيهب الشعر لمقارعته والاستخفاف بأساليبه، يقول جرادة: انفوا الكماة الشوس من أوطانهم فالنفي للحر الكريم حياةُ واستعملوا العنف الرهيب وشددوا فينا الخناق فللوعيد مماتُ ولتخنقوا الوعي الوليد بشره فالوعي في دنيا الشعور نواةُ ولتنشروا الإرهاب فينا إننا شعب له في التضحيات صلاتُ بثوا العيون ووزّعوها خفية ما فاز في دنيا العيون وشاةُ المقالح وعند خلاص الإنسان اليمني من المستعمر بجلاء آخر جندي بريطاني من جنوب الوطن في 30نوفمبر 1967م يخلد الشعر ذلك اليوم التاريخي المشهود ومن ذلك قول الدكتور . عبدالعزيز المقالح: هذا هو الجلاء فلتكتبوا على النجوم في السماء قصته.. قصة زحفنا الطويل لتكتبوا قصة كل الشهداء لتحفروا على صحائف الأحداق في القلوب حكاية الأبطال في الجنوب لكي تمدنا بالحب والضياء لكي تظل في حياتنا أغنية انتصار تحملها الجدات في الغدير حفية التذكار من دار لدار رحم الله شعراءنا الذين رحلوا إلى دار الخلود وأطال في عمر من بقي يشاهد نتاج هذا التحرر المتوج بالوحدة الوطنية التي نعيش نحن شباب اليوم في ظلها على أحسن حال.