توفي أبو طالب، ثم توفيت خديجة رضي الله عنها خلال أيام معدودة، فاهتزت مشاعر الحزن والألم في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم تزل تتوالى عليه المصائب من قومه، فإنهم تجرأوا عليه وكاشفوه بالنكال والأذى بعد موت أبي طالب، فازداد غماً على غم، حتى يئس منهم، وخرج إلى الطائف رجاء أن يستجيبوا لدعوته، أو يؤوه وينصروه على قومه، فلم ير من يؤوي ولم ير ناصراً، بل آذوه أشد الأذى، ونالوا منه ما لم ينله قومه، وكما اشتدت وطأة أهل مكة على النبي صلى الله عليه وسلم اشتدت على أصحابه حتى التجأ رفيقه أبوبكر الصديق رضي الله عنه إلى الهجرة عن مكة، فخرج حتى بلغ برك الغماد، يريد الحبشة، فأرجعه ابن الدغنة في جواره. قال ابن اسحاق: لما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه تراباً، ودخل بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي، ورسول صلى الله عليه وسلم يقول لها: «لا تبكي يا بنية فإن الله مانع أباك». قال: ويقول بين ذلك: «ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب». ولأجل توالي مثل هذه الآلام في هذا العام سمي ب"عام الحزن" وعرف به في السيرة والتاريخ.