بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    برباعية في سيلتا فيجو.. برشلونة يقبل هدية ريال مدريد    هل يجرؤ مجلس القيادة على مواجهة محافظي مأرب والمهرة؟    العسكرية الثانية تفضح أكاذيب إعلام حلف بن حبريش الفاسد    صدام وشيك في رأس العارة بين العمالقة ودرع الوطن اليمنية الموالية لولي الأمر رشاد العليمي    الأربعاء القادم.. انطلاق بطولة الشركات في ألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    غارتان أمريكيتان تدمران مخزن أسلحة ومصنع متفجرات ومقتل 7 إرهابيين في شبوة    إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثيين بمدينة نصاب    عدن.. هيئة النقل البري تغيّر مسار رحلات باصات النقل الجماعي    دائرة الرعاية الاجتماعية تنظم فعالية ثقافية بالذكرى السنوية للشهيد    العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    الدوري الاسباني: برشلونة يعود من ملعب سلتا فيغو بانتصار كبير ويقلص الفارق مع ريال مدريد    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    عين الوطن الساهرة (1)    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزكاة التباس المفهوم وغياب الوازع
أوجاع على ضريح الفريضة الغائبة
نشر في الجمهورية يوم 10 - 10 - 2007

بإمكانك أن تفتح موضوع الزكاة مع أي كان لتكتشف الخلط الفادح في أذهان الناس بين مفهوم الزكاة ومفهوم الصدقة حتى أن الأولى أصبحت الاستعمال الغالب لمقصود الأخرى علماً أنه لا يسمى زكاة إلا المال الذي يخرج إلى خزينة الدولة أو بيت مال المسلمين عند بلوغه النصاب المعلوم في الشرع وأن يكون قد حال عليه الحول.. وماعدا ذلك فهو صدقة وبابها مفتوح بل مستحب لكنها حلت محل الزكاة في أذهان أغلب المكلفين وكذلك عامة الناس.
ومن المؤسف أن الفهم هذا وارد حتى بين أوساط كثير من المتدينين الذين قد لايخلط بعضهم المفهومين «الصدقة والزكاة» إلا أن اللبس يقع من كثير منهم في مسألة إلى أين تسلم الزكاة.
وبسبب واقع التدافع السياسي الذي يمتلك أجنحة من العلماء والإفتاء نشأ رصيد غير محمود عند كثير من الفرق يقوم على جواز عدم تسليم الزكاة للدولة بل إن البعض قد يذهب إلى تحريم تسليمها للدولة إن لم تكن وفق مواصفات معينة، في حين استبدلت جماعات أخرى الزكاة بقوالب أخرى كالخمس وصولاً إلى واقعنا الراهن الذي برزت فيه التعددية الحزبية بما أفرزته من فتاوى تصب في جواز دفع الزكاة إلى جمعيات الحزب بدلاً عن صندوق الواجبات.
والمعضلة قديمة جداً و إن أول عملية ارتداد في المجتمع الإسلامي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في موضوع الزكاة فحالت الوقفة الحازمة للخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه دون تمرير تيارات الهوى التي حاولت تفسير مفهوم الزكاة بغير حقيقته إما بالامتناع عن أدائها أو بأدائها وفق الأهواء والأمزجة وليس وفق الشرع.
من هنا كانت حرب الردة التي استمرت زهاء سنوات ثلاثة وأطلقت تسمية المرتد على كل من امتنع عن أداء الزكاة للدولة تماماً كما أطلقت على أدعياء النبوة.
وتذكر المصادر والسير أن كل من حاول دفع الزكاة لغير بيت مال المسلمين في تلك الفترة سمي مرتداً، وكان الكثير من المرتدين قالوا: نأخذها من أغنيائنا لفقرائنا دونما ضرورة لدفعها للدولة ولعمري ولو تم قولهم لما استطاعت دولة الخلافة أن تفتح مشارق الأرض ومغاربها وأن يقف نظام الشرع على قدميه ويبسط أمنه وعدله على أرجاء واسعة من الأرض.. كما تذكر المصادر أن أفضل عهود الرخاء كانت حينما تدفع الزكاة على وجهها الصحيح كما تم على عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه حتى أن الصدقات كانت توضع في الطريق عسى أن يمر محتاج ويصبح الناس في اليوم التالي فإذا المبالغ أكثر مما كانت عليه.
وهذا هو المفترض في المجتمع الإسلامي أن يكون ثرياً كله دافعاً للزكاة فقد اقترنت آيات الكتاب الحكيم التي تأمر بإقامة الصلاة بأمر إيتاء الزكاة وكأن نسبة دافعي الزكاة في المجتمع هي الغالبية والأقلية هم فئة المستحقين ذلك أن الله تعالى لم يشرع لعباده أمراً إلا وفيه خيرهم فكما فرض الإسلام نظام حياة فإنه قد كفل له المورد الضامن لرقيه الاقتصادي متمثلاً في الزكاة والوقف حاضاً على التجارة ومحرماً للربا والقمار وكافة أشكال الاحتكار والتحايل حاثاً على التكافل والصدقات جاعلاً جزءاً من كفارات الذنوب اطعام المساكين وبذلك فإن أي مجتمع في أي قطر في العالم يحكمه شرع الله وتحركه نوازع طاعته ستزدهر تجارته وتنمو زكواته وتقوى دولته حتى وإن لم يكن له موارد طبيعية كالنفط والذهب وماشابه.
انعدام ثقافة الزكاة
وبرغم كون الزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام إلا أنها لم تنل من الاثراء والتذكير إلا جزءاً يسيراً قياسياً بأركان أخرى كالصلاة والصوم وقد أسلفنا أن الشارع الحكيم قد افترض في المؤمن أن يكون دافعاً للزكاة.. وبالتالي يقل «وإيتاء الزكاة» وقد يكون هناك بعض الإثراء والحث من بعض الخطباء على إنفاق الصدقات ولكن أمر الزكاة كفريضة لا كنافلة واجب تسليمها للجهة المختصة في دولة يعتبر الدين المصدر الوحيد لكل تشريعاتها وقوانينها فإن ذلك ضعيف للغاية وكأنه منوط فقط بالدولة،والدول كما هو معلوم منبثقة عن المجتمع فبالتالي فإن المجتمع الذي لايدرك فقه الزكاة تنبثق عنه دولة تجهل واجبها في الحض على الزكاة واخذها طوعاً أو كرهاً.
في واقعنا اليوم أصبح الأمر أكثر سوءاً إذ لم يقتصر التقصير في دفع الزكاة بل امتد إلى التحايل على أملاك الوقف وأملاك الصالح العام والبعض قد يبرر عدم دفعه الزكاة للدولة بوجود فساد في آلياتها ونهب لمواردها في الوقت الذي يترنح فيه الجياع وتمتد مساحة الفقر وبالتالي يكون دفعها للفقراء مباشرة وليس أداؤها إلى خزانة معرضة لنهب الفاسدين، والحق أن كله مردود إذ الزكاة «من اسمها» مثلما هي تطهير لأموال المكلفين وزكاة لهم فإنها أيضاً تطهير لآليات الدولة وقنواتها المالية وزكاة لموظفيها فلو دفعت الزكاة على وجهها المطلوب من كل المكلفين وعلى كل ثرواتهم فلن يوجد فساد ولن يحدث اختلاس للمال العام وابتزاز للمال الخاص وهذا هو سحر الحلال؛وأداء الطاعة ومثوبة العبادة، يصلح الحلال أمور الدنيا والدين فيدر الله البركة وتنتعش مداخل الرزق وتهدأ النفوس،إذ بأداء الزكاة ترتاح نفس الغني وتصفى من كل جشع أو طمع أو خوف كذلك تطيب نفس الفقير والمسكين وذوي الاحتياجات الخاصة لينداح الفائض بعد ذلك كمشاريع عملاقة للصالح العام تزداد بها فرص العمل ويقل شقاء الحياة اليومية للناس وحينما تكتمل مشاريع البنية التحتية تنداح فوائض الزكاة إلى المحرومين من عباد الله خارج البلد ويسخر جزء منها لنشر دين الله وإعمار الأرض وبهذا وحده استطاع العرب ذات يوم أن يكونوا أصحاب مشروع حضاري امتد إلى أعماق القارات وثبت بنياناً راسخاً إلى يوم الناس هذا أقول:« راسخاً» لأنه وإن ضعفت الأمة فإن أعلام الدعوة المحمدية لم تنتكس في أي موقع وصلت إليه اللهم في الاندلس ولذلك أسبابه المتعددة لكنه لايزال أثراً شامخاً ومساجد عصماء.
أسلفنا أنه بأداء الزكاة تصلح أحوال الراعي والرعية وتزكو قنوات المال العام وكذلك قلوب العاملين عليها يتحول المجتمع بعدئذٍ إلى مجتمع تتزايد فيه نسبة دافعي الزكاة وتقل حالات البؤس وتتراجع أهواء الربا والنصب والسرقة والقرصنة وقطع الطريق.
لكن الحادث الآن هو أننا كمجتمع متعلمين وغير متعلمين لم نصل إلى المستوى اللازم توفره في مسألة الزكاة سواء فيما يتعلق بضرورة دفعها إلى خزينة الدولة أو بأهمية الحض عليها أو بآفاق الواقع الذي سوف يتشكل بسببها ويزدهر فلينظر المرء منا إلى من حوله كم عدد الأشخاص الذين لديهم أموال يتوجب الزكاة عنها وكم عدد الذين يؤدونها كاملة للدولة، تكاد نسبة الأثرياء أن تبدو ضئيلة للغاية وأكثر ضآلة منها نسبة الذين يدفعون الزكاة وأقل من هؤلاء الذين يدركون أهمية دفعها للدولة ويؤدونها عن قناعة والتزام.
علماً بأن ذاكرة الناس الشعبية تكاد تجمع على أن المزكين وحدهم هم الذين يمتد فيهم واقع الثراء كابراً عن كابر إلى أن يخلفهم خلف يطيعون الهوى ويتأثرون بفتاوى التساهل، والواقع أن كثيراً من يحرصون على أداء الزكاة ويقومون بأدائها ولكن إلى غير بيت مال الدولة هم حقيقة يدركون أهمية دفع الزكاة لكنهم ينفقونها إنفاق الصدقة ولايفقهون إلزامية دفعها للدولة لكي تسمى زكاة أصلاً، علماً أن الشارع الكريم قد فرض تسليم الزكاة لولاة الأمر وترك للمزكي باباً مفتوحاً للصدقات وذلك لحكمة متعددة الأوجه أحدها إن الزكاة حين تدفع للدولة فإنها بلا شك ستكون من خلال هيئة أو مؤسسة تابعة لها معنية بالزكاة يتولى تحصيلها تماماً كما يضطلع بمواقع صرفها وإنفاقها على الثمانية المصارف التي حددتها الآية الكريمة.
وبالتالي فإن هذه الهيئة المعنية ستكون أدرى بمواقع الحاجة المستحقة للعون من المزكين الذين نجد كثيراً منهم يحول زكاته إلى صدقات لأهل بلاده وقد يكونون أيسر بكثير من آلاف المحرومين في مناطق لاتجد فيها مزكياً واحداً، كذلك إن في تولي الدولة توزيع الزكاة على الفقراء والمساكين حكمة أخرى تتمثل في حفظ ماء مستحقي الزكاة وتجنيبهم الوقوف على أبواب الميسورين علاوة على قطاع من الفقراء أعزة نفس لايسألون الناس ألحافاً.
إن الذي يتجول في أرجاء العاصمة والمدن الأخرى ليؤلمه منظر طوابير المحتاجين أمام بوابات الإحسان، لقد استمرأ الطرفان ذلك استمرأ الغني أن يتزاحم الفقراء ببابه مشكلين له شهرة وهيلماناً واستمرأ المسكين والفقير مواقف الذل على أبواب النعمة ثم لاتسقط كسرة الخبز إلى أفواه الجياع إلا بعد برد وعناء وأيام وليال في حين أن الزكاة ضمان للمجتمع أن يقف مواقف الذل وحائل دون أن تتحول فئة الأثرياء إلى أولياء نعمة وأرباب احسان «فطالما استعبد الإنسان إحسان».
إن واقع غياب الزكاة في مجتمعنا لم يجعل الميسور يأكل لقمته وهو هانئ بل يخفي نعمته ويتخيل أن لعاب الجياع يسيل في صحاف أكله، كذلك فإن المسكين والفقير لايأخذ صدقته وهو راض وماء وجهه محفوظ وكرامته مصونة، وهي في السنة علاوة عن كونها «أي صدقة رمضان» في السنة حسنة، ثم إن سيناريوهات مؤسفة تحدث عندما يغير أحد المزكين أجندة توزيع صدقاته السنوية والفقير بحيث يحرم فقراء كثر كانوا بانتظار صدقاته التي منعت وقطع العادة عداوة.
إلى هذا كله فإن دفع فئة كبيرة من المؤلفين زكواتهم على هيئة صدقات قد فتح الباب أمام مداخل الرياء والاستثمار السياسي والحزبي واستحواذ الفضوليين إلى الحد الذي أصبح معه يحصل عقال الحارات وبعض مشائخ القرى على عوائد أكثر من هذه الصدقات أكثر مما يحصل عليه الفقراء وليس المقصود هنا في هذه التناولة دعوة الناس إلى قطع الصدقات فبالتأكيد « مانقص مال من صدقة».
«والصدقة برهان، وهي تطفىء غضب الرب» كما أنها وسيلة للشفاء من الأمراض لكن المقصود الذي نركز عليه هنا هو أن لاتحل الصدقة محل الزكاة وأن لاتتبرمج عقول الناس وفقاً لهذا الفهم فما لم يدخل إلى بيت مال المسلمين وأنفق على الفقراء أو وزع على الجمعيات الخيرية فليس زكاة البتة، وهذا ليس باباً للاجتهاد والتجويز، ولايحق أن يكون ركناً من أركان الإسلام موضوعاً للإفتاء ولا أن تتذبذب فيه مشاعر التردد والشك فالواجب علينا تحري رأي الشرع مباشرة لا رأي المفتي على الأقل بنفس الحرص الذي نتحرى فيه عن سنن الصلاة ومواقيت الحج.
بكل أسف: نحن في اليمن مجتمع يفتقر إلى ضمير الزكاة وينعدم فيه وازع أدائها وتضمحل فيه دعوات الحث على أدائها بل يتعاون الناس فيما بينهم على توسيع خرق التساهل وإيراد المبررات حتى وصلنا إلى الحال الذي نحن فيه من فقر وعوز وتوتر.
يتناسل الفقر كل يوم ويكثر المعدمون وتزداد حالات التشوه النفسي والخلقي والتفكك الاجتماعي وتهريب الأطفال والتزلف والتملق والتسول في الجولات وفي الميادين والطرقات وفي مواسم عمرة البيت الحرام.
يزداد الفقر وتبيض عيون خلق كثير من ألم الجوع وغلبة الدين وقهر الرجال.
يزداد الفقر رغم ازدياد الجمعيات وتفاخر المحسنين.
يزداد الفقر كلما ازداد بعدنا عن ثقافة الزكاة.
يزداد الفقر ويزداد الفساد ويتهاتك الناس ويتمازقون وتستفحل مشاعر الحرمان والتعاسة والإحباط والزواج السياحي ومشاريع التخفيف من الفقر وشبكات الضمان الاجتماعي.
تغيب الزكاة فيتحول الغلاء جمراً في أمعاء العاجز والضعيف ومحدود الدخل وهؤلاء هم دهماء هذا الشعب وعماته.
تغيب الزكاة لتحل أذون الخزانة وفوائد الربا ومظاهر البذخ والبطر وينشب الفقر أظفاره في صدور الناس يمزق وجوههم ويبعثر عليهم فرص التفكير السليم والزحام المشروع والعصمة والتناصح.
تغيب الزكاة فينشر الفقر غسيله على أرصفة المدن وفي تقارير المراسلين ومؤشرات المنظمات الدولية ويصبح مادة خصبة للهرج السياسي والتنافس الحزبي وإثبات البعض فشل البعض الآخر.
تغيب الزكاة لتحل مظاهر المحق والبخس والإخفاق وتمتد ظاهرة الإفلاس والطفر ونمط الاستدانة وشاكلة المرء السبهلل والمعتوه والنفعي وباسطي الشيلان ومتضرري التزفير.
تغيب الزكاة شاكية إلى الله ألا أحد يحض عليها طالما أن البنك الدولي والدول المانحة وصندوق الألفية والسفارة الأمريكية لايحرصون على الضغط لأداء هذه الفريضة، وفي رأيي أن الدولة التي تقصر عن استخراج الزكاة لاتقل إثماً عن المكلف الذي يتهرب عن أدائها.
إننا كمجتمع حكاماً ومحكومين مدعوون إلى مراجعة النفس وإعادة النظر تجاه قضية الزكاة الذي يعد غيابها أحد أسباب الأوضاع المؤسفة التي نعيشها وهذا مالاتهتدي إليه التقارير الاقتصادية وتحليلات وزارة التخطيط وتقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.
يكفي أن تستخدم الدولة لاستخراج الزكاة والتحري حول تمام أدائها نصف الصميل التي تفرض به أداء المبيعات وباقي الاتاوات والمكوس وضرائب الدخل.
إن لم تكن دافعاً للزكاة وكنت مالكاً دون النصاب فكن على الأقل حاثاً عليها واسأل الله تعالى أن يفتح عليك لتصبح أحد المكلفين.
ذات يوم اجتمع رئيس مركز القرن الحادي والعشرين للتطوير والتنمية بجمع غفير من طلاب الجامعة الذين هبوا لسماع محاضرة منه بعنوان «كيف تكون ثرياً في أسرع وقت؟» لم يقل لهم المهندس أحمد قايد الأسودي إلا شرطاً واحداً: من أراد منكم أن يثرا فليثرا أن يصبح دافعاً للزكاة،وطرح المسألة على سبيل الجزم أنه كل من أراد أن يثرا لكي يصبح مؤدياً للركن الثالث من أركان الإسلام فإن الله سوف يفتح عليه بالفعل ..من منا يهفو لأن يكون مؤدياً للركن الثالث؟
ولم يمض سوى شهر حتى اتصل أحد الطلاب الحاضرين في تلك المحاضرة بالمهندس الأسودي يشكره كثيراً ويدعو له مبلغاً إياه أنه قد حول له إلى أحد فروع الصرافة مبلغ ألف دولار. . ومن مظاهر التباس مفهوم الزكاة عند الناس أصبح شهر رمضان الكريم موسماً أنسب للحديث عن الزكاة برغم كون اداؤها جائزاً طوال العام وقتما حال عليها الحول. . وحول مجهود الحث على الزكاة يبذل مكتب واجبات الأمانة جهوداً ملموسة وإن كانت يتيمة إلا أنه على الأقل يقوم بدوره باعتبار أن أعراض كثير من المكلفين عن دفع الزكاة للدولة آت من جهلهم بواجبية هذه المسألة وليس بسبب العناد أو تعمد المعصية إذن فالمعضلة يتمثل جزء كبير من حلها في تفهيم الناس وتفقيههم وجعل ثقافة الزكاة هماً عاماً يتطوع الجميع في الدعوة إليه والحث عليه مع وضوح تام للفارق بين الصدقة والزكاة كما أنها كانت لفتة حميدة من الفنان الأضرعي الذي خصص للزكاة واحدة من أغاني ألبومه الجديد «اللهم إني صائم» وعموماً فإن شيئاً من التنسيق لابد أن يتم بين مكتب الواجبات في وزارة المالية وكذا وزارة الإدارة المحلية التي تشرف على زكوات صغار المكلفين ووزارتي الأوقاف والإعلام وكذا وزارة التربية والتعليم ليتضافر عمل الجميع باتجاه حث ممنهج ومتصل ومدروس على أداء الزكاة وجعل ثقافة الزكاة وضرورة تسليمها لبيت مال الصالح العام أمراً واضح الملامح وبالغ الأهمية في وعي الرأي العام وتوقعوا بعد ذلك أن تنفرج الأمور وينبثق بصيص الضوء من آخر النفق وإلا فالسفينة ليست على مايرام.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.