أكد الباحث محمد سالم حداد خصوصية الأدب الشعبي اليمني من خلال قراءة ابحر فيها في اعماق الثراء و التنوع الذي اسهم في صياغته حقب طويلة من الزمن وطابور أطول من الشعراء والحكماء. وانطلق الباحث في هذه القراءة مستشهداً بتجربة الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني في كتابه "فنون الادب الشعبي " محللاً كل ما ورد فيه من حكمة وشعر وامثال ومهجل وغيره. و اوضح الباحث في دراسته النقدية الموسومة ب " فنون الادب الشعبي للبردوني(انموذجا) " ان عرضه لهذا الكتاب ونقده لبعض الاشياء لا ينقص من قيمة أو صاحب الكتاب شيئاً بل على العكس لا يحدث الجدل الا على الشيء الثمين ، منوهاً بان جميع كتب الشاعر البردوني تعد عقوداً من اللؤلؤ الثمين. و أشار الباحث في دراسته المقدمة لمهرجان الادب اليمني السادس الذي اختتم مؤخراً بعدن الى تناولات الشاعر البردوني في الفصل الثاني من هذا الكتاب والمعنون ب"حِكم حكيم الشعب علي بن زايد" و الذي أهمل فيه المؤلف الحكيم الكبير الحُميد بن منصور الذي جلجل بحكمه و امثاله في جميع الاصقاع و البقاع و تتداول حكمه و أمثاله أكبر رقعة من الأرض اليمنية .. مستعرضاً بعض نماذج امثال الحُميد بن منصور منها " قال الحميد بن منصور ، ما حد من الموت هارب/ مريت له في المشاطي ، ومر لي في المقارب/. وتحدث الباحث عما احتواه كتاب البردوني في فصله الثالث في فن الزوامل و التي أبدع فيها البردوني ومنها: قالت النبوءات انا قد جيت غارة من بلاد الروم الى شرقي شهارة نقتل الرومي ونعلق نار في راس الجبالة. بالإضافة الى الزوامل التي كان يتغنى بها ساكنو المناطق الجبلية مثل: قال الصليب انا توكلنا ما يقتل الا من له الساعة... الخ متسائلاً عن سبب اقتصار شاعرنا البردوني في هذا الفصل على زوامل منطقة ذمار وما جاورها فيما يشير عنوان الكتاب الى فنون الأدب اليمني بينما اسقط باقي مناطق اليمن الاخرى ؟.. و بين الباحث ان البردوني تناول في الفصل الرابع من كتابه شعر المهاجل و ركز فيه على مهجل / ولو دها ولو دهي/ /ولو دها ولو ديه/ وايضا /شد لك يا خريف * علان صدر بتعريف/ وغيرها من مهاجل الصباح ومنطقة حريب وبيحان .. منوهاً بانه لو عددت المهاجل التي تناولها شاعرنا البردوني فلن تتسع له هذه الدراسة.. واوضح الباحث ان كتاب البردوني تناول في الفصل الخامس الاغاني الشعبية التي كما عرفها البردوني / تختلف عن القصيدة الفصحى في اشارتها او في حدودية ذاتها او في عمق تلميحها الى المأساوية لانها ابتدت تغنيها بنشيج الوداع كما تبوح امثال هذه الاغنية: شاجي معك لاما تزل باجل وابكي عليك لاما املي المواجل. لافتاً إلى ان هذه الاغنية تتطور بتطور المواصلات حيث كان فيما مضى السفر بحراً. واضاف الباحث : كانت اغنيات العشرينات وما قبلها تستودع الطائر اشواق المقيم الى المغترب كما كان الشاعر العربي يودع اشواقه خطرات النسيم كما تفصح هذه الاغنية: بالله عليك يا طير ما مسيقن عضين وجهه لا يجي وينكر. واستغرب الباحث كيف ان البردوني لم يستعرض في كتابه جميع الاغاني الشعبية لما تختلف به مناطق المحافظات في لهجاتها فمثلاً كلمة (ليس الا) يقولها البعض (ما هل) والبعض الآخر (ما فيش) او (ما بش). وفي الفصل السادس اشار الباحث الى ان البردوني تطرق الى تحولات الاغنية الشعبية على يد الشاعر مطهر الارياني باغنية /البالة والليلة البالة/ وكيف نظم الشاعر مطهر عليها قصيده المغناة /والليلة العيد وانا من بلادي بعيد/ والتي غناها الفنان المرحوم علي السمة .ونوه الباحث بما قاله البردوني في هذا الفصل: الشاعر مطهر الارياني استلهم اغنية / فوق الجبل حيث وكر النسر/ من اغنية التمسية في العهد الامامي في عهد الامام يحيى حيث تقول كلمات اغاني التمسية عند عسكر الحراسة والتي كانت تعتبر نشيداً: عسكر طمع والبنادق ورم عسكر طمع فصة لمع لا حيود اسابيل فصه لمع. وبين الباحث ان الشاعر البردوني خصص الفصل السابع من كتابه للأمثال الشعبية وقد قسمه الى عدد من الاقسام منها فلسفة الحياة والاشاعة والحقيقة في الامثال الشعبية وعصير التجارب الشعبية والحس الاجتماعي والعامل الزمني والمال والرجال والمرأة والعادات والاخلاق والثورة والشجاعة والغنى والفقر والنقاوة والكثرة والاصيل والدخيل والامل والاجل و المثوبة والعقاب ونظرية الحكم ومسئولية الكلمة في الامثال الشعبية. و اختتم الباحث دراسته بقوله : رحم الله اديبنا الكبير وشاعرنا العظيم عبدالله البردوني هذا الرجل الذي سخر جل وقته للكتابة الشعبية وللدراسات الجميلة في سائر الكتب التي قرأناها والدراسات التي سمعناها من خلال برنامجه في الإذاعة (مجلة الفكر والأدب).