سيئون.. وقفة احتجاجية تطالب المجتمع الدولي بتنفيذ القرار الأممي الخاص بقحطان    رسميًا.. محمد صلاح يعلن موقفه النهائي من الرحيل عن ليفربول    في اليوم 227 لحرب الإبادة على غزة.. 35562 شهيدا و 79652 جريحا واستهداف ممنهج للمدارس ومراكز الإيواء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    مجلس النواب يجمد مناقشة تقرير المبيدات بعد كلمة المشاط ولقائه بقيادة وزارة الزراعة ولجنة المبيدات    ثلاث مرات في 24 ساعة: كابلات ضوئية تقطع الإنترنت في حضرموت وشبوة!    غاتوزو يقترب من تدريب التعاون السعودي    ترتيبات حوثية بصنعاء بعد إعلان مصرع الرئيس الإيراني وتعميم من "الجهات العليا"    أول تعليق أمريكي بشأن علاقة واشنطن بإسقاط مروحية الرئيس الإيراني    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    مجلس التعاون الخليجي يؤكد موقفه الداعم لجهود السلام في اليمن وفقاً للمرجعيات الثلاث مميز    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    الصين تبقي على اسعار الفائدة الرئيسي للقروض دون تغيير    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    وفاة محتجز في سجون الحوثيين بعد سبع سنوات من اعتقاله مميز    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    مع اقتراب الموعد.. البنك المركزي يحسم موقفه النهائي من قرار نقل البنوك إلى عدن.. ويوجه رسالة لإدارات البنوك    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    بن مبارك بعد مئة يوم... فشل أم إفشال!!    الجوانب الانسانية المتفاقمة تتطلّب قرارات استثنائية    لماذا صراخ دكان آل عفاش من التقارب الجنوبي العربي التهامي    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    أرتيتا.. بطل غير متوج في ملاعب البريميرليج    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    هجوم حوثي مباغت ومقتل عدد من ''قوات درع الوطن'' عقب وصول تعزيزات ضخمة جنوبي اليمن    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فنون الأدب الشعبي البردوني انموذجاً
نشر في الجمهورية يوم 08 - 12 - 2007

الأدب الشعبي اليمني هو أدب متنوع صاغه الشعراء والحكماء الضاربون في الزمن والحقب الماضية التي دونوا فيها من خلال تجاربهم ومآسيهم وأفراحهم وأتراحهم كل هذا الأدب الذي نقرأه ونسمعه في الكتب التي جمعوها ودرسوها كبار الأدباء وكذلك نسمعه في الأمثال الشعبية وفي الحكم وفي القصص الشعبية التي كانت تحكيها لنا الجدات ونتداولها بيننا كأطفال بعد المغرب في العتمة في ضواحي القرى أو في دهاليز أزقة القرى صوت الابل وثغاء الأغنام وخوار الأبقار وتغريد الديكة كل ذلك كان يعطي لنا رهبة أثناء سماع الحكايات وكل واحد منا يلتصق أكثر بأخيه الذي بجانبه خوفاً ورهبة من ظلمة الليل بعد غياب الشفق الأحمر والهدوء التام إلا من نباح أو عواء أو خوار أو ثغاء أو بكاء طفل صغير بينما لم نكن في تلك الأيام وتلك الليالي نسمع صوت ماء أو صوت سيارة أو أزيز طائرة لعدم وجود هذه الأشياء وكنا لانرى السيارات إلا عند ذهاب الحجاج أو بعد رجوعهم لفترة لاتتجاوز الثلاثة أيام أثناء تجميعهم وربط أمتعتهم عند الذهاب أو نزولهم وتفكيك أمتعتهم وقرب الماء والعزب التي يضعون فيها الطحين والسمن والدهن وحتى الكبريت والملح وكنا يومها نتجمع زرافات زرافات حول السيارة الكبيرة ذات الطابقين التي تنقل الحجاج ونغبط من أهلهُ ذاهبين للحج.. عفواً أيها السادة الزملاء ربما جرتني الذكريات إلى الطفولة ولكنني أعتبرها من الأدب الشعبي اعتبر تلك الطقوس طقوس ذهاب الحجيج وإيابهم والختان والفطام وأهازيج رمضان وفرحة الأعياد اعتبرها من صميم الأدب الشعبي.
من هنا ينقسم الأدب الشعبي إلى عدة أقسام:
أولاً: الشعر: فالشعر ينقسم إلى عدة أشياء منها القصيدة وهي تلك التي يصيغها الشاعر تبدأ بذكر الله جل وعلا وتعدد نعمه علينا ويستعيذ صائغها من عذاب النار ويسأل الله جل وعلا أن يجعله من أهل الجنة وأن يغفر ذنوبه ثم يصلي على سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ثم يوجه القصيدة للشخص المعني بها و يستعرض فيها بعض الأمور التي تجري في محيطه ويذكر فيها تذمره من أمور تجري في المنطقة وينظر أيضاً لأشياء قادمة ستحدث ويختمها بالصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهنا قسم آخر للشعر الشعبي وهو الزامل وكذلك المهجل وأيضاً المهيد وكذلك مساجلات البالة والسمرة والشبواني.
ثانياً: الحكم والأمثال الشعبية وهذه الحكم والأمثال لم يصغها أصحابها إلا من خلال تجارب جمة وأصبحت متداولة بين الناس فمنها مثلاً وليس حصراً «يحمد القوم السرى عند الصباح» وأيضاً «ماذريته حصدته والحذر لاتثم» و «من تغدى بكذبة ماتعشى بها» و«قال تف قال في اللحية»..
ثالثاً: عن الحكايات الشعبية التي تحكيها الجدات والأمهات للأطفال.
رابعاً: فن الأهازيج والطقوس الدينية.. كالشعبانية والترحيب برمضان وطقوس مدارس الكتاب وأهازيج الختان والفطام وغير ذلك من الأهازيج الأخرى.
وهنا سأستعرض كتاب «فنون الأدب اليمني» للأستاذ الكبير عبدالله البردوني رحمه الله هذا الكتاب الجميل الذي يحتوي على عدة مواضيع في الأدب اليمني وقد قسم الكتاب إلى سبعة فصول كالتالي:
الفصل الأول: فن الحكايات:
الفصل الثاني: حكيم الشعب «علي بن زايد».
الفصل الثالث: الفن الزواملي.
الفصل الرابع: شعر المهاجل.
الفصل الخامس: الأغاني الشعبية.
الفصل السادس: تحولات الأغنية الشعبية على يد الأستاذ مطهر الأرياني.
الفصل السابع: الأمثال.
وأنا هنا أبدأ تركيزي على هذا الكتاب الجميل من الفصل الثاني الذي ركز فيه الأستاذ البردوني على الحكيم «علي بن زايد» وأهمل فيه الحكيم الكبير «الحميد بن منصور» الذي يعد فيه علي بن زايد ربما استنساخاً للحميد الذي جلجل بحكمه وأمثاله في جميع الأصقاع والبقاع وتتداول حكمه وأمثاله أكبر رقعة من الأرض اليمنية وكذلك الحكيم «أبو عامر» وأيضاً «ابن زامل» ونورد لكم نموذج للحميد بن منصور حيث يقول:
قال الحميد ابن منصور ماحد من الموت هارب
مريت له في المشاطي ومر لي في المقارب
قال الحميد ابن منصور عندي لوقتي تجارب
ماخير يبدأ ولا شر إلا ويبدأ بمارب
قال الحميد ابن منصور عليت ياشاري الطين
ولا علي من يبيعه
وهذه الحكم نموذج فقط لأن له مئات الحكم.. وأيضاً هناك حكيم في مأرب لايزال حياً يرزق هو «أحمد بن شودق» له حكم نورد بعضاً منها.
يقول بن شودق حمد يالله تزينها تزين
والا تخربشها وأنت أدرى بها
يقول بن شودق حمد الهم تجلاه الغنم
والعسر لا ضاع الحمر وسائقه
يقول بن شودق حمد وصلت أنا خرقة بخيط والعالم الله وين هي باتصله
يقول بن شودق حمد من حيث ماحبلت تلد
واللي عقد روس المشير يحلها
يقول بن شودق حمد ماحد يودع بالمره
من قلب البندق غمز ضرابها
وهذه الحكم من هذا الشاعر لها أهدافها ومغازيها:
أما الفصل الثالث: فهو الفن الزواملي فقد أبدع فيه الأستاذ البردوني وأورد فيه زوامل جميلة منها
قالت النبوت أنا قد جيت غاره
من بلاد الروم إلى شرقي شهاره
نقتل الرومي ونعلق نار في رأس الجباله
وأيضاً هذا الزامل الذي يقول:
سود الله وجهك يالذليل عاد بعد الحرايب عافيه
عن شب الحرايب مانميل باتجيك العلوم الشافيه
وأوجد زوامل جميلة من عدة مناطق من المرتفعات الجبلية.
أما في سهلنا الشرقي فلم يذكر شيئاً ولكني سأورد بعض الزوامل كنموذج.
قال الصليب إنا توكلنا
مايقتل إلا من له الساعة
وإن حد يبانا نطلع الشمخ
وإن حد يبانا ننزل القاعة
وأيضاً الشاعر الثاني يقول:
قال السليماني علي محسن
حارب بريطاني ببلجيكه
يوم الصريمه مارفعه رأسه
ظنه يبادفعه من امريكه
هؤلاء الشعراء من شبوة وإليكم شعراء من مأرب:
يقول الشاعر الأول:
واحنا توكلنا على الله هو ذي حياة النفس بإيده
ياأهل الكند وأهل الجرامل وأهل البرتتات الجديدة
والليلة الضارب برأسي روحوا بنا وادي عبيده
والشاعر الثاني يقول:
يالابتي من كان منا يسري ويمن كل خايف
شد الركاب أمس معنى شلت شلايلها نكائف
ولكن الأستاذ البردوني اقتصر على منطقة ذمار وما جاورها والكتاب عنوانه فنون الأدب اليمني فياترى أين بقية مناطق اليمن الأخرى ولماذا اسقطها أستاذنا الكبير رحمه الله هل لأنه فاقد البصر؟؟ لا.. فهذا القول قد تعداه الأستاذ إلى الأقطار العربية في كتب ودراسات أخرى.
الفصل الرابع
شعر المهاجل وقد أبدع الأستاذ البردوني في هذا الفصل وأوجد عدداً من المهاجل من نفس المنطقة ولم يتطرق إلى المناطق الأخرى وركز على مهجل «ولو دها ولو دهي» و«ولودها ولوديه» أيضاً «شد لك ياخريف* علان صدر بتعريف».
وأيضاً «ياصباح من براح» وأيضاً «ليلك الليل يأوي ألا والليل».
وفي الحصاد «اليوم قلامه ياقلمه» «هبي لنا نودي ياهليله» وهناك في السهل الشرقي مهاجل تقال نورد بعضاً منها:
في منطقة حريب «هيمي والهاما وهياما» «وكذلك مهجل اخر من بيحان وما وراءها يقول المهجل «واتليحي ليحي يامليحة بنتش مع القاضي مستريحه» وأيضاً من نصاب يقول المهجل «قال
سيدي حملوه * إن برك وإلا أعقلوه» و«لقني يابازهير لقني لقاك خير».
روحونا بالمراح والحياة في العبر طاح
حيث بانلقى الملاح بارقه لوح ولاح
يامره سوي عشانا
والمطر والسيل جانا
لاشيديت ياعثره
حط العين من يسره
ولوعددت هذه المهاجل من نفس المنطقة لما اتسع لها المقام.
ولكن السؤال: لماذا اقتصر الاستاذ البردوني على هذه المنطقة منطقته وماجاورها فقط والاسم للكتاب باسم اليمن؟؟
الفصل الخامس: الأغاني الشعبية:
يقول الاستاذ البردوني:
«إن الأغنية الشعبية مختلفة عن القصيدة الفصحى في إشارتها أو في محدودية ذاتها أو في عمق تلميحها إلى المآسوية لأنها ابتدت تغنيها بنشيج الوداع كما تبوح أمثال هذه الأغنية.
شاجي معك لاما تزل باجل
وابكي عليك لا ما أملي المواجل
وكان السفر في ذلك الحين بحراً وسوف نلاحظ بعد هذا أن الأغنية تتطور بتطور المواصلات وبتلاحق الأحداث، فقد كانت أغنيات العشرينات وماقبلها تستودع الطائر أشواق المقيم إلى المغترب كما كان الشاعر العربي يودع أشواقه خطرات النسيم،كما تفصح هذه الأغنية.
بالله عليك ياطير يامسيقن
قم شل لي مكتوب لامريكن
قل له ولايدري علي ومحسن
والمقصود هنا بالطائر المسيقن هو طائر البحر ذو السيقان الطويلة وكلمة مريكن يقصد بها أمريكا وفي أغاني العتاب وبعض المكاشفة تقول هذه الأغنية:
بالله عليكن يابنات قندر
عضين وجهه لايجي وينكر
فإذا كانت هذه الأغاني معبرة عن الاشواق، وإذا كانت دواعي الأسفار اكتساب النقود وتصديرها إلى أرض الوطن فإن هناك أغنيات ترى وصول المغترب إلى وطنه اغلى من نقود العالم، كما تشير أمثال هذه الأغنية.
ما اشتيش مكتوبك ولا الصداره
اشتي وصولك وأدي البشارة
إذا كانت الأغنيات السابقات قد اتخذت الطائر رسولاً فإن ظهور الطائرة في الخمسينات عندنا قد لفت الانتباه إلى اتخاذها رسولاً إلى المغتربين وربما كانت أكثر كفاءة لحمل الهدايا إلى جانب الأشواق وكان اسم أول طائرة يمنية هو «شبام» وقد شاع هذا الاسم كما عرفت قدرته على قطع المسافات الطويلة، لهذا استوقفته المغنية لكي يحمل هداياها إلى الحبيب المغترب.
وقفي ياشبام إدي لخلي وداعه
سلتين رازقي وأبيض ومشرب مداعه
واخبريه يايجي والا دخلنا الاذاعه
وهناك أغاني المكاشفة أوردها الاستاذ البردوني سأختار نماذج منها ففي هذه الاغنية التي سنوردها والتي تشهد شجرة الخوخ على ماجرى تحتها من المواقف العاطفية وكأن المغنية لاتكشف سراً وإنما تنادي شجرة وتشهدها على ماتعرف.
يافرسكه من ذي شهد على الطل
بالله اشهدي لي كيف عشق وبطل
وكذلك الأغنية الثانية الأكثر مكاشفة والتي تقول:
ياعصفرة ياشاهدة على السر
هو الذي لاحق وسار يفشر
إلى أخر ما أورده أستاذنا البردوني من الأغاني الشعبية القديمة.
ثم تطرق الاستاذ البردوني في هذا السياق إلى الدودحيات وأسهب في هذا القول،وقد اقتصر الأستاذ البردوني على ثلاث مناطق في هذه الأغاني الشعبية الآنفة الذكر هي «تعز إب وربما منطقة ذمار أيضاً».
لكن اليمن فيه الكثير من الأغاني الشعبية:
وفي اسهل الشرقي لليمن توجد أغان شعبية لكنها قليلة المكاشفة وهذا دليل على الحشمة والوقار في القول:أنظر هذا النص ماذا تقول كلماته والتي صاغها شاعر كهل مر على امرأة وهي ترعى أغنامها قائلاً:
سلام ياراعية معزأ وعزلة نعاج
أنا جيت باشوف هو شيء للمحبة رواج
ماهل تنشاد وإلا قدني اليوم حاج
وكلمة «ماهل»بمعنى «ليس إلا» وهذا دليل على أن الرجل قال هذا القول على استحياء.
ويقول شاعر آخر انتظر محبوبته لتخرج إليه من الخدر ليلاً وكان الخدر بجانب كثيب رملي والرياح مستمرة فانتبه الرجل لنفسه فجراً ورأى لحيته وهي مليئة بالتراب فقال معاتباً نفسه:
إلى متى وأنت يانفسي على السجه
هو ما تعورت يوم الشيب في لاحي
قائم وقاعد وتذري فوقي العجة
يا والله اللي طريق الحب فضاحي
وكلمة « السجة » بتشديد الجيم بالفتحة بمعنى «على هذا المنوال» وكلمة «لاحي» بمعنى عارضيه التي تنبت فيهما لحيته.
ويقول شاعر آخر من السهل الشرقي :
بانذبح الثور بكره
يامن يبا له شويه
واتطيبي والحقيني
والوعد لاعند لثل
كلمة «شويه» مشتقة من كلمة الشوى وهي قطع من اللحم تشوى في النار على الحجر أو في الجمر.
وكلمة «لثله» وهي شجرة الأثل.
إذاً فهناك أغان تغني في كل المناطق اليمنية فلماذا لم يورد شيئاً منها أستاذنا البردوني.
وفي الفصل السادس: تطرق أستاذنا البردوني إلى تحولات الأغنية الشعبية على يد الشاعر مطهر الأرياني فنبدأ بأغنية.
الباله والليله الباله
باله والليله البال
وقد نظم عليها الشاعر مطهر قصيدته المغناة «والليلة العيد وأنا من بلادي بعيد» التي غناها الفنان المرحوم على السمه.
وكذلك أغنية «فوق الجبل حيث وكر النسر فق الجبل» يقول الأستاذ البردوني إن الشاعر مطهر الأرياني استلهم ذلك من أغنية التمسية في العهد الامامي في عهد يحيى حيث تقول كلمات أغاني التمسية عند العسكر الحراسة ويعتبر نشيداً آنذاك.
عسكر طمع والبنادق روم عسكر طمع
فصه لمع لاحيود أسبيل فصه لمع
سيله جنع من جبال الروس سيله جنع
يلعب برع فوق خشم الذيب يلعب برع.
وقد نشأت على هذا السجع آنذاك «العيدية العنسية»التي تقول كلماتها:
نلعب قمر يابنات العيد نلعب قمر
تحت الحجر نختبي للصبح تحت الحجر
يطلع خبر من حجار الجدر يطلع خبر
وهكذا بين لنا الاستاذ البردوني استلهام مطهر الارياني للأغاني الآنفة الذكر لحناً والصياغة نصاً ولكن هناك من استلهم من الأغاني الشعبية وألحانها أغاني عدة مثال على ذلك وليس الحصر أغنية «يحيى عمر قال ياطرفي لمه تسهر» والتي غناهاالمطرب محمد مرشد ناجي وهذا اللحن كان يغنى على آلة الدف قبل خمسين عاماً من قبل المنشدين الشعبيين الذين يغنون القصيدة الطويلة مثل «ياالله دعيناك ياعالم بلحوالي» و«يا الله طلبناك يا من للدعاء تسمع».
إلى آخر تلك القصايد المطولة التي كان يلقيها المنشدون في الاعراس وفي المآتم وغير ذلك...
إذاً هناك من جدد الأغنية الشعبية ولا يقف ذلك التجديد حصراً على الشاعر مطهر الإرياني.
وهناك أغان شعبية جددها «القمندان» وهناك أغان شعبية جددها «أبوبكر سالم بلفقيه» و«والمحضار» مثل «تسلّى ياقليبي شوف الدنيا مخلاه».
فلماذا اقتصر أستاذنا البردوني في كتابه هذا على شخص واحد؟؟
أماالفصل السابع: فقد خصصه الاستاذ البردوني للأمثال الشعبية وقد قسمه إلى عدة أقسام:
1 فلسفة الحياة في الأمثال الشعبية «من زرع الحيلة صرب الفقر».
2 الاشاعة والحقيقة في الأمثال الشعبية «ما جرادة إلا من جراد».
3 عصير التجارب الشعبية «مال في غير بلدك لا لك ولا لولدك».
4 الحس الاجتماعي في الأمثال الشعبية «أنا عدو ابن عمي وانا عدو من يعاديه».
5 العامل الزمني في الامثال الشعبية «الرفيق قبل الطريق».
6 المال والرجال في الأمثال الشعبية « من امتدت يده ذلت جبهته».
7 المرأة في الأمثال الشعبية «ناقة ولو هدرت».
8 العادات في الأمثال الشعبية «للمطر محب وكاره».
9 الأخلاق في الأمثال الشعبية « من كان الموت في لقفه فالعافية في يده».
10 الثورة في الأمثال الشعبية «دابتي ولا حصان الإمام».
11 الشجاعة في الأمثال الشعبية «قارب الخوف تأمن».
12 الغنى والفقر في الأمثال الشعبية «يوم لك ويوم عليك ويوم يكفيك الله شره».
13 النقاوة والكثرة في الأمثال الشعبية «إذا كثر اللحم فلحم حمار».
14 الأصيل والدخيل في الأمثال الشعبية «عود الابنوس يكرس الفاس».
15 الأمل والأجل في الأمثال الشعبية «كم من معمر وغيره يدمر».
16 المثوبة والعقاب في الأمثال الشعبية «من أكل باليدين اختنق».
17 نظرية الحكم ومسئولية الكلمة في الامثال الشعبية «من قال أنا ذاق العناء».
«من كثر هداره قل مقداره».
ولكن هذه الأمثال التي أوردها الاستاذ البردوني ليست تخص منطقة بذاتها ولكنها عامة لكل اليمن لماذا؟
لأن الامثال هذه متداولة بين اليمنيين جميعاً ولكن كل منطقة تروض المثل على لهجتها وسنضرب مثالاً لهذه النظرية.
«من زرع حيلة صرب الفقر» في شبوة يقال هكذا «من زرع حيلة صرب فقر».
«ماجرادة إلا من جراد» هناك في السهل الشرقي يقول المثل«جرادة من جراد».
«مال في غير بلدك لا لك ولا لولدك» في السهل الشرقي يقال هكذا «ياباني في غير بلدك لا لك ولا لولدك».
«أنا عدو ابن عمي وانا عدو من يعاديه» هناك في محافظة أبين دثينه يقال هكذا «أنا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب».
وهناك أمثال لم يوردها الاستاذ/ سنورد بعض منها:
«ماصبح ابن عمك مساك» «لحيه ماتحتها فلوس أدها الموس»، «فكه وقدم له».
«مكن على الغالي بالرخيص» «الهم تجلاه الغنم» «غني مات فقري مات».
«طارة الدمة في الطحين» «ديمه خلفنا بابها» «ما للاجذم إلا ديمته».
«أعمى ومشرف من الخلفه» «ما صغر من رأسك كله» «أرشن ياحقي وعارك علي» «انشم الخال يأتيك الولد والبنت تأتي على عماتها» و« ياليلة القدر ردي رأسي على ماكان» وهذه الأمثال ماهي إلا جزء قليل مما هو شائع ومتداول في السهل الشرقي.
ختاماً: أقول: رحم الله الاستاذ عبدالله البردوني هذا الرجل الذي سخر جل وقته للكتابة الشعرية وللدراسات الجميلة في سائر الكتب التي قرأناها والدراسات التي سمعناها من خلال برنامجه في الإذاعة «مجلة الفكر والأدب».
أما هذا الكتاب الذي نحن بصدده فقد أبدع فيه الاستاذ البردوني وأسهب في الوصف الدقيق والتحليل لكل مثل فيه أو حكمة أو بيت من الشعر أو مهجل.
وقد أبدع في التعليق على كل شاردة وواردة في الكتاب.
وعرضي هذا ونقدي على بعض الاشياء في هذا الكتاب لاينقص من قيمة الكتاب أو صاحبه شيئاً، بل على العكس لايحدث الجدل إلا على الشيء الثمين.
وأنا أعتبر كل كتب الاستاذ البردوني الشعرية والدراسية عقوداً من اللؤلؤ الثمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.