الثلاثاء الماضي .. نسيم الصباح كان كله عطراً يفوح بالفل والورد والكاذي وأيوب طارش .. ومنى علي وكل الرياحين .. حيث توالت الزغاريد من زوايا القاعة .. وسط التفاف كبير من الأهالي والأقارب والأصدقاء والمسئولين في المحافظة والمتعاطفين ..حضور كثيف اكتظت به قاعة المركز الثقافي بتعز .. انداحت رقصاً وطرباً والكل حينها هنأ وصفق احتفاء بزفاف 18 شاباً وفتاتين جميعهم معاقون سمعياً. من الصعب أن تقف وتحاور (أصم) وأنت لا تمتلك لغة التخاطب معه أو لم تكن قد عايشته عن قرب واعتدّت على معاملته وعرفت مقاصد إيماءاته وإشاراته إلى آخر الحركات .. فما بالك وأنت تقف أمام 18 شاباً وفتاتين جميعهم معاقون سمعياً وهم في يوم زفافهم .. تدهشك حواراتهم البينية والثنائية فيما بينهم وتعلو ضحكاتهم وابتساماتهم تتوالى معبرة عن «فرحة بلا حدود» لا تدع لك فرصة إن حاولت الاقتراب للحديث معهم عبر وسيط ولو بالإشارة إن سنحت فهي معقدة وبحاجة إلى ماهر في الترجمة كما كانت (رهام البدر) منسقة مشروع العرس الجماعي والتي من خلالها حاولنا أن نتعرف على مشاعر المعاقين في يوم زفافهم .. وباختصار كلها تتلخص كما سبق أن لخصها شاعرنا القدير (الفتيح) أبو (مطر) في عبارة شعرية (فرحنا من غير حدود). فرحتي ليست منقوصة العروسة الهام شريان تؤكد أنها فرحانة جداً بزفافها كأية فتاة طبيعية .. وأضافت ،.. رغم أني معاقة فهذا لا يعني أن فرحتي ستكون منقوصة ، ونحن في وسط هذا الحشد وهذه الحفاوة التي تحيطنا نشعر ببالغ الفرحة والسرور وكل هذا الحضور جاء يشاركنا فرحتنا ويحيطنا بابتساماته وبالهتاف والزغاريد .. فشكراً لهم جميعاً على مشاعرهم وأحاسيسهم تجاهنا. ابتسامات متتالية بينما العروسة رجاء قالت: إنها ستزف إلى ابن عمها (عرفان محمد قائد) وكلاهما معاقان سمعياً. الاثنان كانت نظرتهما نظرة حب وإعجاب. عرفان الذي قال: إنه سعيد بزفافه يعمل في معرض للملابس في أمانة العاصمة ، بينما عروسته رجاء تعمل في معمل للخياطة في مدينة تعز. حضور مبارك العريس سليمان قال:إن عروسته هي ابنة خاله وهي طبيعية وأضاف : الصم اليوم كلهم فرحون لأن الجمعية قدمت لهم مساعدة على شأن كلهم يتزوجون ونحن أكثر سعادة بالجمعية لأنها وفرت لنا فرص العمل وكذلك هي مشاعر زميله فيصل شريان الذي قال : اليوم جاء الناس كلهم ليشاهدوا الصم ويباركوا فرحتهم بمناسبة الزواج. تعبيرات فرائحية الحاج صدام نصر والد العريس المعاق سليمان .. بدت لنا تقاسيم وجهه على غير عادتها فتعبيرات الفرحة تظهر بقوة حيث كان بشوشاً وابتساماته لا تفارق محياه منذ الصباح الباكر قال لنا وهو مبتهج: أشعر أن ولدي سليمان اليوم وهو عريس ليس أصم وسط هذا الحضور الذي يشاركه الفرحة. أم سهام هي الأخرى حضرت لتشارك ابنتها (سهام) الفرحة كما هو حال كافة أولياء الأمور. سهام العروسة المعاقة تعيش الفرحة وفي نفسها غصة على حال أبيها المريض في المنزل. تؤكد أمها أن ابنتها وعريسها متوافقان ولا مشكلة في انهما معاقان ، حيث ظلت فترة الموافقة المبدئية بين أسرتي العريس والعروسة ثلاث سنوات وهذا العام تم العقد بينهما ونحن اليوم نحتفل بزفافهما مع زملائهما في هذا العرس الجماعي، الحاج أحمد عبده شريان حضر ليشارك ابنه وابنته وكلاهما معاقان هذه الفرحة ،، وقال:إنه يشعر بالفرحة الكبيرة وهو يزف ابنه وابنته إلى جانب زملائهم في العرس الجماعي .. واصفاً العرس بالخطوة العظيمة التي أقدمت عليها الجمعية حسب تعبيره. محاولتي نجحت العريس ماهر علي وضح بقوله : إن عروسته هي ابنة عمه من محافظة إب وهي طبيعية وأنه يعيش حياته الطبيعية ولم يواجه أية مشكلة كما هو زميله محمد عبدالله الذي قال: إن عروسته هي ابنة عمه وهي طبيعية أي غير معاقة. ماهر يعمل في المعهد بالجمعية مشرفاً بينما زميله محمد قال :إنه يدرس في الصف الثاني الثانوي وكذلك عروسته بنفس المرحلة .. محمد أكد لنا أنه لم يقدم من قبل على طلب الزواج من أية فتاة ، وأن محاولته الأولى نجحت مع ابنه عمه وقال : إن الانسجام سائد بينهما ولاوجود لأية مشكلة. الأكثر مرحاً العريس معاذ عبده أحمد كان أكثر مرحاً من زملائه قال : الحمد لله لقد توفقت بالزواج من زميلة لي في الجمعية وكلاهما معاقان ويعملان في الجمعية نفسها .. وقال: إنه أكثر سعادة وارتياحاً بشريكة حياته. رفض أكثر من مرة محمد الرياشي جاء ليشارك شقيقه العريس يرى بأن اقامة هذا العرس الجماعي للمعاقين تأكيد على مدى اهتمام الجمعية والجهات الداعمة لهذه الشريحة ومشاركتهم بهذه الأفراح. ويحكي الرياشي أن لدى أسرته ثلاثة معاقين أحدهم توفي والآخران يدرسان في الصف التاسع .. ويشير إلى أن شقيقه العريس تقدم إلى أكثر من أسرة بطلب الزواج وقوبل بالرفض أكثر من مرة بسبب الإعاقة وتوفق أخيراً بالقبول من أسرة قال إنها كانت أكثر تقديراً ومراعاة لمشاعر المعاق وظروفه. مؤكداً أن شقيقه واجه مشكلة أن بعض الفتيات يبدين رغبتهن من الزواج بينما أسرهن ترفض ذلك. السبب.. ويرى أن السبب في ذلك أن تلك الأسر تنظر إلى أن مستقبل المعاق غير مطمئن حسب رؤيتها ولهذا يخشى أولياء الأمور على بناتهم فيما بعد الزواج. ونظراً لهذا الرفض والقبول يواجه المعاق مبالغة في المهور من قبل أهالي العروسة فهناك فرق بين ما يدفعه الإنسان السوي والمعاق. لماذا يرفضون تزويج المعاق ؟ رهام البدر منسقة مشروع زواج المعاقين تؤكد: أن هذا العرس الجماعي للمعاقين هو الثاني ، وسيكون تقليداً تعهدت به الجمعية خدمة لهذه الشريحة .. وقالت : في العام الماضي تم تزويج دفعة من المعاقين بينما هذا العام وصل العدد إلى 18 شاباً وفتاتين كلهم أعضاء في الجمعية. مشيرة إلى أنهم بحدود 16 شاباً سيتزوجون من فتيات لهم صلة القرابة وجيران وأسر أخرى تقدر هذه الشريحة بينما اثنان سيتزوجان زميلتين لهما من الجمعية. وتؤكد رهام أنه من الصعاب التي يواجهها المعاقون هو أن بعضهم تم رفضهم ،وعدم قبولهم لدى أسر رغبوا بالزواج منها ، وقالت:إنهم فشلوا في أكثر من مكان. وأرجعت السبب إلى أن بعض الأسر تخشى أن يأتي مواليد لمعاقين مستقبلاً بنفس الحالة (صم بكم). جهود كبيرة بذلتها الجمعية من أجل إقامة هذا العرس الجماعي كمشروع تكميلي لحياتهم ، حيث قامت برعايتهم وتأهيلهم وتوفير فرص العمل وتأمين مستقبلهم. نحن المعاقون وليس هم تميم علي مهدي أمين عام الجمعية يوضح أن هناك مشاكل عديدة واجهت فكرة مشروع زواج المعاقين أبرزها نظرة المجتمع للمعاقين بأنهم عاجزون وقال : نحن عملنا على صرف هذه النظرة للمعاق بأنه ذلك الشخص المنبوذ في المجتمع .. فالمعاق إنسان جيد ورجل عملي وطموح. وأضاف : أعتقد أننا نحن المعاقون وليس هم : نظراً لما يمتلكونه من إرادة وشجاعة ولما لهم من إبداعات وانضباط وحرص على الوقت ، وقال عندما تنظر إلى إنجازاتهم أقول نحن المعاقون وليس هم. نحن لا نريد من المجتمع أن ينظروا إلى أبنائنا بأنهم معاقون بحاجة الى شفقة ورحمة ولطف .. أبناؤنا قادرون على أن يؤثروا في المجتمع ويتأثروا فيه، أبناؤنا المعاقون منخرطون في سوق العمل في النجارة وورش السمكرة والميكانيكا ، وفي المطبوعات والتصوير. الجمعية مقيمة مشروع في التأهيل المهني ، وأي مبدع تتكفل الجمعية بفتح محل تجاري له ، دفع ايجار سنة كاملة كتشجيع مع مواد خام أولية للعمل. انضباط في العمل ويذكر أمين عام الجمعية أن المعاقين أكثر انضباطاً في أعمالهم وقال كانوا أثناء التدريب ينهمكون في العمل حتى وقت الغداء وهم يواصلون أعمالهم في الورش المختلفة وينسون بطونهم مضيفاً : كنت أمر عليهم مع الساعة الثانية ظهراً وهم لم يتناولوا طعام الغداء هذا من شدة حرصهم على أداء أعمالهم وبإتقان وإبداع متميز. وبهذه المناسبة أرفع كل الشكر والتقدير لفخامة الأخ رئيس الجمهورية لقراره بشأن انشاء فرع لصندوق رعاية وتأهيل المعاقين في تعز وهذا الصندوق نعتبره الداعم الأول للمعاقين والشكر موصول للاستاذ/ عبدالله الهمداني والذي نعتبره الأب الروحي للمعاقين .. وكما هو معلوم أن الصندوق يعد هو الداعم الأول للمعاقين. ويشير أمين عام الجمعية الى أن تكلفة حفل العرس الجماعي الأول تكفلت به الجمعية فيما حفل العرس الثاني تم بدعم من صندوق رعاية وتأهيل المعاقين ومؤسسة الصالح الخيرية ومن مؤسسات وشركات وفاعلي خير. المعاناة تولد الاحساس أفراح مغلس مديرة مجمع صينة التربوي لذوي الاحتياجات الخاصة ربما أنها أول المسرورين بهذا العرس الجماعي كما بدت لنا وقالت: -« أرى اليوم أننا انتجنا شيئاًً» لهذه الشريحة التي تم احتضانها في مجمع صينة منذ أكثر من خمس سنوات. وترى بأن نظرة المجتمع للمعاقين هي في حدها المتوسط. أثر إيجابي عبدالرؤوف حاجب مدير فرع صندوق رعاية وتأهيل المعاقين وصف هذا العرس بأنه بادرة طيبة لما لهذه الشريحة من أهمية .. وقال : إن هذا الالتفاف نحوها سيكون له أثر ايجابي ونفسي على هذه الشريحة. مؤكداً أن الفترة القريبة القادمة سيتم خلالها تدشين وافتتاح فرع صندوق رعاية وتأهيل المعاقين في محافظة تعز والذي من خلاله سيتم تسهيل مهام الجمعيات التي تقوم برعاية وتأهيل المعاقين في المحافظة بشتى أنواعها .. وسيتم اختصار العناء الذي تعانيه هذه الشريحة والجمعيات الخاصة برعاية المعاقين ..مشيراً إلى أن هذه الشريحة بحاجة ماسة إلى تسهيل متطلباتها. ويرى أن افتتاح فرع للصندوق في تعز دليل واضح على توجه القيادة السياسية للسير نحو اللامركزية وتوفير الكثير من احتياجات ومتطلبات شريحة المعاقين التي هي بأمسّ الحاجة إلى التعاون معها وإلى الرعاية والتأهيل. لفتة كريمة واعتبر علي محمد نائب مدير مكتب الشئون الاجتماعية والعمل هذه المناسبة خطوة رائعة ولفتة كريمة حسب وصفه وقال : إنها مناسبة لاتضاهيها مناسبة وعمل لا يقدر بثمن خصوصاً أن هذه الشريحة بحاجة إلى من ينظر إليها ويدعمها. صعوبة التنسيق د.حمود الصايدي رئيس جمعية المعاقين سمعياً قال : نحن سعداء جداً بالاحتفال بهذه الشريحة في العرس الجماعي الثاني الذي تقيمه الجمعية والذي يعد من ضمن انشطتها الرياضية والثقافية والفنية. ويشير د.الصايدي إلى أن الاشكالية التي واجهتها الجمعية وهي تعد لإقامة هذا العرس تتمثل في عملية التنسيق ما بين (العرسان) أي ما بين عائلة العروس والعريس. وقال : حرصنا على التأكد من أوراق الزواج لكي ينجح المشروع حيث قامت الجمعية بدور الاخصائي النفسي للعرسان لما من شأنه اتمام عملية الزفاف .. وأشار إلى أن من تم زفافهم في العرس السابق لم تحدث لهم أية مشكلة بعد الزواج عكس ما كان يتوقع البعض. نظرة غير سليمة رئيس جمعية المعاقين سمعياً وصف نظرة المجتمع للمعاقين بأنها نظرة غير سليمة وقال : نحن في الجمعية نعمل على إزالة هذه النظرة من خلال رعاية المعاق وتأهيله وإعداده الإعداد السليم ودمجه في المجتمع للمشاركة في التنمية.وقال من يرى أن المعاق عاجز عن العمل فهو مخطئ ، حتى وإن كانت الإعاقة كلية ، مشيراً إلى أن التاريخ يشهد بالانجازات التي سطرها المعاقون وبإبداعاتهم وتميزهم في مجالات شتى.. وأضاف : لدينا متفوقون في مجالات عديدة وحازوا على المراتب الأولى في مسابقات ثقافية وفنية ورياضية وحرفية وفي التعليم.. مؤكداً أن المشكلة تكمن في الإعاقة الذهنية فقط. يا صاحبي عادك أشكل المعاقون رغم ظروفهم النفسية الصعبة ، يظل طموحهم أقوى وأكبر في تحقيق أهدافهم في الحياة ، ومهما تعقدت الأمور وواجهتهم الصعاب فهم يتحدون الإعاقة بعزيمة وإصرار ، حيث يسطرون إبداعاتهم في مجالات عديدة .. ورغم هذا كله تظل الوصمة الاجتماعية للمعاق قائمة دون تغيير. وربما أن المشكلة الأكثر تعقيداً ويشكو منها معظم الشباب الطبيعيين تتمثل بغلاء المهور ، فبالمقارنة هنا يرى المعاقون أن ذلك أهون على إخوانهم الشباب الطبيعيين ، مما يواجهونه هم في حال رغبوا بالزواج حيث تتصاعد الأرقام إلى ما يعادل مليون ريال.. في الوقت الذي يفترض أن تحظى به هذه الشريحة من الدعم والرعاية والحق في الوظيفة العامة تغمط جهات عديدة حقوق المعاق وتسعى لتعقيد الحياة أمامه،