كثيرٌ هم أولئك الدعاة اليمنيون الذين نشروا الإسلام في أفريقيا وجنوب شرق آسيا خصوصاً، وبلاد العالم عامة، واعتنق الدين الإسلامي العديد من الناس الذين كانوا يدينون ديانات مسيحية ووثنية وغيرها من الديانات التي لاعدَّ لها، ولا حصر، وإليهم يرجع الفضل في بناء المدارس والمساجد وسط البلدان التي ينشرون فيها تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، ومن هؤلاء الذين نذروا أنفسهم وأموالهم لهذه المهمة الشاقة الداعية الإسلامي الشهير.. عبدالقادر بن أحمد بن محمد بن عبدالقادر الجفري.. ويتصل نسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان مولده بمحافظة شبوة سنة 1900م في عائلةٍ علميةٍ كريمة محبة للعلم وأهله.. درس العلم وجالس ذوي العقول المستنيرة ومستفيداً مما تزخر به معارفهم، وكان لأهله الفضل الأكبر في إمداده بالثقافة الإسلامية، ولما قوي عوده سافر إلى أفريقيا لغرض التجارة والأخذ بأسباب الرزق، وقد استغل عمله التجاري في الدعوة إلى الله تأسياً بأهله وأسلافه، وكان سفره في السادس من ذي القعد سنة 1343ه، ومكث سبعاً وثلاثين سنة في سفرته الأولى، ولم يخرج إلى الجزيرة العربية سوى مرة واحدة، وجاب كلاً من كينيا ويوغندا وتنجانيقا شبراً شبراً، وقد كان يجيد اللغة السواحلية، فأطلق عليه في تلك الأقطار وقد تزوج العالم عبدالقادر الجفري ورُزق سبع من البنات وثلاثة من البنين هم: محمد وعبدالله وطالب العلم «علي» الذي مات غريقاً في نهر شعب النبي هود في محافظة حضرموت في 9 شعبان سنة 1418ه. في صحيفة البلاد السعودية في عددها «703» الصادر بتاريخ 20 أبريل سنة 1971م كتب على صفحتها الأولى وبعنوان بارز «هذا الرجل يدعو للإسلام في أفريقيا، وأربعون ألفاً يدخلون الإسلام في يومٍ واحد، وكانت هذه العبارة الأوغندية «بوانا ميمي تتاكا كونجيا اسلامو» والتي معناها في لغتنا العربية «ياسيدي أريد أن أدخل في الإسلام» هي الشعار المشهور في أفريقيا، وقد بدأت القارة السوداء تتجه نحو الإسلام، وفي كل يوم كان يدخل فيه المئات والألوف، وقد آمن أولئك الأفارقة لما رأوا من السماح والمساواة والعدالة. الداعية عبدالقادر الجفري هاجر إلى أفريقيا، وكان ذلك في العام 1343ه بقصد التجارة، وأثناء تجوله كان يستغل تلك اللحظات في الدعوة إلى الإسلام، وبناء المساجد والمدارس، موظفاً كل أمواله لهذه الأغراض وقد سأله الأستاذ يحيى بن عبدالعليم بانافع مسئول الأربطة الإسلامية بمحافظة شبوة عن الاسلام في أفريقيا فأجاب: يوجد في منطقة باكوبا بتنجانيقا 45 ألف مسلم يحتويهم «130» مسجداً، وفي انكولا بأوغندة يبلغ تعداد المسلمين «12» ألف مسلم و«14» مسجداً أما في مدينة كيجيزي التابعة لدولة أوغندا فيوجد فيها «4200» مسلم و«11» مسجداً، ولم يدخل أبناء هذه المدينة الاسلام سوى قبل عشرين عاماً، لكونها منطقة نائية، أما في الكونغو ففيها حوالي مليوناً مسلم غير أن الإحصاءات الحكومية تخفيها. لم يقف الشريف عبدالقادر في دعوته إلى الاسلام عند حدٍ معين، ولكنه أسس الكثير من المدارس الاسلامية في أوغندة، وبالتحديد في عاصمتها مساكا وضواحيها، وكان يجلب لها الأساتذة من حضرموت على نفقته الخاصة، وقد بلغت المدارس التي أنشأها إحدى وأربعين مدرسة. وعرف الداعية الجفري العديد من الشخصيات البارزة سواءً على مستوى الداخل أو الخارج، وكانت تربطه بهم الدعوة الإسلامية، وقد جرت مكاتبات ولقاءات بينه وبين هؤلاء. ومنهم: الملك حسين بن طلال - ملك الأردن السابق.. والشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ - مفتي المملكة العربية السعودية.. والعلامة علوي بن عباس المالكي - محدِّث الحرمين الشريفين والشيخ أمين الحسيني - مفتي فلسطين وفضيلة الشيخ عبدالحميد محمود شيخ الأزهر الشريف. لقد بذل الشيخ عبدالقادر الجفري خمسين عاماً من حياته في سبيل الدعوة إلى الله في بلدان أفريقية، لايحلو معها العيش ولايهنأ فيها الانسان وهو ابن عاش فيها، فكيف بهذا الذي أتى من أقاصي اليمن مغترباً، لكنها الدعوة والاخلاص لله أنجبت مثل هؤلاء العظماء الأفذاذ ليكون نبراساً وقدوةً للدعاة في عصرنا الحاضر.