فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفحات مجهولة من سفر النضال الوطني
مذكرات أول رئيس تحرير ل «الجمهورية»
نشر في الجمهورية يوم 13 - 12 - 2007

رحلات مكوكية بين أوروبا والمغرب العربي ورفع علم اليمن في الجزائرمسيرة نضال كتاب وثائقي سلط من خلاله الكاتب، والإعلامي محمد حمود الصرحي على صفحات مجهولة من سفر النضال الوطني في سبيل مقارعة البطش والجبروت ونيل الحرية وقيام الثورة والدفاع عن نظامها الجمهوري، لقد حرص المؤلف على تضمين الكتاب مشاهد واقعية للظلم والقهر والاضطهاد الذي عاشه شعبنا إبان الحكم الإمامي البائد وما تعرض له الأحرار قبل الثورة من المآسي والآلام وأبرز الكاتب دور الطلاب في مسيرة النضال الوطني من خلال الأحداث التي عاشها وسرد ذكرياته مع زملاء دربه السياسي.. إلى جانب رصد دقيق للحظات ما قبل انبلاج ثورة سبتمبر وما أعقبها من أحداث ودور الإعلام وإذاعة صنعاء وصحيفة الجمهورية على وجه الخصوص في حشد التأييد الشعبي لمناصرة الثورة وتشكيل لجان المقاومة للدفاع عنها حيث كلف الصرحي بعد الثورة بتحمل مسئولية الإعلام في تعز كما أصبح أول رئيس تحرير لصحيفة الجمهورية وفيما بعد تقلد الأستاذ محمد الصرحي العديد من المسئوليات في الحكومات المتعاقبة آخرها نائباً لوزير شئون الرئاسة ومجلس الشورى في حكومة المهندس عبدالله الكرشمي.
في الحلقة الماضية اطلعنا على رسائل اعضاء جمعية طلائع الثورة اليمنية ويواصل المؤلف في هذه الحلقة مذكراته
الحلقة 9
ماقاله الشهيد اللقية في التحقيقات معه
وأدرت فكري فيما عساه أن يكون من وراء هذا الإلحاح الشديد على طلوعي إلى صنعاء وتذكرت فيما تذكرت أيضاً أن ماكنا قد قمنا بنشره من الإعلانات عن إنزال التحقيقات مع الأخ الشهيد عبدالله اللقيه رحمه الله سينشر على صحيفة الجمهورية.. وكنت قد أطلعت على هذه التحقيقات كاملة وبين ماجاء فيها كلام عن الأخ الرئيس عبدالله السلال قاله الأخ اللقيه وأفاد أنه شارك في المحكمة وكان كغيره من أعضاء المحكمة ولم يلحظ عليه الرفق أو التنحي قليلاً وعلى ماأعتقد فإن وجود الزعيم السلال في هذه المحكمة كان من باب «مكره أخاك لابطل» وقد أستشعر الزعيم السلال أن نشر مثل هذا الكلام قد يسبب له إحراجاً عند الناس ولاسيما وهو قريب عهد بالحكم.
استنبطت هذا السبب وعلمته بعد أن حدثني الأخ إبراهيم الحضراني عن هذه التحقيقات وسألني عنها وقال لي: إنه من الأفضل أن أسلمها وأن الرئيس يريدها وقد امتنعت تماماً عن تسليمها لأني قد أعلنت في صحيفتي عن نشرها فكيف أكذب على الناس وتمخض مجيء الأخ الحضراني الأخير على أنها هي المراد وحصل أخذ ورد وجذب وشد وكنت أنا والأخ الأديب الكبير مطهر علي الارياني الممسكين بالموضوع والمتولين له والحريصين عليه وفي الأخير عُرض الأمر على القاضي عبدالرحمن الإرياني وكان حينذاك بتعز ورأى ألا تبقى لدينا وأن تسلم إلى الأخ محمد علي الأكوع العميد الآن والذي كان مديراً لأمن تعز..وذلك كي يحصل الاطمئنان على عدم نشرها..وفعلاً سلمناها إلى الأخ العميد ولاتزال لديه إلى الآن.
هذا كان سبب والسبب الآخر الطلائع وماالطلائع وبمناسبة ذكر الطلائع أذكر فيما أذكر ولو أنه رجوع إلى الماضي أني وأنا في سجن نافع بحجة كان قد وصلني العدد الأول من صحيفة «الطليعة» التي قام بإخراجها في تعز قبل الثورة الأخوان عبدالله باذيب وعلي باذيب وقد أعجبت بالكتابة العالية والمواضيع القيمة التي ظهرت فيها وبأقلام نخبة من الكتاب البارعين أحببت لذلك أن أشارك وأن أساهم في إثرائها فبعثت أولاًَ بأبيات شعرية أهنئ فيها وأبارك طلوعها وهذا هو مقطع منها تحت اسم محمد العربي.
تحية إلى الطليعة
طلعت كالشمس في أفق الصباح
تنثر الأنوار في كل البطاح
طلعت تختال في مشيتها
مثلما تختال غيدا الملاح
طلعت تحمل في طياتها
مدفع الحق ورشاش الكفاح
ياصحيفتنا «الطليعة» هكذا
درب الشعب على حمل السلاح
واعصفي بالظلم عصفاً مثلما
تعصف الأشجار هوجا الرياح
حجة محمد العربي الأحد 20 جمادى الآخرة سنة 1379م الموافق 20 ديسمبر 1959م.
السفر إلى المانيا الاتحادية تلبية لدعوة منها
وبينما نحن نسير في مشوار الأخذ والرد فيما قاله الأخ الشهيد اللقية في التحقيقات معه إذا بي أتلقى دعوة من سفارة دولة المانيا الاتحادية لزيارة بلادهم وحدد وقتها بضيق وكنت أحب أن أطلع على العالم الخارجي وعلى الحياة كيف تسير في البلدان المتحضرة والمانيا من جملتها ومن أكثرها حضارة.
وأيضاً كنت أريد أن أزور بعض دور النشر والصحافة وأن آخذ صورة عن سير العمل فيها وأعمل مااستطعت على الحصول على أية مساعدة لنا في مجالنا وقد شملت الدعوة إلى جانبي الأخ القاضي محمد بن أحمد السياغي رحمه الله عن شئون القبائل والأخ أحمد مفرح رحمه الله عن الخارجية.وسافرنا ثلاثتنا واستمرت جولتي في المانيا حوالي أسبوعين زرت فيها المعالم الأثرية والحضارية وزرت فيها بالأخص مقر بعض الصحف وشاهدت العجب العجاب وكأني بعثت من القبر إلى حياة زاخرة بالعطاء نابضة بالحركة والنشاط وقد طرحت بعض المطالب على المسئولين الألمان في ناحية الصحافة وماالصحافة ووعدونا خيراً وعدت أدراجي إلى بلدي لأجد محلي في الصحيفة قد ملئ بغيري ولم يكن يهمني ذلك وماكنت أريد إلا أن تستمر الصحيفة في التطور وفي أداء رسالتها بنجاح ولو على يد غيري وأدى بي هذا الاهتمام إلى أن أزور مقر الصحيفة وأطلع على ماقد صدر منها في غيابي لأعرف المستوى وإذا بي أفاجأ بأنها لم تعد ذات موضوع ولامحل اهتمام الجمهور وقد انخفض مستوى إصدارها.. وقل عدد مايطبع منها..أطلعني على ذلك زملائي في المقر.
هذا كله كان هو السبب الرئيسي في إبعادي عن الصحافة وليس ماذكره الأخ الدكتور محمد عبدالملك المتوكل في رسالته عن الصحافة من أن سبب ذلك هو تهجمي على صالح محسن لأنني استمريت بعد كتابة المقال عن صالح محسن مدة طويلة الأمر الذي لايمكن معه أن يكون هو السبب المباشر وإنما هو ماذكرته بالضبط ولا شيء غيره، ومقالي عن صالح محسن لم يكن فيه هجوم مني عليه وإنما نقلت ماقاله ويقوله الناس عنه وعلى العكس من ذلك فقد دافعت عنه وتطلبت له الأعذار وقد نشرتُ في صفحات سابقة صورة لنفس المقال.
طلعت صنعاء..ونزلت في «دار الضيافة» على حسابي وكان يديرها الأخ يحيى بن أحمد الحيفي وكان يساعدنا والحق يقال فيما يؤخذ منا واستمريت ألتقي بهذا وأزور ذاك وأجتمع بهؤلاء وأشارك بالأحداث هنا وهناك وكانت الحساسيات بين المسؤولين تلعب دوراً مدمراً في تمزيق الصف الجمهوري وتؤثر سلباً على سياسة ومواقف القيادات المصرية، واستمراراً لسياسة إبعاد أي عناصر لايرضى عنها المتنفذون في السلطة فقد تقرر إبعادي من اليمن إلى المغرب سكرتيرا أولاً في سفارتنا هناك بتاريخ 26 جمادى الأولى 1383ه الموافق 14 10 1963م.
ليلة الشؤم الرابعة
ففي يوم من الأيام وأنا في طريقي في ميدان العلفي إذا بالأخ العميد الآن عبدالله يحيى الشامي مأمور قسم العلفي حينذاك يمسكني بيدي وكان زميلي في المدرسة العلمية يقول لي: تفضل ياأستاذ محمد معنا إلى القسم وإذا به يأخذ سماعة الهاتف ويتصل بإدارة الأمن العام وكانت في باب السبح ليشعرهم بأنه قد ألقى القبض عليَّ وأنني موجود عنده فأشعروه بإحضاري إلى إدارة الأمن وقد سألته بعد أن أكمل مكالمته معهم: ماذا جرى؟! وماهو الخبر؟ فأجابني: لقد وزع أمر تعميم إلى جميع المراكز بصنعاء ببرقية مستعجل جداً جداً وسري برقم 2943 وبتاريخ 4 ربيع الأول 1385ه الموافق 4 7 1965م بإلقاء القبض عليك وعلى العميد علي سيف الخولاني، وعبدالله الكرشمي، وعبدالملك الطيب، ومحمد الفسيل وأحمد الجرادي وآخرين ذكرتهم هذه البرقية وقد أوردها بنصها وتاريخها والساعة التي صدرت فيها الأخ عبدالملك الطيب في كتابه «التاريخ يتكلم» ص346.
وقد أصطحبني اثنان من الجنود إلى نفس الإدارة العامة وهناك استقبلني الأخ العميد الآن حسين الثور ضابط إدارة الأمن العام حينذاك وقد لاحظت عليه التأثر والألم وقال لي: ابق لدينا هذه الليلة حتى نرى مايريدون وقد اتصلت هاتفياً بالأخ المناضل عبدالسلام صبره أو بالشيخ المناضل عبدالله بن حسين الأحمر لا أذكر أيهما اتصلت به إلا أن ظني الغالب أن الاتصال كان بأحد هذين الرجلين وعرضت عليه الموضوع وأتصل هو بدوره بالرئيس السلال وأفادني بعد ذلك بأن الرئيس قد أصر على ألا أبقى في اليمن وأنه يلزم خروجي وتوظيفي في أية سفارة أختارها أنا ولا فائدة في مراجعته لأنه قد أقسم بالطلاق وقال لي في الأخير: إنه يحسن أن أخرج في الوقت الحالي تبرئة لليمين وسيعملون على إرجاعي.
وكرر عليَّ مسألة تعيين الدولة والسفارة التي أريدها حتى يخرجوا لي الجواز ويسهلوا أمر سفري فاخترت المغرب العربي لشيئين أولاً: لبعدها عن محل أوجاعي ثانياً: لقربها من الأندلس مقر أمجاد الماضي ومحل آثاره..والتي كنت أطمح وأتمنى زيارتها والإطلاع عنها.
وكان وزير الخارجية في ذلك الوقت قد أصر على ألا يعطيني الجواز ولا أخرج من السجن إلا إلى داخل الطائرة وكنت بحاجة إلى أن اشتري لي بدله وأشياء أخرى تلزمني للسفر ولكنه لم يساعد، وقد علم بالموضوع الأخ أحمد مفرح «الذي سبق وأن ذكرته في بعض الأحداث» وكان من موظفي الخارجية والأخ أحمد بلبل وهو أيضاً من موظفي الخارجية فما وسعهما إزاء هذا التصرف إلا أن يسعفاني أحدهما ببنطلون وبستره والأخر بشميز وبدله داخلية وجزمه وسافرت على بركة الله.
حوار ساخن في مطار جدة
ونزلت بنا الطائرة نزول الاستراحة البسيطة في جدة «الترانزيت» وفي غرفة صغيرة من غرف المطار فوجئت بالأخ حسين مرفق وبجانبه الأخ يحيى بن الحسين بن حميد الدين واثنين آخرين من آل حميد الدين أيضاً وأذكر أني لم أصافحه ولا صافحت أحداً ممن بجانبه مع أنه كان من إخوان المدرسة العلمية وكان كعادته كماهو الآن صديق لبيت حميد الدين، كان أيضاً صديقاً لهم في الماضي عندما كان لدينا في المدرسة إلا أنه كان يظهر السخط عليهم أمام من يراه يحب ذلك، وقد توظف في فرع الخارجية بتعز أيام حميد الدين وكان قد سبق له أن أشعرنا ونحن في أوج عملنا في المدرسة العلمية بأن له اتصالات ببعض الإخوان خارج الوطن وأن لهم القدرة على أن يلتقوا بعض الطلاب الذين يمكن أن نرسلهم للدراسة في الخارج ويسهلوا طريقهم إلى ذلك وفعلاً قمنا بإرسال بعض الطلاب منهم علي بن إسماعيل الجوبي و علي بن عبدالله زبارة وآخرين لا أذكرهم.
وإذا بهم يصلون إلى عدن ولا من مجيب ولم يلتقوا بأحد لولا أن تداركتهم يد الله وتقرر مصيرهم بطرق أخرى والحمدلله.
بعد فترة قصيرة من الصمت سألته وقلت: لماذا أنت هنا ياأخ حسين وقد كنت تشعرنا بأنك ممن يريد الثورة وهاهي الثورة قد قامت فلماذا لا تجيب نداء الوطن وتأتي وتشارك في الأحداث؟
وكان بجانبي رجل من المغتربين في طريقه إلى امريكا فسألني حسين مرفق : من يكون هذا..؟!
فقلت له: هذا يمني.
ثم سادت لحظات صمت سألته بعدها عمن يكون ذلك الرجل الثالث لأنني كنت أعرف يحيى بن الحسين والآخر الذي كان بجانبه لأنهما كانا يترددان على المدرسة العلمية لذا فقد سألته عن الرجل الثالث فأنتهز الفرصة هذا الرجل نفسه وقال: أنا يمني..ولكني رددت له الصاع صاعين وقلت له: لو كنت يمنياً لكنت الآن في اليمن تشارك في أحداثها العظام وتعمل من أجل مستقبلها السعيد.
وكانت دماء الثورة في عروقي حارة وفتية ولذا لم أبال بما يمكن أن يحدث لي ولكن الله ستر وقد دُعينا إلى الطائرة، وفي طريقنا عرضت جوازاتنا ونحن نمر إليها على أولي الشأن في ذلك وألتفت ورائي لأرى يحيى بن الحسين وهو يعرض جوازه ؟
فقال لي: ياأخ محمد أريد أن أتحدث معك في الطائرة فقد كنا زملاء في المدرسة.
فقلت له:
ليس بيني وبين قيس عتاب غير طعن الكلى وضرب الرقاب
ولم أشاهده بعد ذلك خلال الرحلة الجوية إلا حينما نزلنا في بيروت فقد رأيته ولم أحدثه.
وبعد سنين طويلة وبعد أن استتب الأمن وساد السلام التقيت بالأخ حسين وتذكرنا ذلك الموقف وقال لي: لقد ساعدك الحظ ونجوت من الشر حيث إنهم كانوا قد اتصلوا بمن اتصلوا ووصل الجنود حالاً للقبض عليك فأجبته بالشكر لله.
ركبت مع الباص الذي أخذ ركاب الطائرة وفي خارج المطار استأجرت تاكسياً حتى السفارة اليمنية وكان السفير حين ذاك هو الأخ أحمد جابر عفيف والحق يقال إنه استقبلني استقبالاً حافلاً وأنزلني في فندق «أطلس» ولم يكن يعلم أني منفي ولاحدثته بذلك وكنتيجة للتعب النفسي الذي صاحبني منذ خروجي من صنعاء منفياً انتابتني نزلة شديدة اضطررت للبقاء في هذا الفندق ثلاثة أيام.
الوصول إلى الجزائر
بعدها سافرت إلى الجزائر حيث نزلت بنا الطائرة هناك، استمريت في البقاء بالجزائر أكثر من عشرة أيام لوعكة شديدة ألمت بي وبعد أن شعرت ببعض التحسن في صحتي بدأت بالتجوال في شوارع مدينة الجزائر للتطلع على بلد المليون شهيد الذي كانت أرواحنا معه في نضاله ضد الاستعمار الفرنسي والذي ضرب أروع الأمثال في النضال والاستبسال من أجل حريته واستقلاله.. وفي شارع من الشوارع لا أدري مااسمه وجدت عدة أعلام منتظمة في خيط طويل وشاهدت فيها العلم اليمني «الملكي» فتألمت لذلك وحاولت أن أغير وسألت عن المناسبة وعن المسئول عن هذه المناسبة ووجدته وبعد التحية والسلام شرحت له أحوال اليمن وأني منها وأنها قد قامت فيها ثورة عظيمة وأزالت الحكم الملكي الاستبدادي وأعلنت الجمهورية وحكم الشعب نفسه بنفسه وأن هذا العلم الذي ينتظمه هذا الخيط من جملة الأعلام الموجودة بداخله هو علم العهد البائد ولذا فأني أرجو أن يزال وأن يحط ويرفع مكانه علم اليوم.. علم العهد الجديد علم الثورة والجمهورية وكنت قد أطلعته على جواز سفري الدبلوماسي وأنني أمثل الدولة ولست إنساناً عادياً وقد كان ذلك لأنه لم يكن لنا حين ذاك سفارة في الجزائر لأن العهد الملكي المباد كان قد فتح بعض السفارات في البلدان الملكية كمصر في عهد فاروق والمغرب في عهد الملكية القائمة وإلى الآن وقد سألني: هل تستطيع أن تعطينا صورة للعلم هذا فأجبته: بنعم العلم يتكون من ثلاثة ألوان الأبيض وهو الوسط والأسود وهو الدون والأحمر وهو الأعلى ونجمه خضراء في الوسط هذا هو العلم.
وإذا به ينادي أحد أتباعه ويخطط له صورة في قطعة من البياض ويأمره بأن يعمل على إنجاز خياطة ذلك بوقته وبدأ الرجل يتحدث معي حول الأوضاع في الجزائر والثورة كيف كانت وكيف أصبح الثوار بعد الثورة بعضهم مشلول ومنبوذ وهو الذي ناضل وقاتل أشد النضال وكيف أن هناك أناساً ليسوا في العير ولا في النفير وقد أصبحوا «فين»!! بل شكا لي بأنهم قد أصبحوا من ذوي الأعمال الحكومية العالية.
بل وشكا لي بحرارة أن من كان آباؤهم من أعمدة الاستعمار وكانوا هم في منح في أوروبا في فرنسا بالذات كمجازاة لآبائهم الذين يحسنون الخدمة معهم هؤلاء الآن يتربعون على أرفع المناصب بحجة أنهم مؤهلون وينظرون إلى الثوار المهملين بأعين مزورة أعين التشفي والازدراء.
فتذكرت المقولة الدارجة على الألسن عند حصول مثل هذا "لاتشكي لي أبكي لك" فهو لايدري أني أحد هؤلاء الذين أبلوا بلاءً حسناً في خدمة بلادهم وأني الآن منفي من بلدي، كان هذا بتاريخ 26 جمادي الأولى 1383ه الموافق 14/10/1963م.
الوصول إلى المغرب الرباط
وكنت أريد أن أغادر الجزائر ولكني في أول الليل أحسست بوعكة شديدة وشديدة جداً حتى إني وجدت طبيباً جيداً ومؤدباً وكان أكثر عطفاً على حالتي وقد قال لي بالحرف الواحد: أنت بحاجة إلى جو ناقص الأكسجين.. لأنني كنت أيضاً قد قاسيت من ضيق النفس..
وتابع: لذا يحسن أن تزور منطقة في شمال مدينة الجزائر تسمى «الرامية» فهي تتناسب معك وفعلاً سافرت إلى هذه المنطقة ووجدت فيها مصيفاً مع مرافقه الجميلة وكان الزمن شتاء وهو "مصيف" تزخر الحياة فيه في الصيف لما فيه من مسابح ومنتزهات ومناظر طبيعية باهرة ولايوجد فيه إلا امرأة كبيرة في السن تشرف عليه برفقة اثنين من الخدم وبقيت ثلاثة أيام شعرت فيها بالتحسن نوعاً ما لذا فقد عدت إلى الجزائر ومنها جواً إلى المغرب.. الرباط.
وصلت الرباط..
اتصلت بالسفارة اليمنية واتصلت مراراً ولم يجبن أحد فركبت سيارة إليها فوجدت فيها السفير حينذاك والواقع أني من أول لقاء شعرت كما لو كان الرجل موجه ضدي فقد كان اللقاء جافاً وشعرت من أول وهلة إنه يخاف على شيء فقد أنزلني في مكان بعيد من السفارة ولم يعمل على نقلي إلى السفارة بسيارة وإنما كنت أتخبط في الشوارع مشياً حتى أصل السفارة وفيها أبقى كالغريب ولست موظفاً..!!
مع أني مرسل إليها بصفتي "سكرتير أول" ولكنه مع ذلك لم يُشعرني بأني موظف.
وفي ذات يوم أردت أن أجلس معه فدققت عليه الباب، وفتح وقال لي بوجه عابس: لاتدخل إليَّ إلا باستئذان.
فتألمت كثيراً ويعلم الله كم كان ألمي مراً وقاسياً.. ففكرت في أن أقابله مرة أخرى وأشرح له أني أتيت إلى المغرب منفياً وأنه لايوجد في نفسي أي طمع لأي شيء ولا أفكر في أي شيء وإنما جُل مرادي أن أبقى في السفارة كموظف أقوم بما يوكل إليَّ من دون جرح مشاعر أو إيلام نفوس.. وهذا ماكنت أريده ولكنه لم يكن وأظنه كان قد علم بأني من المغضوب عليهم ولذا فما عليه إلا أن يشارك في هذا الغضب ضدي ومع ذلك فقد بلغني من أحد الأصدقاء وكنت أريد أن أذكر أسمه لولا خشيتي أن أحرجه أنه وقد عاد إلى اليمن شكا مني وكأنني أنا محل «السوء» على طريقة المثل «ضربني وبكى وسبقني واشتكى».
وكل إناءٍ بالذي فيه ينضح.
وقلت لنفسي: يا رأسي أنحن للعاصفة حتى تمر.. إلى نهايتها.. وإن الله مع الصابرين.
سأصبر حتى يعلم الصبر أنني
صبورٌ على ريب الزمان قدير
السفر إلى مصر القاهرة
ومرت الأيام قاسية الأمر الذي جعلني أفكر في السفر إلى القاهرة وكان يوجد معي 400 جنية إسترليني أعطوني إياها الألمان كمصروف جيب حينما دعونا لزيارة بلدهم كما سبق وأن ذكرت ذلك.. ونفعتني والله..
فلقد قطعت منها تذاكر وأخذت الباقي معي كمصروف.. وتركت السفير الذي لايدل لقبه على واقعه.. تركته على مملكة لؤمه.
وصلت القاهرة ونزلت في فندق "أمية" ريثما أبحث لنفسي عن محل بسيط متواضع نظراً لحالتي المادية التي أنا فيها وفي أول الليل وصل إليَّ الأخ والصديق العظيم/ عبدالله بن مقبول الصيقل والأخ الصديق/ أحمد محمد الشجني رحمه الله وأقسما عليَّ ألا أبقى في الفندق وأنه يجب عليَّ أن أمضي معهما حتى شقتهما وشكرت لهما هذا الأمر كثيراً ومضيت معهما.
وهناك.. في شقتهما مكثت ثلاثة أيام وأشفقت من أن أثقل عليهما في البقاء أكثر من ذلك وشكرتهم شكراً كثيراً وغادرت شقتهما بعد الإلحاح الشديد منهما على بقائي معهما.
وبطبيعة حالتي المادية لايمكن أن أعيش في فندق لذا فقد عشت في لوكندة بسيطة مع بعض "الصعايدة" وكان أسمها "لوكندة سند الكبرى" وقد زارني إليها الأخ العميد علي العرشي والأخ محمد الحمدي والعميد حميد القماسي وقد مات رحمه الله وأذكر أن الأخ الحمدي قال لي: "ياأخ محمد هذه لوكندة سند القذرى".
فقلت له: يا أخي ما باليد حيلة، وقد كان سفير اليمن في القاهرة الأخ العظيم والمناضل الكريم اللواء حمود الجائفي وقد زرته إلى السفارة وعرضت عليه أمري وقلت له إني نفيت إلى المغرب.
وأنني بقيت في سفارتها شهرين بلا مرتب الأمر الذي جعلني أصل إلى القاهرة وأعرض عليه قضيتي فقد كان المشرف على جميع السفارات اليمنية في شمال أفريقيا وبعد الاستقبال الطيب والحديث من القلب إلى القلب سألني والآن هل عندك مصروف فأجبته: ليس عندي مصروف استطيع أن أتكل عليه..وأذكر أنه على الفور أستدعى أمين صندوق السفارة وكان حين ذاك سعيد مرشد وقال له: ياسعيد أعط الأخ محمد ما تقدر عليه الآن من جنيهات وسنعالج أمر مرتبه.
وفعلاً أعطاني مبلغاً من الجنيهات المصرية وكانت حال السوق في ذلك الوقت رخيصة ورخيصة جداً الأمر الذي جعلني لا أرجع إليه إلا في أوقات متباعدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.