من المعروف أن صناعة السياحة أصبحت سمة العصر وتحرص الدول على التفوق فيها وإبراز أجود ما لديها من مواقع ومقتنيات أثرية ومنتجعات سياحية متعددة، الأنواع والألوان لجذب السياحة من كل حدب وصوب فالسياحة صناعة دون دخان تدر على الخزينة العامة للدولة إيرادات مالية بالعملة الصعبة كعائدات تساهم بشكل فعال في دعم الاقتصاد الوطني لدرجة أن عدد بلدان العالم يرتكز اقتصادها القومي على دخول السياحة فحسب.. هذا في الوقت الذي ماتزال فيه الثروة التاريخية والأثرية السياحية التي تتمتع بها اليمن تعاني من غياب الوعي بأهمية هذا الكنز الوطني الذي لا ينضب. ويكاد يقتصر الدور على إيفاد عدد من الفرق التنقيبية الأثرية الأجنبية الموزعة هنا وهناك من باب اسقاط الواجب ليس إلاّ!! وغير خافٍ على أحد كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ما تتعرض له آثارنا الحضارية من سطو وانتهاكات ومتاجرة وتهريب وتخريب على مرأى ومسمع من الجميع. أفكار وتطورات تقافزت إلى ذهني دون سابق إنذار وأنا أرمق ببصري المبنى الحديث لمتحف ذمار الإقليمي الرابض في أحضان جبل هران التاريخي فالمتحف الموصدة أبوابه الحديدية العملاقة أمام الزائرين منذ عدة سنوات خلت وحتى هذه اللحظة تعبير حي ودليل واضح على ضعف الاهتمام بالجانب والحضاري والأثري في بلد الحضارات وأرومة التاريخ الأصيل والمتحف إياه شاهد يمكن أن يقاس على منواله الوضع المزري لثروتنا التاريخية العريقة الممتدة على طول البلاد وعرضها. وما استرعى انتباهي أكثر بخطورة الوضع وتأزمه ذلك التعليق الساخر الذي صدر على لسان (البروفيسور) بولانجه الخبير الفرنسي المتخصص في «سيتوجرافيا المتاحف» (تصميم وعرض التحف التاريخية من قطع أثرية ونقوش) والمعروف عنه إبداعه في تصميم سيتواجرافيا معهد العالم العربي بباريس الذي أحرز مركزاً متقدماً بين المعاهد العالمية بفضل لمسات البروفيسور الساحرة وخبراته المتراكمة. فأثناء زيارة الخبير للمتحف ولدى طوافه في أروقة المتحف لم يستطع أن يداري تذمره البالغ من الأوضاع التي وقف على حكايتها الأليمة البائسة حيث قال بالنص: إن المبنى غير مهيأ ولا تنطبق عليه المواصفات والمعايير المعروفة المتبعة في بناء وإنشاء المتاحف كما أن القطع القليلة المنزوية في أحد أركان المبنى على استحياء لاتفي بالغرض التي يظهر المتحف المعتبر.. وبين المبنى والمعنى للتحف الهزيلة المتواجدة امتنع الفريق الفرنسي عن إقامة فترينات العرض والديكورات اللازمة التي كان من المفترض أن تمول من الحكومة الفرنسية وغادر الخبير عائداً إلى بلاده حاملاً معه «خفي حنين ذمار» والشيء بالشيء يذكر فقبل أسابيع من الآن طالعتنا بعض الصحف المحلية بخبر استعداد قطر لدعم التنقيبات والحفريات للأتربة في بلادنا وإقامة مواقع أثرية وتهيئة منتجعات سياحية في اليمن واستبشرنا خيراً وقلنا عساها تنجلي غير أن خطوات وبوادر أوجست بامكانية انعكاس الآية سلباً فبعد المساعدة انعقد المؤتمر العلمي في دولة قطر الشقيقة لمناقشة الوضع الأثري والسياحي في بلادنا. والعجيب الغريب أن الذي شارك في المناقشة ممثلون عن البعثات الأجنبية بينما غاب الجانب الرسمي اليمني صاحب الشأن وموضوع النقاش تماماً إلا من شخص واحد عهد إليه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إعداد المأدبة اليمنية ولكن بأيادٍ أجنبية متجاهلاً على مايبدو رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف والمخطوطات الذي لم يحضر المؤتمر وعند اتصالنا به لمعرفة آخر المستجدات امتنع عن التعليق مكتفياً بالقول إن هناك ضبابية ستتبدد خلال أسبوع أو أسبوعين مع زيارة مرتقبة للوفد القطري وبمعنى آخر لم يطلع رئيس الهيئة صاحب الاختصاص الأول على تفاصيل المؤتمر وأهدافه ولم يؤخذ حتى الآن رأيه فضلاً عن تجاهل الكوادر والخبرات اليمنية الكبيرة التي تستطيع وعن جدارة التحدث بلسان سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات. فما جدوى انعقاد هذا المؤتمر؟ وهل سيرى الدعم القطري النور أو سيتحول إلى نثريات ومكافآت للبعثات الأجنبية؟ مجرد تساؤلات بريئة لا تحمل أية إساءة أو اتهام لأحد ولكن ما يجري على أرض الواقع يدعو إلى الاندهاش من كذا تصرفات !!