في ظل التطور المذهل للشبكة العنكبوتية "الانترنت" وتكنولوجيا المعلومات، تبزر مخاوف على مستقبل الصحافة التقليدية (المطبوعة) من اختفائها أو تهميش حضورها الإعلامي، مقابل نمو وارتقاء مقام الصحافة الالكترونية ودور الإعلامي رغم نقص الكوادر المتخصصة فيها. فهل يمكن أن يكون للصحافة الالكترونية صرح ثقافي وصحافي، تقف من خلاله بوجه الصحافة المطبوعة "التقليدية" وتزيحها من عرش الصحافة وتجلس عليه هي؟ هل بإمكان الصحافة الالكترونية أن تشارك في قيادة السلطة الرابعة، وهو ما انفردت به التقليدية منها على مدى قرون.. هل فقدت الصحافة المطبوعة بريقها وسحرها أمام غزو الصحافة الالكترونية؟ بحيث يمكن الاستغناء عنها أمام إغراءات الأخيرة ممثلة بما تقدمه من سهولة وسرعة وتوفرها في متناول اليد..؟ تساؤلات عدة يحاول الاستطلاع التالي الإجابة عليها من خلال آراء وأطروحات عدد من المهتمين والصحفيين العاملين في هذا المجال بشقيه الالكتروني والتقليدي.. الالكترونية نقلة نوعية في مجال الإعلام حيث يرى نائب مدير عام الصحافة الالكترونية بوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) الأستاذ توفيق عبدالعزيز القدسي أن الصحافة الالكترونية أحدثت قفزات كبيرة ونوعية من التطور في مجال الإعلام بحكم التقدم الهائل والمتسارع الذي يشهده عالم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وما وفرته هذه الشبكة العنكبوتية من سبل سهلة ومرونة كبيرة في الحصول على الخبر ومتابعة الحدث أولاً بأول ليصبح العالم وكأنه قرية صغيرة. ويضيف توفيق القدسي بقوله: "على الرغم مما تحققه الصحافة الالكترونية من سبق في تغطية الأحداث بحكم مرونتها ووسائلها المتوافرة بشكل كبير إلا أن الصحافة التقليدية لها طابعها الخاص في تغطية الأحداث وبالذات دقة معلوماتها التي تتطلب البحث والتأني وعدم الاستعجال في تدوين المعلومة كما هو جارٍ في الالكترونية التي تعتمد في مصادرها على السرعة وتغيير المعلومات أحيانا وصياغة الخبر من جديد. الصحفي أسامة غالب رئيس تحرير صحيفة الناس قال: لا شك أن الصحافة الالكترونية تنمو باطراد مستمر وبسرعة عالية، وهذا ليس غريباً في عصر التكنولوجيا والتدفق المعلوماتي الهائل والقرية الكونية كما يقال. أوجه المقارنة ويقارن نائب مدير عام الصحافة الالكترونية بوكالة (سبأ) بين الصحافة الالكترونية التي قال عنها: إن جمهورها يتميز بسرعة متابعتها دون تركيز بحكم تتابع المعلومات وسرعتها، وبالتالي تفتقد للعلاقة الحميمة التي تتميز بها الصحافة التقليدية مع جمهورها، ومن ثم فإنه من الصعب تخيل العالم بدون صحافة ورقية تقليدية، لأنها ستظل قائمة بحكم عراقتها وجمهورها الواسع. ويضيف القدسي: أعتقد أن الصحافة التقليدية مازالت تحتفظ بحضورها القوي ومن الصعب التخلي عنها بهذه السهولة، حتى وإن كنت من متابعي الصحافة الالكترونية فلابد وأنك ستحتفظ بنسختك التقليدية ويبقى بداخلك شعور ودوافع بضرورة اقتنائها، فثمة علاقة وجدانية بين القارئ وصحيفته، أقلها يتمثل في حملها والبحث عن الجو المناسب الهادئ لقراءتها وممارسة طقوس أخرى إن جاز التعبير. فيما يرى رئيس تحرير صحيفة الناس: إن المقارنة بين الصحافة الالكترونية والتقليدية أشبه ما تكون بالمقارنة بين الكتاب العادي والكتاب الالكتروني التي شغلت البعض اليوم ولكل منهما مؤيدون ومعارضون وثمة محايدون، وأعتقد أن كلاً منهما سواء الالكترونية أو التقليدية ستؤدي دورها ووظيفتها ولن تعدم إحداهما جمهور الأخرى الذي يتفاوت من بلد إلى آخر بناء على مستوى التقدم في المجتمعات. محلياً على الصعيد المحلي تبرز استخدامات للصحافة الالكترونية قد تفقدها في بعض الأحيان لمقومات أخلاق المهنة وخاصة ذات الانتماءات الحزبية منها، بدخولها في دوامة من الفعل ورد الفعل من المماحكات السياسية الحزبية متعددة الأغراض فيما بينها، وإن بدت تلك نظرية قديمة استخدمت ومازالت في الصحافة التقليدية. وهنا يؤكد نائب مدير الصحافة الالكترونية ب(سبأ): إنما هو ماثل أمامنا يكشف أن ثمة استخدامات كبيرة لهذه القنوات من الصحافة وخاصة الحزبية منها، في المماحكات السياسية والأغراض الحزبية إلى جانب وجود العديد من المواقع الإخبارية التي تفتقد لأدنى مقومات أخلاق المهنة والتي يقتصر هدفها فقط في الإثارة والتشويه للحقائق. بين هذا وذاك بين هذا وذاك يرى الصحفي أحمد صالح الحمزي "محرر بصحيفة أخبار اليوم" أن الصحافة الالكترونية أثرت وبشكل حيوي و مباشر على حركة الصحافة التقليدية وأصابتها في عقر دارها، بما وفرته من سبل سهلة للحصول على الخبر ومتابعة الحدث أولاً بأول، واختصرت مسافات كثيرة على المتابعين للأحداث، أقلها مشوار الذهاب للسوق و شراء الجريدة أو المجلة، ووفرت ثمن الاشتراك في المطبوعات بأنواعها. ويضيف: الصحافة الالكترونية ولدت بين أيدي التكنولوجيا وتعد من أحد المعالم البارزة لما يسمى بالعولمة، لذلك تراها تعبر الحدود و لا تعترف بالفواصل والحدود التي تحدد الهويات والأجناس والقوميات، بل إن هناك صحفيين ممن يتعاملون مع هذا النوع من الصحافة يعتبرون أنفسهم عالميين وغير منتمين إلى هوية صحفية معينة، ومثال ذلك الصحفيون الذين نقرأ لهم على شبكة الانترنت فقط ولا نرى لهم شيئاً نقرأه في الصحف والمجلات الورقية. الواقع الملموس ومما يؤكده الواقع الملموس أن صحافة الانترنت قد ساهمت في تراجع أو انخفاض نسب التوزيع من الصحف التقليدية في كثير من بلاد العالم سواء عن طريق ما يطلق عليها بالمدونات، أو عبر فتحه المجال لقراءة الصحف والمجلات مباشرة من الموقع الإلكتروني بلا مقابل مادي. طموحات بلا حدود ويبدو أن طموحات الصحافة الالكترونية لن تقف عند أي حدود، لما بدأته من استدراج للإعلام المرئي والمسموع (الإذاعات والفضائيات) إلى دائرتها، لتكشف إحصائيات عالمية أن نسبة عالية من المتصفحين تتابع برامج الراديو أو تشاهد التلفاز عن طريق الانترنت، وصولاً إلى تنامي ظاهرة خدمة الرسائل القصيرةSMS) ) التي تطلقها شركات الاتصال لمشتركيها تطلعهم من خلالها بآخر الأخبار معتمدة في ذلك على ما تزودها به الصحافة الالكترونية. بالمقابل يشهد سوق الانترنت انتشاراً كبيراً في الدول المتقدمة، أما الدول العربية فلا يزيد مستخدمو الانترنت عن 8% من إجمالي السكان، في حين يصل في بعض المناطق مثل أمريكا الشمالية إلى 67.4% وأوروبا إلى 35.5% طبقاً لأحدث الإحصائيات. هذا ويرى أكاديميون وباحثون أن الصحافة الالكترونية هي وليدة الصحافة التقليدية، وأنها مرحلة متطورة من مراحل التطور المستمر للصحافة المطبوعة، وأنه من المبكر جداً الحكم على الصحافة الالكترونية ومدى تأثيرها على مستقبل الصحافة الورقية، بالنظر إلى أن الأخيرة لاتزال إلى اليوم سيدة الموقف.