النابغة الذيباني شاعر جاهلي اسمه الحقيقي زياد ويكنى بأبي أمامة اشتهر بعلاقته بالنعمان بن المنذر ملك الحيرة وكان على اتصال وثيق معه إلى أن حدثت ريبة في قصر النعمان فهرب الشاعر الذبياني في قطيعة أبدية بينه وبين النعمان مدى الزمان وعمل أثناء فترة القطيعة على كتابة عدد من القصائد عرفت فيما بعد بالاعتذاريات تنصل منها النابغة الذبياني عن التهمة التي ألصقت به واعتذر للنعمان عن كل ذلك حتى رضى عنه وتعتبر اعتذاريات النابغة الذبياني مشهورة في الشعر الجاهلي ومنها القصيدة العينية التي ورد فيها قوله للنعمان: فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع وقد وجد الأدباء والشعراء في هذا البيت معنى طريفاً نسجوا على منواله وقالوا فيه مايشبه نثراً وشعراً ومن بين الشعراء طرفة بن العبد البكري الذي قال: لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لك الطول المرض وثنياه في اليد وقال الكثير ممن عاصروا النابغة الذبياني بوصفه شاعراً مجيداً بمعنى من المعاني يستوقف عند الشعراء فيأسرهم بفكرته ويأخذهم بتنبيهه وأفضل ماقالوه عنه إنه أفرط في مدحه النعمان والاعتذار إليه وماكان النعمان إلا رجلاً عرفه الناس كما عرفوا غيره وذكروا على لسان جرير بن يزيد أحد رواة العرب إنه قال: كنا عند الجنيد بن عبدالرحمن في خراسان من أعمال فارس وعنده بنو مرة وجلساؤه فتذاكروا في الشعر وذكروا شعر النابغة وعرجوا على قوله للنعمان: فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع وحول ظاهرة المديح والهذيان الشعري يقول المؤرخ والأديب اليمني الكبير سعيد عوض باوزير في كتابه «الثقافة وسيلتنا إلى الكفاح» لقد مضى ذلك العهد الذي كان يقال فيه إن أعذب الشعر أكذبه وأصبحنا في عصر يعتبر الشعر فيه رسالة سامية ذات أهداف نبيلة أساسها شعور دافق وإحساس صادق وتصوير أمين خلاق رائع فلا مكان للغش والغشاشين والخداع والخداعين. وطالب الأديب الباوزير بحماية الشعر من الأساليب القديمة والمعاني السقيمة بل المطلوب ان يكون الشعر متفقاً مع طبيعة رسالته صادقاً كل الصدق في التعبير في الموضوع والمضمون والجوهر الأدبي الحصيف.. لقد صدق الأديب باوزير فإن بعض مانقرأه أو نسمعه يندرج فيما قاله ويتعدى بعضه إلى الهذيان والمبالغة والمزايده الكاذبة والزيف والهوس الشعري والضحك على الذقون وذلك وكما قال: لايليق بكرامة الشعر ولاروح العصر وهذه مسئولية كبار الأدباء والشعراء واتحاد الأدباء في الوقوف أمام النصوص والدواوين الشعرية وهي مهمة أدبية لابد منها.