بداية نشاطه الإبداعي بعد خروجه من السجن بقصيدته التي تعد من روائع الشعر العربي المعاصر التي يقول فيها: خرجنا من السجن شم الأنوف كما تخرج الأسد من غابها نمر على شفرات السيوف ونأتى المنية من بابها فقد تحولت هذه القصيدة عند الشاعر اليمني الكبير الزبيري تحولاً عميقاً وانتقلت القصيدة من المديح والنصح والمطالبة بالاصلاح إلى الرفض والثورة وانتقلت الكلمة من المهادنة إلى المواجهة وانتقل النضال إلى شكل أرقى مماكان عليه في مرحلة الاستعداد للتغيير فهذه المرحلة تتميز عن سابقتها بقيام تنظيم الأحرار وإن كان يضم أناساً من مختلف الاتجاهات واصدار صحيفة صوت اليمن تحمل آراء الحركة في تعبير النظام القائم آنذاك وتشكيل الميثاق المقدس واتساع القاعدة الشعبية للأحرار نسبياً عما كانت عليه في السابق إلا أنها ظلت بعيدة عن القبائل اليمنية الزخم الحي للشعب اليمني. ويقول الأديب اليمني المعروف أحمد علي الهمداني في بحثه الأدبي عن الزبيري في مجلة الحكمة اليمانية يوليو 1885م :إن مرحلة التغيير بما صاحبها من اخطاء أدت إلى قيام حركة 1948م ولانستثنى حركة 1955م ايضاً بقيادة المقدم أحمد الثلايا كما أدت إلى انتكاسة هاتين الحركتين في مهدهما ورافق سقوط الحركة أو الثورة تشرد الزبيري في بقاع الأرض حاملاً معه جراح النكبة وعذاباتها وواصل الشاعر نضاله وتحمل واجبه الوطني والقومي والإنساني ويضع على عاتقه في هذه الفترة النضال بالكلمة ومجالدة الطغاة اينما كانوا واتجه إلى مصر بعد قيام الثورة المصرية 1952م ويستمر نضال الشاعر واضعاً نصب عينيه ضرورة إسقاط الإمامة وقيام نظام شعبي في شمال الوطن. وأضاف الهمداني في بحثه الأدبي القيم: وتحقق أمل الشاعر وتسقط الإمامة ويقوم النظام الجمهوري الذي دعا الزبيري إلى تحقيقه بما يمتلك من قدرات وطاقات ويعود إلى اليمن وهنا تبدأ تجربة جديدة في حياته وهي فترة من أخصب فترات حياة الشاعر وحركة الأحرار ففي هذه الفترة تعددت أشكال نضال الزبيري وتنوعت القصيدة ومنها لمسنا الاصرار الكبير في أدب الشاعر ومواقفه، ففي عدن كان النضال مبرمجاً جماعياً، وفي باكستان كان الشاعر وحده يناضل متخذاً من الخطابة والشعر منبراً لنضاله، وفي مصر يدخل الزبيري نطاق النضال الجماعي ويرأس الشاعر فرع الاتحاد اليمني في القاهرة وتنوعت القصيدة ايضاً..القصيدة القتالية وقصيدة الحنين في عدن والقصيدة الإنسانية والقومية والممزوجة بالشرقية الإسلامية في باكستان ويوجه قصيدته في النضال مع شعب باكستان فتتشكل النزعة الإنسانية على وضوح كامل ويبدو الاتجاه القومي بارزاً في شعر الزبيري وفي مصر تتوهج شاعرية الزبيري فتتكرر الأحداث العربية وتبقى في ذاكرته قضيته الأساسية اليمن فيتابع كل مايدور وساهم في اثارة الوجدان اليمني شعراً وخطابة ومقالاً وفعلاً سياسياً ويتحقق فعل التغيير في سبتمبر 1962م ويعود الشاعر إلى اليمن وتبدأ تجربة شاقة أخرى في حياة الزبيري تتوج استشهاده في هذه الفترة حيث عايش الشاعر الأحداث السياسية بكل وجدانه ووعيه..ويسقط الشاعر شهيداً بعد تجربة مريرة من الكفاح السياسي المجيد في نهاية وطنية هي أزهى تجربة في تاريخ اليمن المعاصر..وأهم مميزات هذه الفترة أن شعر محمد محمود الزبيري قل قلة ملحوظة أو لعل شعر هذه الفترة لم يصل إلينا كما لاحظنا في الفترات الأدبية المضيئة الزاهرة من فن الخطابة ونضالية القصيدة والفعل السياسي خطباً وقصائد فنية زاهية لابد من جمعها ونشرها على القراء كشكل من أشكال أدب الزبيري ونضاله. لقد صنع الزبيري لي ولك ولكل الناس حتى تكتب عنه هذه الكتابات ونقول بكل فخر واعتزاز.. لقد صنع الزبيري لي ولك هذه الحياة التي تعيشها اليوم وحقق لنا جميعاً هذه السماء اليمنية الصافية وهو فوق كل ماقيل ومايقال صورة من مجد ولوحة من تاريخ نستمد منه العبر ونبصر به الطريق الطويل في حياتنا الحالية والقادمة.