أقامت الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وضمن فعاليات "منتدى الاثنين" مساء اليوم فعالية ثقافية وأدبية خاصة بمناسبة ذكرى رحيل شهيد اليمن وشاعرها أبو الأحرار محمد محمود الزبيري، تحدث خلالها عدد من الأدباء والمثقفين حول إبداع وحياة الأديب والمناضل الكبير. وقد استهلت الأمسية الأديبة هدى أبلان- الأمين العام لإتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين- بالترحيب بالحاضرين معبر عن تقدير الأمانة العامة لحضور الأستاذ المناضل العميد محمد علي الأكوع – رفيق الزبيري في مسيرته النضالية، وواحد من الأحرار اليمنيين الكبار الذين أضاءوا درب النضال الوطني بعظيم عطائه من أجل حرية اليمن وانطلاقه الى آفاق الحداثة، وعبرت عن شكر الاتحاد للناقد عبد الله علوان لمساهمته بورقة نقدية حول تجربة الزبيري الإبداعية ، وأكدت وفاء الاتحاد لمسيرة الحركة الوطنية اليمنية في البلوغ بالوطن الى مستوى الآمال العظيمة للأحرار اليمنيين وفي مقدمتهم أبو الأحرار محمد محمود الزبيري الذي استوقفها بكثير من التعظيم والانبهار بهذا الرمز الثقافي والفكري والأدبي والسياسي. ووصف الأستاذ احمد ناجي أحمد – الأمين العام المساعد للإتحاد- أبو الأحرار بالمفكر الذي مهد لقيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م ضد الحكم الإمامي المستبد، وثورة الرابع عشر من أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني الغاشم، وأضاف: لقد انطلق منهج الأحرار في تقديم واقع البلاد في ظل الحكم الاستبدادي الإمامي، واستشهد بكتاب الزبيري "الإمامة وخطرها على وحدة اليمن" الذي لم يكتف فيه بتقديم معرفة تفيدنا على تفسير الواقع بل انه قدم منهجاً يعين على تطوير الواقع في سياق فكري بين العقل والحرية. كما تطرق الى كثير من الجوانب التي استلهمها من سيرة الزبيري، وعطائه للإنسانية. وفي دراسة قدمها الأديب والناقد عبد الله علوان حول رومانسية الزبيري أشار الى أن ثمة علاقة حميمة بين الصوفية والرومانسية وهي الانطلاق من الذات- ذات الشاعر الموهوب- وليس من المثال المنسوب ن كما نلاحظ ذلك عند الكلاسيكيين ، ولا من الواقع كما هو الحال مع شعراء الواقعية، مضيفاً أن الواقع إما أن يتصوره الشاعر تصوراً واعياً فتبنى على تصوره ذلك أشعاره ، وأما أن يكون هو الشاعر ذاته ، فالرومانسية ذات او هي وعي ذاتي وعليه يقيم الشاعر بنيانه المعرفي حول الوجود ، بصرف النظر عما اذا كان هذا البنيان المعرفي واقعي أم خيالي، مبينا أن أمارة الشاعر الرومانسي هي انه يؤنس الأشياء ويجعل لها كيانات مماثلة له أو مستحبة اليه من جهة ، ومن جهة أخرى فان الرومانسي يقوم بعملية معاكسة مستدلا بقصيدة على محمود طه( قيثارة) ككيان مادي وبشري . أما طلاسم إيليا أبو ماضي – حد تعبير علوان- فهيب على العموم كيانات مادية وبشرية ، معرجاً على أن رومانسية الزبيري تنطلق من ذات متحدة بذات أخرى وهي أشبه بالموضوع أنها الصوفية التي انسلخت عن عباءتها العربية والإسلامية.، وراحت تبحث عن وجود خاص بها لتتحدث به ، وقال : إذا كانت الصوفية مع ابن عربي هي الإنسان الكامل اتحد بالوجود او بالذات الكلية فان الرومانسية عند الزبيري هي اتحاد الصوفي بالرومانسي كوجود مغاير لوجوده ، وأنه الآخر الذي اقتحم وكر الشاعر اقتحاماً ويمكن القول ان رومانسية الزبيري هي وعي صوفي تمازج بالوعي الرومانسي واتحد به وشكل كلاهما وعياً جاذبا في ذات الشاعر محمد محمود الزبيري أثناء احتكاكه بثقافة علي محمد لقمان ولطف جعفر أمان في مدينة عدن آنذاك. ومع تواشج الذات الصوفية بالذات الرومانسية في وعي الزبيري نجد ان شعر الزبيري الذي يسمى رومانسيا ينطلق من الشعر العربي بمنحاه الحميني أو الشعر الغزلي بما في ذلك الفصيح فهو الأرضية الشعرية التي يقف عليها شعر الزبيري كما نلاحظها في قصائده (حنين الطائر ) و(غربة) و(الى وطني) واخيراً قصيدته (_البلبل) ، وكلها قصائد قالها في عدن كما يقول الدكتور رياض القرشي في كتابه ( شعر الزبيري). فالبلبل وحدة ذاتية، هي الشاعر الصوفي أو الصوفي المناضل أو الذات المنسلخة عن الشاعر ، ولهذه الذات عدة صفات أبرزها الحب ، والعجز عن ممارسة ذلك الحب أو قل أن هذا الرومانسي ما هو إلا طير ابتلاه الله بالحب فانقلب الحب الى مأساة تجرع ويلاتها الشاعر – كما يقول المقطع الأول : أثرت الصبابة يا بلبل ..... كأنك خالقها الأول غناؤك يملأ مجرى دمي .... ويفعل في القلب ما يفعل سكبت الحياة الى مهجتي..... كأنك فوق الربا منهل ترتل فن الهوى والصبا...... شجياً وإن كلمت لا تعقل غزتك الى الوكر مأساته ..... ومسك من خطبه المعضل نكبت بما نكب العاشقون ...... وحملت في الحب ما حملوا أتوه فقيراً وفي صدره ...... فؤاد وفي فمه مقول وعلق: منذ بداية المقطع نجد الخطاب الشعري يتجه صوب البلبل أو الطير بما هو كيان مادي خارجي مستقل عن وعي الشاعر ، هذا البلبل يقبع في الدوحة وحيداً يرتل أنغامه نغماً نغماً ، وأنغام ليس لها من مجال تؤثر عليه سوى الشاعر، وعلى الشاعر وفيه كذات واعية تتجلى تأثيرات هذا البلبل وهو ليس مثالا للشاعر ولا شاعراً يتماثل مع الذات كما عند شعراء الحميني بل هو وحدة مستقلة أو ذات واحدة ، لها عدة صفات ولكن هذه الذات وهي ذات عبقرية وقع عليها الغزو ، فقد غزاها الحب وجعلها أشبه بالمرجل أو ذات خفيفة استخفها الطرب وأثقلها باللوعة والحنين الى القها القريب منها البعيد عنها في آن ، وهذه الذات تتصف بصفات إنسانية تراجيدية ، فلم تكن تعي ما الحب ، وما أن عرفته وجدته معضلة فاعتراها من عضلته الضيق وتعذبت بنيران الفراق أو من التشرد والحصار وأصبحت تعاني من مأساة إنسانية هي الى هذا الحد أو ذاك صورة من أحوال الشاعر نفسه . فنكبة الأحرار لا تختلف لا عن نكبة الزبيري ولا عن نكبة البلبل ، والألف الذي فارقه الزبيري هو أزواج متآلفة قاست فراق الحياة وتحملت مآسي من فارقت من جهته تحدث اللواء محمد علي الأكوع عن دور الشهيد الزبيري مبرزاً العديد من المواقف والمحطات النضالية والأدبية التي ظل يناضل من اجلها الزبيري كقضية ظلت راسخة في وجدانه وضميره حتى آخر لحظة. ووقف طويلاً أمام فصول من حياة الزبيري في كنف الإمامة ، وطبيعة العلاقات التي سادت تلك الفترة ، وقسط كبير من مفردات ذكريات العميد الأكوع مع أبي الأحرار، ومواقف الشعر، والسياسة، والمجتمع التي اجتمعوا إليها .. ( وستقوم "نبأ نيوز" بنشر تفاصيل مذكرات الأكوع مع الزبيري في وقت لاحق) كما تحدث في الأمسية عدد من الأدباء في مداخلات أثرت الأمسية ، وأبرزت الكثير من السجال والأدوار التي التصقت بشخصية أبو الأحرار الزبيري.