صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أثرت فنوننا على الغير.. وتأثيرنا الأگثر وضوحاً گان في الخليج والحجاز
الفنون الشعبية اليمنية .. بين فن الإيقاع ورونق الأزياء
نشر في الجمهورية يوم 05 - 04 - 2008

يشير علماء ثقافة الشعوب إلى أن الفنون ظهرت عند الأوائل وأنها كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعمل، فعند دراسة مختلف الفنون وجدوا أن ممارستها تمثل شعاراً وطقوساً ذات مكانة وظيفية، وذلك من أجل زيادة المحصول والخصب والنماء والتكاثر، أو خوفاً من الآفات الزراعية أو الموت أو الأمراض أو طلباً للمطر والخير الوفير وخوفاً من العواصف والزلازل والبراكين والفيضانات، وتفسيراً لمختلف الظواهر الكونية في كل مراحل الحياة البشرية منذ مراحل التوحش والبربرية حتى عبادة الأرباب، وقد بقيت بعضها إلى يومنا هذا، نجد مثالاً على ذلك عند قبائل الأسكيمو في المهرجانات الدينية الراقصة المختلفة والمناسبات ومنها ما نجده في محافظتي حضرموت وشبوة عند احتفالات صيد الوعول.
وقد ظهرت بعض التسجيلات لهذه الفنون في معابد اليونان والمصريين، وكذلك ما وجد على الجدران وجدران الكهوف والنقوش والتماثيل والألواح المعدنية والأختام والآنية المعدنية والخزفية والقماش والورق وغير ذلك.
ولا يعرف على وجه الدقة متى وأين كانت نشأة الرقص والغناء وأيهما كان الأسبق، لأن كل هذه الفنون القديمة وصلت إلينا بالتدريج وعلى دفعات، وقد فقدت ملامحها الدينية على مر الزمن وهيمنت عليها روح التسلية والمرح أو الترح في أحيان أخرى، والناس على مختلف جنسياتهم لديهم تقاليد موروثة في الرقص والغناء، انتقلت إليهم عبر الأجيال لكنها تظل تلك الفنون التي تمارس فقط للتسلية أو بحكم العادة وفي مناسبات معينة، والملاحظ أن عوائد الزمن وفكرة التطور تظهر هذه الفنون ومعها تختفي حقائقها الروحية أو تختفي هذه أو تلك كلياً من أنماط الفنون المختلفة، ويحل محلها ما يرتبط بالوجدان الجمعي، لقد اختفت عادة أو ربما ملامح رقصة قديمة كانت تمارس في بعض محافظاتنا الشمالية، يلبس فيها المحتفلون جلود الماعز، والثيران، واختفت رقصة قديمة كانت تمارس في مناطق ساحلية من محافظة حضرموت هي رقصة إله البحر «سوبان» والتي تؤدى مرة كل عام ويكون الحصاد السمكي وفيراً في السنة المقبلة (انظر محمد بامطرف الرفيق النافع) وكذلك رقصة الإله «حول» إله المطر في وادي حضرموت.
إن اللافت للنظر هو هذا التنوع والثراء في فنوننا الشعبية وخاصة فيما نحن بصدده الرقص والغناء رغم قولنا إن عوادي الزمن قد قلصت أو ألغت أو طمرت ما لا يتناسب والوجدان الجمعي أو التي فقدت دورها الوظيفي، ولربما حلّت محلها أخريات أو رتب وضع السابقات لتؤدي الدور الجديد المنوط بها لاحقاً، لكن كثرتها وتنوعها مدعاة لجمعها وتوثيقها ودراستها لتلقي الأضواء المباشرة وغير المباشرة لثقافة اليمنيين في بقاعهم ومساكنهم وأماكن استقرارهم في كل أجزاء الوطن اليمني.
إن كثرتها وتعددها تعود إلى أشكالها وأنماطها في الأزياء وأوزان أشعارها وانقسام ألحانها وضربات إيقاعاتها ومختلف أدواتها وتنوع ملابسها وآلاتها الإيقاعية ومعزوفاتها الموسيقية من وترية وهوائية ومعدنية وخشبية وجلود الحيوانات، وآلات الشخشخة وغيرها.
ولا ندّعي بأن هذا التنوع الجميل والفاتن بل الساحر تنفرد به محافظة حضرموت دون سواها، ولكننا نجد مثل ذلك أو قريباً منه على الأقل في المدن والقرى الساحلية المطلة على امتداد البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن.
ويبدو أن أغلب هذه الفنون ذات عمق وأصالة، ذلك ما تثبته لنا دراسة أي منها مع مقابلتها ومقارنتها مع فنون الشعوب الأخرى القريبة منهم والبعيدة عنهم.. وإن هذا الثراء يفرض دراسة أحوال اليمنيين ونشاطاتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية خاصة فترة نشوء الاستقرار الحضاري الذي تمثّل في تكوين الدولة اليمنية كدولة معين ودولة حضرموت ودولة سبأ ودولة حمير وغيرها.
وفي مقامنا هذا الذي لا يسمح لنا بمتابعة الدور الحضاري للدول اليمنية نلفت النظر إلى ظاهرة واحدة هي أساس حضارة اليمن، حيث يرى الدارسون أنها حضارة قامت على أساس تجاري وسيط بين مواقع البضائع ومواقع طالبيها، إضافة إلى تسويق بضائعهم التي كان أشهرها اللبان، لذا كان لابد من الناقلين لها من هنا وهناك.. وقد كلفوا أنفسهم ونافسوا غيرهم عناء هذا النقل، وقد انقسموا إلى قسمين: القسم الأول يتولى نقل البضائع بحراً إلى شرق أفريقيا وشرق آسيا، واهتم القسم الثاني بتولي نقلها إلى الشمال براً إلى مصر وفلسطين ليتولى آخرون نقلها إلى أوروبا وغيرها.
لا نشك أبداً في أنهم كوّنوا جاليات أو مراكز اتصال أو مكاتب أو وكلاء في كل مناطق التعامل التجاري، وقد أشارت بعض الكتب لمثل ذلك.. إن هذا الانفتاح الاقتصادي بين الشعوب والتواصل أثمر عن تسهيل عملية الانتقال إلى بقاع مختلفة من العالم، خاصة تلك التي شكّلت نشاطاً اقتصادياً كبيراً لفت الأنظار وأثرى النشاط التجاري المتبادل مع اليمنيين، وأصبحت أماكن للعيش والتوطن، إضافة إلى كل ذلك ما جُبل عليه الإنسان اليمني قديماً وحديثاً في حبه للهجرة في شتى أنحاء المعمورة، وكان من نتائج ذلك الانفتاح الثقافي.
إن هذا الاتصال القديم والممتد عبر الأزمنة والأمكنة ترك أثراً هنا وهناك، لقد تأثر اليمنيون عموماً وأثروا في أماكن وجودهم الدائم أو شبه الدائم، نقلوا النشاطات الفنية المختلفة منهم إلى غيرهم ومن غيرهم إليهم.
ويرفض الوجدان الجمعي بعضها ويقبل أخرى ويهذّب ويطوّر أخريات، ونحن في هذه العجالة لا نستطيع أن نكتب كل شيء، ولكننا نتمثل بالموجز منها ونقصر الحديث عن محافظة حضرموت لتكون نموذجاً للمحافظات اليمنية، لأننا من سكان هذه المحافظة وأهل مكة أدرى بشعوبها، وحيث أننا نركز حديثنا عن فنونا الشعبية، فلنا أن نسأل ما حجم أثر موروثات الشعوب الأخرى علينا، خاصة في المناطق الساحلية، ولا بأس من ذكر ما يفرضه علينا الموضوع الذي نكتبه، إننا نعترف بأن الهند بفنونها الجميلة قد تركت أثراً علينا، لكن هذا لم يكن إلاّ طاقة في معمار البناء الفني اليمني، أما أفريقيا فقد تركت بعض التأثيرات كرقصة «الليوه» فيما جاور مدينة عدن ورقصة «الباميلا» في مدينة الشحر وما جاورها ورقصة «الطمبرة» في سيئون وتريم وما جاورهما وكذلك بعض الألفاظ.. وقليل جداً من شطرات شعرية دخلت إلى بعض الرقصات ولم تستمر لكن الإيقاع «الشحري» الرباعي يتساوى مع إيقاع «الرومبا» الأفريقي الأصل الذي انطلق من أمريكا الجنوبية واللاتينية إلى أوروبا ثم إلى أندونيسيا، ثم عبر المهاجرين إلى محافظاتنا، فهل كان النظام الإيقاعي الرباعي الشرقي أصوله أفريقية مع ملاحظة أن النظام الإيقاعي الشرقي رباعي..؟
أما الفنون في جنوب شرق آسيا فلم تترك أي تأثير يذكر على فنوننا، رغم أن الجاليات اليمنية وبالذات في محافظة حضرموت المستقرة هناك كبيرة، ورغم وصول الكثير من نشاطهم الثقافي إلينا ورغم أن كثيراً من المهاجرين إليها قدّموا أغنيات باللغات واللهجات المستعملة هناك واقتصر التأثير على الملابس والأكلات وبعض أدوات الزينة والمنزل وغيرها، وكان قليلاً.
والعكس حدث أيضاً، فقد أثرنا على غيرنا كثيراً، ولعل تأثيرنا الأكثر وضوحاً ما تركناه على الفنون في الخليج والحجاز، رغم أن المحدثين من الكتّاب يحاولون عبثاً التنصل من ذلك التأثير، لأن أوائل من كتبوا يعترفون بمدى ذلك التأثير، خاصة على فن الصوت كالشعر اليمني الحميني والألحان والرقص وهو الزفين والآلات كالقنبوس والمرواس، ونحن في هذا العام لا ننكر القول من إن لكل شعب من الشعوب فنونه، ولكننا نضيف بأن فنوننا من الثراء والروعة والجمال والتجدد مجلبة للامتداد والاستلهام والتقليد والمحاكاة بل والسرقة، ولا بأس من أن نقول إن المبدعين يضيفون إليها من روحهم وإبداعهم وهنكهم أي طابعهم ما يجعلها تقدم على شيء من المقبول والمستحب لدى شعوبهم.
لقد نبّهنا الرحالة الألماني هانز هو لغريتز في كتابه «اليمن من الباب الخلفي» إلى وجود تشابه كبير بين الموسيقى البربرية وبين ألحان اليمن في الجنوب العربي من شبه الجزيرة العربية مستنداً في تدعيم رأيه إلى تسجيلات موسيقية في هذا الموضوع.
ويضيف الأستاذ عبدالعزيز عبدالجليل في كتابه «مدخل إلى تاريخ الموسيقى المغربية» قائلاً: «حينما ندرك أنه كان للعرب القحطانيين من أهل اليمن خلال العصور الموغلة في القدم دولة ترتبط بعلاقات سياسية وتجارب مع بلاد الهند وشواطئ أفريقيا الشمالية، وأن السفن اليمنية كانت تحمل إلى شواطئ أفريقيا الشمالية بضائع الهند، حينما ندرك هذه الحقائق التاريخية، نستدرك معها كيف وصلت إلى المغرب موسيقى اليمن، وكيف كانت هذه البلاد عينها حلقة الوصل بين المغرب وبين الشرق الأقصى.. لقد حمل المهاجرون فيما حملوا الموسيقى اليمنية وما طبعها من مؤثرات».
ونحن نعلم أن اليمن شديدة الحذر من مسألة التأثير المباشر ولا أدل على ذلك أكثر من تأثير الأتراك وهم أمة موسيقية، حيث كان قليلاً ومنعدماً في المناطق البعيدة، ومع علمنا أن هناك أغنية للفنان الشبامي الشحري سيد عوض كادره صاحب المستشرق لاند بيرج تقول أمان.. أمان، لكن ذلك لم يدم طويلاً ثم إننا نرى كم من الوقت الطويل الذي استغرقه العود الحديث ليصل إلى اليمن في أواخر النصف الأول من القرن العشرين الماضي، وجدير بالذكر أن طليعة اليمنيين كان الفيلسوف الكندي الذي شدّ إزر الروح العربية وتمسك بضرورة الحفاظ على المأثور العربي في الغناء وأتباعه، فوضع الأصول النظرية التي تبنى عليها أنواع الغناء والألحان الموسيقية العربية.
على أننا لا نقول بأن الهجرة هي أساس التنوع والثراء في فنوننا الشعبية من رقص وغناء وموسيقى، ولكننا نقول بأنها واحدة من أسس كثيرة ساهمت في تطور الفنون وشاركت في صنعها وتنوعها ومن أهم الأحداث التاريخية التي كثيراً ما أثرت في واقع الفنون وغيرّت مجراها وطبيعتها.
ولنضرب مثلاً في التطور الذي لحق رقصة (الظاهري) التي لم يعد لها وجود إلا في مناطق معينة وتنحصر فيما بين مدن الهجرين وحريضة وحورة، إذ إننا نرى أنها تطورت إلى رقصة «الشوّاني» منذ دخول اليمن في كنف الدولة الأيوبية، حيث جاء جنودهم على سفن تعرف أو يطلق عليها (الشوان) وكان جنودها البحرية يقال لهم (الشوانية) واستقروا بالموانئ.
واقتصرت مهمتهم على حماية السفن التجارية عابرة المحيطات وما عليها من قراصنة المحيط الهندي وبحاره المتفرعة منه، وفرضت ضريبة جمركية هي (الشواني) تدفع على البضائع الواردة إلى تلك الموانئ اليمنية، و قد ذكرها كل من ابن المجاور في (صفة بلاد اليمن) والطيب بامخرمة في «ثغر عدن» وحسن شهاب في «عدن قرصنة اليمن».
على أن الأحداث الأخرى كالدول المركزية ثم التمزق إلى قبائل متناحرة ومثاوى منغلقة وظهور الإسلام ثم المذاهب التي منها من يبيح الغناء ومن يحرمه ثم النشاط التصوفي وما رافقه من غناء وإنشاد وموسيقى وآلات ونظرته لبعض الرقصات والغناء وبعض المعازف.
ثم البيئات المختلفة من سهل وجبل ووادٍ وصحراء والنشاطات الثقافية هنا وهناك ووجود المبدعين ثم الانفتاح على الكل محليين وأجانب وكذلك التجمعات البشرية في المدن والموانئ الكبيرة التي يأتي إليها الناس في جماعات تختط لنفسها مكاناً دون الآخرين في حي من هذه المدينة أو تلك، إضافة إلى الجاليات التجارية والعمالية ونتائج تجارة الرق وغير ذلك.
كل هذا كان له الأثر الكبير في التنوع والثراء واللطف والطرافة والإبداع والتجديد في كل مجالات الفنون وخصوصاً ما نحن بصدده من رقص وغناء وموسيقى.
ونحن لو اخترنا مثلاً مدينة الشحر لرأينا العجب، لأننا نستطيع أن نعدّ أكثر من ثلاثين رقصة شعبية تنوعت بين الرجالية والنسائية والمختلطة، ومنها (الخابة، العدة، الشواني، الظاهري، الغية، الرزيح، القطني، الحذري، الحفة، رقصة المزمار، المريكوز، الدني دان، الزوامل، البرعة، المرفع، الهداني، الخيبعان، زفين النساء، زفين الرجال (شرح الرجال)، الزربادي، الدقاقة، الدرجة، الخفيف، الديسي، الفلاّتي، زفات النساء الثلاث، زفة العريس، رقصة الحناء، المسندي»، ونستطيع قول مثل ذلك كثر أو قل نفس العدد في كل من المكلا والغيل، وسيئون وشبام وتريم وغيرها من المدن والقرى والوديان.
قال الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف في كتابه المخطوط «الشعر الشعبي فن وصناعة» ما نصه: «إننا نجهل مصادر أسماء بعض الرقصات الشعبية، كرقصة (الظاهري) ورقصة (الغية) ورقصة (الريكوز) ورقصة (الدحفة الدحيفة)، وكل رقصة من هذه الرقصات لها وزنها الخاص في الشعر الشعبي» وبالتالي ألحانها المتجددة والمتنوعة.
فرقصة «الحفّة» مثلاً والتي يحلو للبعض أن يطلق عليها تسمية «الهبيش» في حين أن كثيراً من الرقصات يقال لها «هبيش» أو قولهم «ساحلي» بينما نجد لدى أهل الساحل العديد من الرقصات، في حين تنفرد هذه الرقصة بتسمية (الحفة) دون غيرها، هذه الرقصة الجميلة جداً التي بدأت في الانقراض في العقد التاسع من القرن الماضي، من الرقصات المختلطة وهي رقصة القرويين والتي تمتد جغرافياً من مدينة غيل باوزير وقراها ومدينة شحير إلى الريدة الشرقية وقراها، ولها ألحان شجية جداً ومتجددة، وقد فرضت على الشعراء التنوع في أوزان شطرانها الشعرية الأربع اللاتي تختلف وتتنوع مع ما يناسبها من ألحان، وكأني بالأقدمين من المبدعين قد ملّوا الرتابة في القصيدة البيتية، فتطورت إلى ما يشبه إلى حد بعيد التطور عند الوشاحين في اليمن والأندلس، فكانت هذه الألحان أساس اللون المنتشر في وادي حضرموت والذي يطلق عليه خطأً (الدان الحضرمي)، حيث تتنوع الدانات في محافظة حضرموت وغيرها من المحافظات اليمنية، حيث أن الدان لم يكن إلاّ قالباً موسيقياً أو هو نوتة موسيقية لم يكتب لها التطور، فظلت نوتة شفاهية، ولم تصل إلى مرحلة الكتابة.
(انظر ما كتبناه عن الدان بصحيفة شبام الصادرة في 6/10/1999م).
إن هذه الألحان القديمة والجديدة والمستحدثة والمطورة هي أساس أغنية الفنان الشاعر حسين أبوبكر المحضار والفنان المطرب أبوبكر سالم بلفقيه ومن يدور في فلكهما من قبل ومن بعد، فقد سبقهما الفنان الكبير شيخ بن عبدالله البار الذي قدم بعض الأغنيات من ألحان رقصة الدحيفة الدوعنية وكذلك الفنان محمد جمعة الذي قدم أغنيات على ألحان رقصات الحفة والعدة والغية والدرية وغيرها وإن كان في نطاق أقل مما عند المحضار، وهذا باب واحد فقط من أبواب الأغنية الشعبية وهو غير الأغنية الطربية التي تصنف إلى أقسام: أغنية البوادي بنوعيها الخفيف والثقيل، وأغنية الخيالي وأغنية البهراوي وأغنية البنجابي وغيرها من أنواع الطرب.
إن هذا التنوع والكثرة والتميز والروعة والإبداع والمتعة أغرى الكثير من الفنانين من داخل اليمن أو خارجه على تقديمه بأنفسهم في بلدانهم وادعاء البعض منهم نسبته إليهم وإلى بلدانهم ويتعمدون أحياناً كثيرة تجاهل أصحابه وعين الشمس لا تغطى بمنخل، كما يقول المثل.. وهم بهذا ينسون أو يتناسون أنهم بذلك يسيئون إلى تراثهم الأصلي ويطمرونه أو ينحّونه جانباً.
في حين نحاول نحن هنا البحث جادين في الوسائل الكفيلة لحفظه من الضياع ولكل عناصره المختلفة، كإنشاء المراكز والمتاحف وإصدار المجلات وغيرها من الوسائل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.