تظل صناعة الحياة هاجس كل من يحاول أن يخدش سطح السماء ويترك أثره عليها ويمضي لا يهمه سخط الآخرين أو حتى ثنائهم.. فالأفكار الخلاقة بنات اللحظة الشعورية الصادقة ، والتي يكون فيه الإنسان متميزاً لنقاء سريرته وصفاء ذاته.. وارتباط أية فكرة خلاقة بالطفولة هو مايجعلنا نقف بحب مع تلك الفكرة حتى وإن ظهرت أخطاء في تنفيذها فالتحيز للطفولة بحد ذاتها هو معانقة جميلة للنقاء.. ومهرجان اللون.. والذي كان عشقاً استثنائياً هو ماجعلني اتمسك برؤيتي بأن الطفولة حينما تدعها تحلق في سماء حريتها فأنها تبدع وتعشق وتصنع الجمال.. وعندما رسمت فكرة هذا المهرجان مهرجان اللون قبل ذلك لم أكن اتوقع بأن هذا المهرجان سوف يعيد ترتيب تفكيرنا كناشطين في مجال حقوق الطفل أو كفنانين أو كقائمين على هذا المهرجان.. حينما نشاهد الطاقات المتفجرة التي وجدناها لدى الكثيرين من اطفال اللون ، والذين شاركوا إما في مسابقة الرسم .. وطن واحد.. دين واحد ، أو شاركوا في ورش الرسم على شوارع المدينة وأمام المدارس وساحات تلك المدارس.. فاطفال اللون .. أو اطفال مهرجان اللون ، عندما انغمسوا في زخم الألوان ، ورسموا لوحاتهم على جدران مدارسهم وأمام تلك المدارس وساحاتهم.. بالوانهم المسائية أو التربية أو بالطباشير الملونة ، لم يكونوا يرسمون.. بل إنهم كانوا يحلقون في سماء اللون.. يلعبون .. يلهون.. يرشون ضحاكتهم ألوان الفرح والبهجة في تلك اللوحات الجدارية.. ... فإذا كان اللعب يساعد الطفل على تمرين عقله وجسده فيستوعب العالم من حوله.. فإن الرسم هو من يهذب العقل والفكر والسلوك.. وعندما تم طرد مادتي التربية الفنية والموسيقى من مدارسنا وتم سفح دمائهما.. صارت المدرسة عبئاً ثقيلاً على الطفل والطالب وتغيرت نظرته إليها.. فبدلاً من شوقه الذي يلازمه منذ لحظة مغادرته للمدرسة يعد انتهاء اليوم الدراسي والتي كان يشعر به سابقاً صارت خطواته باتجاه المدرسة ثقيلة وصار هاجسه متى يدق جرس المغادرة «الرواحة».. لذا ظهرت أشكال من العنف في مدارسنا المختلفة ، فاغتيال اللون في مدارسنا هو اغتيال للطفولة واحلامها .. وبراءتها وكان مهرجان اللون.. هو انتصار حقيقي لمكانه «الفن» والتربية الفنية ، في مدارسنا.. وأن كانت فكرة مهرجان اللون ، فكرة غريبة ومثيرة بعض الشيء إلا أنها خلاصة لفكرة ، دعوني ارسم .. الون .. فهذا حق من حقوقي كطفل.. ومن خلال اشرافي على ورش الرسم المختلفة ، لم يتملكني الادهاش والاعجاب لما صنع ، اطفال اللون ، بجدران مدارسهم .. بل تملكني اليقين الكامل بأن ماصنعته كان هو انتصار للطفولة وللون معاً.. بل للابداع.. وحقول خصبة لمبدعين وتشكيليين قادمين وكأن اطفال وطلاب وطالبات تلك المدارس والذين كانوا من الفئة العمرية «10 14» سنة كانوا جميعهم في لحظة انتظار طويل لمن يمنح اللون لديهم حريته ويطلق «الفن» من قيوده ، لوحات جدارية.. أزهرت بجدران مدارس الشهيدة نعمة رسام ، معاذ بن جبل ، عمار بن ياسر ، الشهيد الحكيمي ، زيد الموشكي..وحولت تلك المدارس إلى حدائق ملونة.. وجدران يرقص الفرح والبهجة على مسامها وسطوحها. ولم يكن تحلق الجماهير الغفيرة أمام مدرستي الشهيدة نعمة رسام ومعاذ بن جبل حينما لون الأطفال أحلامهم على تلك الجدران والتي كانت تشكو القسوة فصارت تنشر البهجة والفرح الملونة ، لم يكن تحلق تلك الجماهير لمشاهدة الطلاب والطالبات يرسمون الفرح بل كان تحلقهم لاشتياقهم لفعل جميل وخلاق في وقت عز ذلك الجميل ، وكان كل واحد من تلك الجماهير يتمنى لو كان طفلاً يشارك طلاب وطالبات تلك المدرستين بهجة الفرح واللون معاً.. أطفال اللون، طلاب وطالبات تلك الورش التي حاول البعض اغتيال الفرح واللون فيها.. كانوا عصافير مهرجان اللون ، والذين بنوا أعشاش فرحهم على اشجار الإبداع ونشروا زقزقاتهم ألوان مقوزحة مشرقة.. ومبهجة.. عانقت الإبداع والجمال حينما رسم اطفال اللون سماءهم على تلك اللوحات والجداريات الجميلة.. ومهرجان اللون لم يكن بهجة مؤقتة ولانريدها أن تكون كذلك.. بل أنه نسق لأعمال قادمة يمكننا فيها أن نحاصر العنف المستشري في مقاعد الدراسة.. ويمكننا أن نساهم فيه بتعلم المعرفة بطرق أجمل.. وبشكل أجمل.. فالطباشير .. والألوان .. واقلام الرصاص.. وكراسات الرسم إن لم تداعب خيال الطلاب وتجعله يعرب عن أحلامه ومشاعره وحقوقه.. فإنها تجعل من مقاعد الدراسة والتعلم سجناً وقيداً قاسىاً «اسمه مدرسة».